هل أدركت «حماس» أن ساحة لبنان «أقفلت»؟! - بقلم جورج شاهين
شارك هذا الخبر
Tuesday, May 6, 2025
تعتقد مصادر واسعة الإطلاع، أنّ هناك كثيراً مما يُقال في ملف العلاقة بين السلطة اللبنانية وحركة «حماس»، عقب المطالبة بتسليم أربعة من عناصرها يُعتقد أنّهم قد تورطوا بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في اتجاه شمال فلسطين المحتلة. ذلك انّ أسلوب التعاطي بين الطرفين قد تغيّر دراماتيكياً بالنسبة إلى حماس التي عليها أن تدرك انّ الساحة اللبنانية لم تعد مفتوحة. وعليه، ما الذي يقود إلى هذا السيناريو بمختلف تطوراته.
ما بين يوم وآخر يُفترض أن تطوي حركة «حماس» المواجهة غير المتوقعة مع الأجهزة الأمنية والعسكرية عقب ما انتهت اليه المراحل التنفيذية للقرار الذي اتُخذ في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الجمعة الماضي بتسليم المتورطين في عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على مرحلتين في 22 و28 آذار الماضي، من دون الفصل في إمكان ظهور ترابط بين هذه العمليات وما كشفت عنه التحقيقات الأردنية في ما بات يُعرف بـ«خلية الصواريخ الاردنية». فالحركة التي لم تكن تعتقد انّ المواجهة قد تكون سريعة لهذه الغاية بعد التفاهم على تجميد العمليات العسكرية في لبنان منذ 27 تشرين الثاني الماضي، وسعي العهد لتجاوز مسلسل المطبّات التي واجهها إثر سقوط المهل المتتالية لتأمين الانسحاب الاسرائيلي من النقاط المحتلة والولوج إلى مرحلة تسلّم السلاح غير الشرعي في لبنان للانتقال بكل الوسائل المتاحة إلى مرحلة وقف النار الثابت والنهائي، كإشارة واضحة لإمكان ولوج الطريق الطويل والصعب نحو التعافي والإنقاذ.
وعليه، تعتقد مصادر واسعة الإطلاع، انّ العقبات التي حالت دون تنفيذ هذه المراحل المقدّرة لم تكن سهلة للغاية، فهناك مجموعة من العِقَد التي لا يمكن فكفكتها بالسهولة التي يعتقدها البعض. فإلى الرهانات الخاطئة التي خاضها البعض، جوبه العهد بمحطات لم يكن ينتظرها أحد، ذلك انّ العمليات العسكرية لم تبق محصورة بما يجري في غزة ولبنان، بعدما توسعت رقعتها في اتجاه الأراضي السورية والعراق واليمن، مع ما طرأ من متغيّرات دراماتيكية أطاحت بالنظام السوري وارتفاع وتيرة الحرب في اليمن، والمتغّيرات المنتظرة على الساحة العراقية على مستوى البحث عن السلاح غير الشرعي من غير ذلك الذي يمسك به «الحشد الشعبي»، لتطاول وحدات خاصة بالمنظمات الموالية لإيران، مخافة أن تمتد اليد العسكرية الغليظة الأميركية والاسرائيلية اليها، بعدما طاولت اليمن وإيران، في عمليات ردّت عليها اليمن بطريقتها الخاصة، ولم تنفّذ بعد طهران ردّها المنتظر في «التوقيت والشكل المناسبين».
وعليه، لم يعد خافياً على أحد أنّ المواجهة التي طرأت بين الأجهزة العسكرية والمخابراتية اللبنانية و«حماس» جاءت في هذا التوقيت الدقيق. فقبل أن تنتهي التحقيقات في جريمة إطلاق الصواريخ من الجنوب في اتجاه الجليل الأعلى التي استدرجت إسرائيل مرّة اخرى إلى تجديد غاراتها على الضاحية الجنوبية ومناطق شمال الليطاني مستهدفة قادة من «حزب الله» و«حماس» و«قوات الفجر» التابعة لـ«الجماعة الاسلامية»، جاءت الرسائل الاردنية لتصبّ الزيت على نار الأزمة، التي تحدثت عن تورط جماعة من «الإخوان المسلمين» المنتمين إلى حركة «حماس» في لبنان في عملية التدريب والتجهيز، لتفتح العيون على مصير التحقيقات الجارية بحثاً عن منفّذي «صواريخ الجنوب» بطريقة قد تؤدي إلى وجود جهاز معين في الحركة، او على الأقل شبكة واحدة متورطة في العمليتين. ولما توصلت التحقيقات إلى توقيف عدد منهم وتحديد أسماء الآخرين وأماكن وجودهم، تغيّرت أمور كثيرة وتقلّصت الشكوك، وارتفعت اللهجة في اتجاه الطلب من «حماس» تسليمهم.
لم تبدِ «حماس» بداية أي تجاوب مع طلب تسليمهم، وتوزع مسؤولوها في لبنان والمنطقة بين التأكيد بانتسابهم اليها والنفي، مع عدم معرفتهم بعملية القصف، وصولاً إلى اعتبار ما حصل بمبادرة فردية منهم، ولكن إصرار الأجهزة الأمنية، ولا سيما منها مديرية المخابرات، على دقّة المعلومات التي تمّ التوصل اليها، رفعت من لهجة التحذير من دون جدوى. ولما سقط اول وعد بتسليمهم الخميس الماضي أُدرج الملف على اجتماع المجلس الاعلى للدفاع على خلفية الإسراع في إقفال التحقيق في الملف، فكان التحذير الأخير بلهجة قاسية، وجاء استدعاء أحد مسؤوليهم الكبار، مسؤول حركة «حماس» في لبنان أحمد عبد الهادي، السبت الماضي إلى اجتماع مع المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي، ليقلّص هامش الحركة أمام مسؤولي «حماس» إلى الذروة.
ولما باتت «حماس» معرّضة لكل أشكال المراقبة اللصيقة في اكثر من دولة، اعتقد مسؤولوها انّ الساحة اللبنانية ما زالت مفتوحة امامها، ولا يمكن للأجهزة الامنية أن تنجح في تطويعها. وما زاد في الطين بلّة انّ قيادة «حزب الله» أبلغت إلى قادة الحركة انّها لم تعد قادرة على توفير الحماية لهم، فهي في المأزق عينه ولو بدرجة أقل، فلجأت الحركة إلى وساطات اخرى لم تأتِ بجديد لا بل نُصحت بالتعاون مع الأجهزة اللبنانية طالما انّها وعدت بإطلاعها على التحقيقات المتوقعة، فإن ثبت تورطهم تنتهي الحكاية، وفي حال العكس سيُصار إلى إجراء اللازم.
وكشفت المصادر عن اتصال أجراه أحد قياديي الحركة الكبار خالد مشعل برئيس مجلس النواب نبيه بري، طالباً التريث في الطلب اللبناني ومهل التسليم. ولكن النصيحة التي تلقّاها قالت بالتعاون الفوري مع مديرية المخابرات والاجهزة القضائية المختصة. فسلّمت الحركة أول المطلوبين أول امس الأحد وثانيهم أمس الاثنين، وقد تُسلّم ما بين اليوم وغداً العنصرين المتبقيين المطلوبين لئلا تتطور الملاحقة إلى ما لا يمكن ان تتحمّله الحركة على الساحة اللبنانية من حصار ومراقبة، مع التحذير من القيام بأي نشاط يخالف شروط الإقامة على الأراضي اللبنانية قبل ان تتفلّت الأمور.
على هذه الخلفيات، بدأت كرة التسريبات تتكشف، فالحركة تمادت في الفترة التي تزامنت مع حرب «الإلهاء والإسناد»، ومارست عمليات عسكرية من خارج دائرة التنسيق مع «حزب الله» قبل فترة قصيرة من اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، عندما أطلقت عشرات الصواريخ من الجنوب في اتجاه اسرائيل من دون أي تنسيق مع الحزب. كما كُشف انّ الحركة فتحت خطاً للتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني مباشرة، وقادت اليها وحدات من «قوات الفجر» في «الجماعة الاسلامية»، ولم تقف العملية لا عند صواريخ الجنوب ولا صواريخ الاردن. ولذلك فإنّ التحقيقات المنتظرة ستكشف كثيراً من الجوانب المخفية في ما حصل، قد تنير صفحات جديدة غير متوقعة من تلك المرحلة، نتيجة الفلتان الذي كان سائداً على الساحة اللبنانية قبل إقفال كثير منها من الآن وصاعداً.