جيوبوليتيكال فيوتشرز- ماذا تخفي سياسة إسرائيل تجاه الدروز في سوريا؟
شارك هذا الخبر
Friday, May 9, 2025
تناول المحلل السياسي هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، التحركات الإسرائيلية المتزايدة والمكثفة في المشهد السوري المتغير، الذي أعقب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) من العام السابق.
وقال خشان في مقاله بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي، إن الخطاب الإسرائيلي الرسمي، الذي يصور التدخلات العسكرية، لا سيما في جنوب سوريا كإجراءات ضرورية لحماية الأقلية الدرزية، يخفي في طياته أجندة استراتيجية أخطر تتمثل في العمل على تفكيك الدولة السورية، وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
مزاعم حماية الدروز وسلط الكاتب الضوء على حجم وطبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا الجديدة، مشيراً إلى تنفيذ إسرائيل لأكثر من 500 غارة جوية منذ سقوط نظام الأسد، مبررة ذلك بمنع انتقال أسلحة النظام السابق إلى قبضة السلطات السورية الجديدة التي تصنفها إسرائيل كـ"جهادية". لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الجو، بل امتدت لتشمل السيطرة على المنطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان السورية، بما في ذلك المواقع الاستراتيجية مثل قمة جبل الشيخ، مع تقدم ملحوظ للقوات الإسرائيلية في عمق الجنوب السوري، لتصل إلى مسافة تقل عن 20 كيلومتراً من قاعدة المزة الجوية الحيوية، الواقعة جنوب شرق دمشق.
وأوضح خشان أن المبرر الرسمي الذي قدمته إسرائيل لهذا الانتشار العسكري هو إنشاء منطقة عازلة لحماية المناطق التي تقطنها الأقلية الدرزية في سوريا. وهذا الموقف عززته تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي هدد قبل شهرين، باللجوء إلى التدخل العسكري المباشر إذا ما تعرض الدروز لأي أذى من قبل الحكومة السورية الجديدة. واستشهد الكاتب بحادثة وقعت في أواخر أبريل (نيسان)، والتي شكلت اختباراً حقيقياً لجدية التعهدات الإسرائيلية. فقد اندلعت اشتباكات ذات طابع طائفي في ضواحي العاصمة دمشق، كان شرارتها تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نُسب إلى أحد أفراد الطائفة الدرزية. كان رد الفعل الإسرائيلي، بحسب وصف المسؤولين، هو "ضربات تحذيرية" استهدفت قوات الأمن التابعة للحكومة في بلدة ذات غالبية درزية. ورغم هدوء موجة العنف الطائفي التي خلّفت أكثر من 100 قتيل خلال يومين، عاود الطيران الحربي الإسرائيلي بعد يومين فقط شن غارات جوية واسعة النطاق ضد أهداف عسكرية سورية، شملت منطقة قريبة من القصر الرئاسي في دمشق، مجدداً بذلك نتانياهو تعهده بحماية الطائفة الدرزية.
الأجندة الخفية ورأى خشان أن "الادعاء بالدفاع عن الدروز يبدو أنه يخفي أجندة أعمق"، وربط هذا الأمر بشكل مباشر بتصريحات نتانياهو في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حول نيته تغيير وجه الشرق الأوسط.
ولفت الكاتب النظر إلى موقف مغاير من داخل الطائفة الدرزية نفسها، حيث رفضت المرجعيات الدينية والفصائل العسكرية الدرزية أي توجهات انفصالية، مؤكدة على انتمائها الراسخ للدولة السورية، بل أيدت الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة لاستعادة الأمن وفرض النظام في محافظة السويداء، معقل الدروز. وأكد الكاتب فرضيته بالإشارة إلى تصريحات وزير المالية الإسرائيلي الذي اعتبر تفكيك سوريا هدفاً رئيساً لإسرائيل، وذلك بهدف حماية أمنها وإنهاء حالة الصراع التاريخي مع العرب. وأوضح الكاتب أن نتانياهو يسعى من خلال هذه السياسة إلى تجنب ترك الساحة السورية لتركيا، الحليف الرئيس للنظام الجديد، مع الحرص على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع أنقرة.
استغلال الضعف السوري وأوضح الكاتب أن إسرائيل تستغل حالة الضعف التي يعانيها النظام السوري الجديد وافتقاره للسيطرة الكاملة على مساحات واسعة من البلاد، بما في ذلك الساحل العلوي، والمناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة تركيا والأكراد، والمناطق البدوية في الجنوب الشرقي. وقال الكاتب إن تركيز العمليات الإسرائيلية في جنوب سوريا، وهي منطقة لا تمثل أولوية قصوى لدمشق في الوقت الراهن، يتيح لإسرائيل فرصة "فرض واقع جديد على الأرض". ورأى خشان أن الهدف الإسرائيلي النهائي يتجاوز حماية الدروز ليشمل تشجيع الأقليات الأخرى – كالعلويين والإسماعيليين والأكراد – على تشكيل كيانات مستقلة خاصة بهم، وهو ما يندرج ضمن مخطط نتانياهو الأوسع لإعادة هيكلة المنطقة.
تهمة الإرهاب والواقع السوري الجديد وفي معرض تحليله للخطاب الإسرائيلي الذي يصف القيادة السورية الجديدة، وتحديداً الرئيس أحمد الشرع، بالإرهاب، قال الكاتب إن طموحات جماعة الشرع السابقة، هيئة تحرير الشام، هي حركة جهادية، ذات طابع محلي وإقليمي (تحرير الشام الكبرى)، وليست عابرة للحدود بالمعنى التقليدي للقاعدة، وإنها لم تستهدف إسرائيل أو المصالح الغربية بشكل مباشر. وذكر الكاتب أن إسرائيل قدمت سابقاً العلاج لجرحى هذه الجماعة، مشيراً إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي نفسه كان يركز قتاله ضد النظام السوري والجماعات الإسلاموية المنافسة أكثر من تركيزه على إسرائيل. وانتقد الكاتب النهج الإسرائيلي القائم على مبدأ "الحل الصفري" في التعامل مع الصراع، مؤكداً أن القضية بالنسبة للعرب هي معركة هوية، ويصعب فيها تحقيق انتصار حاسم ودائم.