بينما يحاول لبنان استكمال مسار تثبيت الاستقرار الداخلي والانتظام العام، من قبيل إجراء الانتخابات البلدية ووضع مشاريع إصلاحية للنهوض، والاستعداد لصيف سياحي مزدهر، والإصرار على توقيف جميع المطلوبين في عمليتي إطلاق الصواريخ من الجنوب قبل شهرين، يصرّ العدو الإسرائيلي في المقابل على محاولة تعطيل هذه الاندفاعة وإحراج الدولة من خلال مواصلة غاراته على الأراضي اللبنانية، وفق ما حصل عبر الحزام الناري الذي لفّ أمس مرتفعات النبطية والبلدات المجاورة!
مع ذلك، وعلى رغم من التصعيد الإسرائيلي المستمر، سُجّلت خلال الأيام الماضية مؤشرات إلى استعداد حركة «حماس» للانتظام تحت سقف مقررات الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع، عبر مبادرتها حتى الآن إلى تسليم ثلاثة مطلوبين من أصل أربعة في قضية إطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة في آذار الماضي، وذلك تنفيذاً لما تعهّدت به خلال الاجتماع الذي عُقد بين ممثلها في لبنان احمد عبد الهادي ومدير الأمن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي.
ومن الواضح أنّ «حماس» استشعرت حساسية هذه المرحلة، ولمست إصرار السلطة اللبنانية على تسلّم المطلوبين في إطار السعي إلى ضبط الوضع الجنوبي وعدم «التبرّع» بأي ذريعة مجانية للعدو الإسرائيلي من أجل تبرير مواصلة اعتداءاته على لبنان، وإن يكن في المبدأ ليس في حاجة إلى ذرائع، كما تدلّ الغارات العنيفة والواسعة التي شنّها أمس على الجنوب من دون أي مبرر سوى ما يتصل بـ«وساوسه».
وهناك من يدعو «حماس» إلى التنبّه والحذر في هذه الفترة، والتصرّف بأعلى درجات الحكمة والمسؤولية، على قاعدة إعطاء الأولوية للمعركة التي تخوضها في قطاع غزة وتفادي الدخول في أي نزاعات جانبية، من شأنها الإضرار بالقضية الأصلية.
ويؤكّد مصدر رسمي واسع الإطلاع لـ«الجمهورية»، أنّ «حماس» أظهرت حتى الآن إيجابية واضحة في التعاطي مع ملف المطلوبين، الّا انّها غير كافية، لأنّ المطلوب الرابع، وهو الأهم، لم يتمّ تسليمه حتى الآن.
ويكشف المصدر أنّ الأشخاص الثلاثة الذين تمّ تسليمهم إلى السلطات اللبنانية هم منفّذون ولوجستيون وليسوا مخططين او أصحاب القرار، وبالتالي فإنّ الشخص الرابع الذي لا يزال متوارياً هو المحوري في المجموعة، وسيكون الأكثر أهمية بالنسبة إلى المحققين لأنّه يمكن من خلاله التوصل إلى معرفة من أعطى الأوامر بإطلاق الصواريخ واستكمال الخيوط الناقصة.
ويستبعد المصدر أن يكون الدافع وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب مرتبطاً بحماسة فردية فقط، خصوصاً انّ الأمر يتعلق بثلاث عمليات، اثنتان نُفّذتا وأخرى ضُبطت قبل بدء التنفيذ، ما يؤشر إلى احتمال وجود «قطبة مخفية» تتجاوز المبادرة الفردية، وربما يكون هناك اختراق من أجهزة مخابراتية، ولكن هذه تبقى فرضية في حاجة إلى التدقيق. ويوضح المصدر أنّ الاستهداف الإسرائيلي الأخير لأحد كوادر «حماس» في شرق صيدا ساهم في تأخير التحضيرات لتسليم المطلوب الرابع، إذ انّ قيادات الحركة غابت عن السمع بعد هذا الاستهداف لاعتبارات أمنية، ما أدّى إلى تعذر التواصل معها لبعض الوقت.
ويشدّد المصدر على أنّ «حماس» مدعوة إلى الإسراع في تسليم الشخص الرابع الموجود في أحد مخيمات الجنوب لإقفال هذا الملف نهائياً واحتواء التداعيات السلبية التي ترتبت عليه، لافتاً إلى انّ قيادة «حماس» في لبنان أبدت كل استعداد للتعاون تحت سقف الالتزام بضوابط الدولة وقوانينها، والمنتظر الآن استكمال الترجمة العملية لموقفها.
ويعتبر المصدر الواسع الاطلاع، انّ من مصلحة «حماس» تفعيل التعاون مع لبنان الرسمي بغية تفادي جرّها إلى مواجهة ضدّه، خصوصاً أنّه قد يكون لدى البعض في المنطقة مخطط لمحاصرتها، ولذا عليها تجنّب تسهيل تنفيذ هذا المخطط المحتمل.
ويؤكّد المصدر انّ الحزم الذي أبدته السلطة ضدّ مطلقي الصواريخ المريبة على شمال فلسطين المحتلة يجب أن يواكبه حزم مماثل في لجم العدوانية الإسرائيلية ضدّ لبنان، لأنّ الهيبة هي كلٌ لا يتجزأ ولا يمكن أن تكون نصف هيبة، وكما أنّ الدولة معنية بأن تلاحق مخالفي قوانينها على أراضيها، فانّها مُطالَبة أيضاً بوقف الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لسيادتها، وإلّا سيبقى الباب مفتوحاً أمام ردود الفعل.