"الحزب" يتصدّى للتنازل الأخير: نزع السلاح- بقلم طوني عيسى
شارك هذا الخبر
Saturday, November 2, 2024
كان بديهياً أن يتمّ الإعلان عن تعيين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لـ»حزب الله» في هذا التوقيت الحساس، وأن يسارع الرجل إلى سحب أي تفويض سابق لأي كان لكي يفاوض باسم «الحزب». فطهران تخشى أن يتمكن الأميركيون، بقوة النار الإسرائيلية، من انتزاع تعهدات من لبنان الرسمي تشكّل تهديداً مصيرياً لـ»الحزب». ولذلك، قرّرت الإمساك بالأمور مباشرة.
تحت وطأة القتل والتدمير والتهجير، نجح الإسرائيليون حتى اليوم في انتزاع التراجع من «حزب الله» في نقطتين أساسيتين:
1- وافق على وقف الحرب تماماً في لبنان، بمعزل عن مصير الحرب في غزة. وهذا الموقف يشكّل تنازلاً جوهرياً في موقف «الحزب» الذي بقيت قيادته السابقة، طوال عام مضى، تصرّ على الربط بين الساحتين، وتعلن الإصرار على مساندة غزة، أياً كانت العواقب والأثمان.
2- وافق على سحب مقاتليه وسلاحه من المنطقة الحدودية نحو الداخل، بعدما بقي يرفض في شكل قاطع كل الطروحات التي نقلها عاموس هوكشتاين في جولاته السابقة، والتي قبلت بها إسرائيل أحياناً، على أن يتراجع مقاتلو «الحزب» بضعة كيلومترات فقط، متخلية عن خط الليطاني الذي ينص عليه القرار 1701.
ولكن، ما يريده الإسرائيليون اليوم، بعد فتح الحرب على مداها في لبنان، لم يعد هو نفسه الذي أرادوه على مدى عام، عندما كانوا منهمكين في حرب غزة. فحكومة اليمين واليمين المتطرّف الإسرائيلية لم تعد ترغب في إبرام تسوية أو صفقة مع «حزب الله»، كما فعلت سابقاً، وباتت تفضّل الحسم التام باستئصال القوة العسكرية التي يتمتع بها، أي أنّها ارتأت إزالة أي خطر لتكرار عملية «طوفان الأقصى» على حدودها الشمالية، في أي يوم في المستقبل. وفي اقتناعها أنّ هذا مستحيل التحقق ما دام «الحزب» يحتفظ بالسلاح، سواء في الجنوب أو في أي مكان آخر. وقد أظهرت التجربة أن لا الجيش اللبناني ولا «اليونيفيل» قادران على منعه من بناء قدراته وحفر أنفاقه، بسبب ظروف البلد وتركيبته ومعادلة القوة التي تحكمه. ولذلك، تقوم إسرائيل اليوم بتدمير قدرات «الحزب» في كل المناطق وفي سوريا، بنحو ممنهج، وتمنعه من تلقّي أي أسلحة أو ذخائر جديدة.
النقطتان اللتان تنازل «الحزب» فيهما حتى الآن، أي فك الارتباط بغزة والتراجع عن الحدود، لا تشكّلان خطراً مصيرياً عليه. فالقرار 1701 الذي وافق عليه في العام 2006، على مضض، يمنع نشاطه بعد خط الليطاني. لكنه «تعايش» معه وتمكن بمرور السنوات من استعادة قدراته على الحدود. وهذا ما سمح له بتنفيذ العمليات ضدّ إسرائيل وإشعال «حرب المساندة»، العام الفائت.
لكن المفاوضات، عندما تجاوزت هاتين النقطتين، ودخلت في مبدأ «الحل المستدام» الذي تريده إسرائيل، باتت مصيرية. فهي تتعلق بجوهر وجود «الحزب» كتنظيم مسلح. وهذا ما استنفره «الحزب» واستفز طهران. وفي الأسابيع الأخيرة، حاولت مرجعيات السلطة تسويق تسوية تقضي بالعودة تماماً إلى «ستاتيكو» 1701 وفق التفسير الذي كان سائداً قبل الحرب، ما يسمح له بمرونة العمل سراً داخل بقعة الليطاني، ويتيح له استكمال بناء قدراته التسلحية بكاملها في كل المناطق الأخرى، من خلال المعابر براً وبحراً وجواً. و«الحزب» يقف وراء هذا التفسير، ربما يشكّل مخرجاً من مأزق الطرح الإسرائيلي المدعوم أميركياً.
وهذا الطرح بات مكشوفاً، وهو يقضي بتنفيذ القرارين 1559 و1680 اللذين يشكّلان جزءاً من القرار 1701. لكنه يمنح الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات دور المراقب والمكلّف التنفيذ، إلى جانب الجيش اللبناني. كما يسمح لإسرائيل نفسها بالحق في ضرب أي هدف تشتبه بأنّه يشكّل خرقاً للقرارين الدوليين، خصوصاً لجهة استقدام أسلحة وذخائر جديدة من طريق المعابر البرية أو البحرية أو الجوية.
طبعاً، الجانب اللبناني الرسمي سارع إلى رفض التسوية الإسرائيلية ـ الاميركية، لكونها تشكّل إذعاناً غير مقبول وامتهاناً فاضحاً للسيادة. كما أنّ «حزب الله» رفضها قطعاً لأنّها تعني هزيمته وسيادة إسرائيل على قرار لبنان وسيطرتها على مرافقه الاستراتيجية. لكن المشكلة تكمن في أنّ إسرائيل لا تبدو مستعدة للمساومة حول هذه النقطة، وردّها الوحيد سيكون استمرار الحرب بلا هوادة.
وهكذا، فـ«الحزب» يخوض اليوم مواجهة مصيرية حول النقطة الثالثة، أي مستقبله ومصيره. فإذا وافق على الشروط المفروضة سيكون قد سلّم بنهاية دوره كتنظيم مسلح. وإذا رفض الشروط، فالحرب ستستمر بلا هوادة. وهذا ما سيضعه أمام تحدّي التنازل في هذه النقطة، كما في النقطتين السابقتين، فك الارتباط بغزة والانسحاب إلى ما وراء الليطاني.
يقول الشيخ نعيم قاسم إنّ «الحزب» مستعد للحرب إذا فُرضت عليه. ولكن، ثمة من يعتقد أنّ «الحزب» سيضطر إلى التراجع والتخلّي عن سلاحه عاجلاً أو آجلاً، لأنّ هوامش المناورة التي كانت متاحة في السابق قد زالت، ولأنّ إسرائيل تعتبر أنّ أمامها فرصة لتتخلّص من خطر «الحزب» على حدودها الشمالية، كما تخلّصت من خطر «حماس» على حدودها الجنوبية. فالكلمة اليوم ليست للديبلوماسيين بل للعسكر، حيث المنتصر يفرض خياراته.