هل تعيد الانتخابات البلدية الطرابلسية الاعتبار لتمثيل المسيحيين والعلويين؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 9, 2025

المفاجأة الوحيدة التي ينتظرها الطرابلسيون وهم يستعدون للإقبال على صناديق الاقتراع لانتخاب مجلسهم البلدي المؤلف من 24 عضواً، تكمن بأن يؤدي فرز الأصوات إلى إعادة الاعتبار للتمثيل المسيحي والعلوي، الذي خلا منهما المجلس البلدي الحالي الممدد له، برغم أن عدد المرشحين إليهما هو أقل من العدد المطلوب لتوزيعهم على 6 لوائح، وربما أكثر، حيث يتم التنافس لخوض السباق البلدي في مرحلته الثانية التي تنطلق الأحد المقبل، وتشمل محافظتي الشمال وعكار.

فخلو المجلس البلدي الحالي من تمثيل الأقليات لا يعود إلى تبادل التشطيب فحسب، الذي حرم المسيحيين والعلويين من التمثيل، وإنما إلى قلة إقبال الناخبين المنتمين إليهما على صناديق الاقتراع بسبب تعدد قوى النفوذ بداخلهما، وتعذُّر توحّدهما على نحوٍ يؤمن لهما الحضور الوازن فيه بغياب المرجعية المسيحية والعلوية التي كانت وراء تراجع نسبة الإقبال على الاقتراع، بخلاف زحمة المرشحين من الطائفة السنية، ما أدى إلى التضحية بتمثيل الأقليات.

وبرغم أن القيمين على تشكيل اللوائح يصرون على تمثيل العلويين بمقعدين في المجلس البلدي لعاصمة الشمال، وبعدد مماثل للأرثوذكس، وواحد للموارنة؛ فإن المشكلة تبقى في القانون البلدي المعمول به حالياً؛ كونه لا ينص على توفير الحماية السياسية لتمثيل الأقليات الطائفية في مجلسها البلدي، وهذا ما دفع بنوابها للمطالبة بتعديله باعتماد اللوائح المقفلة، لقطع الطريق على استبعادها من الحضور بذريعة الاحتكام إلى العملية الديمقراطية والتسليم سلفاً بنتائجها.

ويبدو مع إقفال الباب أمام الترشح لعضوية المجلس البلدي أن المنافسة تدور بين 6 لوائح، وربما أكثر، وبعضها ليس مكتملاً بسبب تدني عدد المرشحين العلويين والمسيحيين الذي يحول دون اكتمالها، وهي محصورة بين ثلاث لوائح، الأولى تحمل اسم «رؤية طرابلس» التي يرأسها العضو الحالي في المجلس البلدي، رئيس جمعية «مكارم الأخلاق» ومدير «روضة الفيحاء» الصيدلي عبد الحميد كريمة، والمدعومة من النواب: فيصل كرامي، أشرف ريفي، كريم كبارة وطه ناجي «جمعية المشاريع الخيرية - الأحباش».

أما اللائحة الثانية فتحمل اسم «نسيج طرابلس»، ويرأسها المهندس وائل إزمرلي، والمدعومة بشكل أساسي من النائب إيهاب مطر، ومن «جمعية عمران» التي انفصلت عن مجموعة «حراس المدينة» التي رأت النور مع انطلاق الانتفاضة الشعبية على المنظومة الحاكمة آنذاك في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إضافة إلى عدد من رجال الدين المسلمين؛ في حين تحمل الثالثة اسم «حراس المدينة» برئاسة الناشط خالد تدمري، الذي يحمل أيضاً الجنسية التركية، والمدعومة من «الجماعة الإسلامية» و«هيئة الإسعاف الشعبي» وعدد من المشايخ وأعضاء سابقين في المجلس البلدي.

ويتردد طرابلسياً أن الهوى السياسي للائحة «حراس المدينة» تركي، بخلاف لائحة «نسيج طرابلس» ذات الهوى الإسلامي المعتدل، في حين يقف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على الحياد ويرفض التدخل ترشحاً واقتراعاً، كما يُنقل عنه في الشارع الطرابلسي، وإن كانت تربطه علاقة مميزة بالنائب مطر الذي استعان ببعض العاملين في ماكينته الانتخابية لما لديهم من خبرة في تنظيم الحملات الانتخابية، وذلك وفق ما يؤكده عدد من نواب طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، انطلاقاً من مواكبتهم من كثب للعلاقة القائمة بينهما التي لا تشوبها شائبة.

لكن أكثر ما يلفت أنظار الطرابلسيين، غياب الأحزاب التاريخية عن المنافسة الانتخابية وتراجع حضورها في النسيج الطرابلسي، ما أدى إلى إحداث فراغ استفادت منه بعض التيارات الإسلامية، ومعظمها حديث النشأة، في حين لا تلحظ المصادر أي دور فاعل للنائب الأرثوذكسي جميل عبود، الذي يشغل المقعد النيابي الحالي بحصوله على 79 صوتاً تفضيلياً، وكان ترشّح على لائحة ريفي بخلاف زميله الماروني على اللائحة نفسها، إيلي خوري، المنتمي إلى كتلة «الجمهورية القوية» (حزب القوات اللبنانية)، الذي يتمتع بحضور انتخابي في المينا، وبنسبة أقل في عاصمة الشمال.

أما بخصوص «تيار المستقبل»، فتتوقع المصادر، في ضوء عزوفه عن الترشح والاقتراع بلدياً، بأن يحصر معركته بالمجالس الاختيارية في طرابلس، ومن ثم اختبار مدى صدقيته من خلال جمهوره بوقوفه على الحياد. والموقف نفسه ينسحب على المينا الذي يتألف مجلسها البلدي من 21 عضواً؛ بينهم 6 مسيحيين، وهذا ما يضع المعنيين بالعملية الانتخابية أمام تحدٍّ يكمن في الحفاظ على التمثيل المسيحي، علماً بأن الرئيس ميقاتي يتمتع بحضور وازن في المينا وتربطه علاقة وطيدة بعدد من المرشحين.

وعليه؛ تبقى الأنظار مشدودة إلى طرابلس للتأكد من أن المنافسة، هذه المرة، لن تكون كسابقتها، وستعيد الاعتبار للتمثيل المسيحي والعلوي الذي يشكو من تعدد أصحاب النفوذ داخل الطائفة العلوية، والذي بلغ ذروته مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، مع أن ممثلها في طرابلس النائب حيدر ناصر يحض الناخبين من طائفته على الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لتفادي الخلل في تمثيلها في المجلس البلدي الحالي، رغم أن عدد ناخبيها يبلغ نحو 28 ألفاً.

لذلك تُرجّح مصادر طرابلسية أن تبقى المنافسة بشكل أساسي بين لائحتي «رؤية طرابلس» و«نسيج طرابلس»، دون التغاضي عن حضور لائحة «حراس المدينة» في صناديق الاقتراع، وهذا ما يبرر ارتفاع المخاوف من تبادل التشطيب، وما إذا كان سيرتدّ سلباً بتهديده التمثيل المسيحي والعلوي، أم أن المنافسة تأخذ في الحسبان استرداد حق الأقليات بالتمثيل البلدي، وتطعيم مجلسها بعدد من النساء المرشحات على اللوائح الأساسية، وبينهن رسّامة وصحافية من الطائفة العلوية.

محمد شقير
الشرق الأوسط