نيويورك تايمز- الهند وباكستان.. تراجع مؤقت عن "حافة الهاوية"
شارك هذا الخبر
Monday, May 12, 2025
يبدو أن الهند وباكستان تراجعتا مجدداً عن حافة الهاوية. لكن أحداثاً كثيرة اكتنفت الأيام الأربعة التي سادتها الفوضى بين العدوين المسلحين نووياً، كما أن عوامل تحت السطح تبقي التوتر، بما يضفي شكوكاً على أن الهدنة لا تعكس عودة إلى النمط القديم من ضبط النفس.
وكتب مراسل صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية في نيودلهي مجيب ماشال، أن جيلاً جديداً من التكنولوجيا العسكرية غذى تصعيداً جوياً كبيراً. وشهد المسرح موجات من الغارات الجوية ونيران المضادات الأرضية بأسلحة متطورة. ولم يطل الأمر، حتى انضمت إليها مسيّرات مسلحة بأعداد كبيرة للمرة الأولى على طول "خط السيطرة" القديم في كشمير - مئات منها في السماء، تستكشف دفاعات كل دولة وتضرب، دون تعريض أي طيار للخطر. وبعد ذلك، انطلقت الصواريخ والمسيّرات عبر المناطق الحدودية إلى عمق الأراضي الهندية والباكستانية، حيث ضربت القواعد الجوية والدفاعية بشكل مباشر، مما أدى إلى تهديدات خطيرة، وإلى أعلى مستوى من التأهب العسكري.
اللحظة الأخيرة قبل الكارثة في هذه المرحلة فقط، بدا أن الدبلوماسية الدولية - التي كانت عاملاً حاسماً في عمليات التراجع السابقة بين الهند وباكستان - قد انخرطت بجدية، في ما بدا وكأنه اللحظة الأخيرة قبل الكارثة. في فصل عالمي جديد اتسم بالصراعات الخطيرة، وتشتت انتباه القادة، وتراجع الشعور بالمسؤولية الدولية في الحفاظ على السلام، لم تبدُ شبكة الأمان، أكثر ضعفاً، من أي وقت مضى. وبحسب المؤرخ العسكري والمحلل الاستراتيجي سريناث راغافان، فإنه "إذا عدنا إلى الوراء تاريخياً، فإن الكثير من الصراعات بين الهند وباكستان توقفت بفضل التدخل الخارجي".
وأوضح أن أياً من البلدين لا يمتلك قاعدة صناعية عسكرية مؤثرة، وأن الاعتماد على مبيعات الأسلحة من الخارج يعني أن الضغط الخارجي قد يُحدث تأثيراً. لكن مواقف الجانبين بدت أكثر تطرفاً هذه المرة، ويبدو أن الهند تحديداً ترغب في معرفة ما إذا كان في إمكانها تحقيق نتيجة مختلفة عما حققته في النزاعات السابقة. وأضاف "أعتقد أن هناك تصميماً أقوى، على ما يبدو، من جانب الحكومة الهندية لضمان ألا يشعر الباكستانيون بإمكان النجاة أو الشعور بالتعادل.. وهذا بالتأكيد جزء من التصعيد. يبدو أن كلا الجانبين يشعر بأنه لا يمكنهما ترك هذا الأمر ينتهي بشعور الطرف الآخر، بأنه يمتلك اليد العليا". ولا تزال الوقائع السياسية في الهند وباكستان، اللتين تسيطر عليهما نزعة قومية دينية راسخة، دون تغيير بعد القتال. وهذا ربما يُشكل الدفعة الأقوى نحو نوع من المواجهة، التي قد تخرج عن السيطرة مجدداً. باكستان واقعة تحت سطوة مؤسسة عسكرية قمعت المؤسسات المدنية، ويديرها جنرال متشدد هو نتاج عقود من الجهود لأسلمة القوات المسلحة. وقد دفع انتصار القومية الهندوسية، الذي يعيد تشكيل الديمقراطية العلمانية في الهند كدولة هندوسية صريحة، إلى نهج متشدد إزاء باكستان.
ولم تكن ثمة أي مؤشرات الأحد على أن باكستان أو الهند في طريقهما إلى ترميم علاقاتهما الدبلوماسية، التي كانت فاترة حتى قبل التصعيد العسكري، أو في سبيلهما إلى تخفيف قيود التأشيرات المفروضة على مواطني كل منهما. ولم يبدُ أن الهند ستتراجع عن إعلانها عدم الالتزام بعد الآن بمعاهدة نهرية بين البلدين - وهو عامل حاسم بالنسبة لباكستان، التي قالت إن أي محاولة لعرقلة تدفق المياه ستُعتبر عملاً حربياً. اندلعت شرارة القتال الأخير، على خلفية هجوم إرهابي على الجانب الهندي من كشمير، أسفر عن مقتل 26 مدنياً في 22 أبريل(نيسان). واتهمت الهند باكستان بدعم المهاجمين، بينما نفت باكستان أي دور لها في الهجوم. وقد أنهت الأزمة فترة هدوء استمرت ست سنوات، حيث اتخذت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندية نهجاً مزدوجاً حيال باكستان.. محاولة عزل جارتها بأقل قدر من التواصل معها، وتعزيز الأمن في الداخل، وخصوصاً من طريق عسكرة الجانب الهندي من كشمير على نحو مكثف. وبتأسيس نمط من العمل العسكري التصعيدي رداً على الهجمات الإرهابية في عامي 2016 و2019، حصرت الهند نفسها في موقف الرد الأقصى. بعد هجوم الشهر الماضي، كان الضغط السياسي لشنّ رد عسكري قوي فورياً. لكن خيارات الجيش الهندي لم تكن سهلة. فقد أخفق علناً في آخر صدام مباشر مع باكستان عام 2019، عندما سقطت مروحية نقل، وأسقطت القوات الباكستانية مقاتلة هندية من الحقبة السوفييتية وأسرت طيارها. وفي جولتها الافتتاحية من الضربات الجوية الأربعاء، قصفت الهند أهدافاً أعمق داخل أراضي العدو مما فعلت منذ عقود، وبحسب كل الروايات فقد ضربت أهدافاً قريبة بما يكفي من المنشآت المرتبطة بالجماعات الإرهابية، بحيث يمكنها أن تدعي النصر. لكن ما حفّز على الضغط الدبلوماسي المكثف من جانب الولايات المتحدة، بمساعدة واضحة على الأرض من السعوديين ودول الخليج الأخرى، لم يكن مجرد اقتراب الأهداف من المواقع الحساسة ــ بل أيضاً ما قد تعنيه الخطوة التالية في سلم التصعيد السريع لقوتين نوويتين.