الحرب من أجل غزة أخفقت… هل تنجح جنوباً؟- بقلم انطوني جعجع
شارك هذا الخبر
Tuesday, September 17, 2024
انه المأزق بامتياز …
هذا هو الواقع الذي يعيشه محور الممانعة بدءاً من الضاحية الجنوبية وانتهاء بآخر ضاحية في طهران.
فما بدا وكأنه “تغيير معادلات” في السابع من أكتوبر تبين أنه لم يكن الا ضوءاً أخضر استفاد منه اليمين الاسرائيلي للانقضاض على حركة “حماس”، وما بدا أنه مجرد “توسيع جبهات” مضبوطة في الثامن منه، تبين أنه فخ أوقع “حزب الله” نفسه فيه وأعطى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أولاً فرصة الانتقام لجيشه الذي أخفق في “حرب تموز”، وثانياً فرصة احياء الحزام الأمني الذي فقده في العام ٢٠٠٠.
وما بدا وكأنه قدرة ايرانية متمكنة قادرة على فرض شروط ورفض أخرى، لم يكن الا مغامرة عبثية وضعت ايران في موقع “الكابوس” الذي يجب تحجيمه واعادته الى حدوده الطبيعية، وامبراطورية كلامية أرسلت أذرعها الى الحرب وتركتها هناك.
وفي قراءة سريعة للتطورات التي أعقبت “طوفان الأقصى”، يجد يحيى السنوار نفسه عالقاً بين الاستسلام أسيراً أو السقوط قتيلاً، ويجد حسن نصر الله نفسه عالقاً بين حرب لا يستطيع الخروج منها منتصراً ولا يحتمل الخروج منها مهزوماً، ويجد الامام خامنئي نفسه عالقاً بين خيارات وتنازلات موجعة لا يستطيع تحملها، وحرب اقليمية غير متكافئة لا يجرؤ على خوضها خشية أن تنتهي به الى خسارة كل ما بنته الثورة الاسلامية منذ العام ١٩٧٩.
وحده نتنياهو يعرف أنه يقبض على فرصة يمكن ألا تتكرر أبداً، وهي فرصة التخلص من كل أعداء اسرائيل في حرب يريدها آخر الحروب مع العرب، قائلاً في كواليسه اذا كان لا بد من ثمن لذلك فلندفعه الآن لمرة واحدة وأخيرة.
وما يؤكد هذه الاستراتيجية، هو هذا الاصرار على القتال على الرغم من الخسائر الهائلة التي لحقت بجيشه وهيبته وسمعته، وما يمكن أن يتكبده أكثر في الحرب التي بدأها في الضفة الغربية وتلك التي يستعد لها في جنوب لبنان.
مشكلة “حزب الله” ومعه محور الممانعة أنه لم يتنبه الى أربعة أمور جوهرية واستراتيجية، الأول أنه لم يقرأ جيداً تركيبة المجتمع الاسرائيلي الذي يقدم الأمن على كل أمر آخر، ولا عقيدة اليمين المتطرف في تل أبيب، والثاني أنه لم يتوقع أن تتحمل إسرائيل هذا الكم الكبير من الخسائر البشرية ولا هذه الاطالة المتعمدة في حرب الاستنزاف، والثالث أنه لم يتكهن بنوع المواجهة التي كانت تتحضر لها الدولة العبرية تقنياً واستخبارياً ولا بحجم الخرق الأمني في صفوفه، والرابع، وهو الأهم، أنه لم يدرك حجم قوته التي بدأت تقلق العالم وتزعجه وتتحول الى خطر يجب ازالته بأي ثمن وأي طريقة.
وأكثر من ذلك، أسهم الشعور الجارف بفائض القوة في عزل “حزب الله” شعبياً، وفي تحويل سلاحه من خطر على اسرائيل الى خطر على لبنان، وفي تفريغ شعارات “المقاومة” من مضمونها وأهدافها والتقليل من قدرتها على فرض توازن رعب أو تحرير الأرض المحتلة أو الحؤول دون احتلال أراض أخرى، وهو ما جعله مستهدفاً من الأمام ومكشوفاً من الوراء.
وليس من باب المصادفة أن تتكثف الرسائل الممانعة في اتجاه اسرائيل مؤكدة عدم الرغبة في توسيع الحرب وآخرها اعلان نائب الأمين العام لـ “حزب الله” نعيم قاسم أن الأخير لن يبادر الى الحرب لأن لا جدوى منها، موضحاً أن المواجهة ستكبّد الطرفين خسائر كبيرة، مستخدماً لغة جديدة لم يعتدها العالم في قاموس “المقاومة الاسلامية”، ولم تتضمن أي كلام على “نصر” مؤكد أو على ازالة الدولة العبرية أو تحويل الجنوب الى مقبرة لجنودها.
وعلق ديبلوماسي غربي على موقف قاسم قائلاً: ان الأخير قال ما لا يجرؤ حسن نصر الله على قوله هو الذي كان يعد بيئته بالانتصارات الدائمة، مشيراً الى أن “حزب الله” يبدو مستعداً لأي حل سياسي يمكن أن يجنبه حرباً قد تفقده كل ما بناه في لبنان على مدى أربعين عاماً.
وأضاف: ان نصر الله، خلافاً لنتنياهو، يريد وقف الحرب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية خشية أن يستفيد منها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، معتبراً أن التعامل مع كامالا هاريس في حال فوزها سيشبه التعامل مع سلفها باراك أوباما الذي منح محور الممانعة الكثير من الفرص التي ساعدته على التمدد والمشاكسة والخربطة في كثير من المفاصل والمحطات الاستراتيجية، وفي مقدمها محاولات التطبيع بين العرب واسرائيل، ومحاولات الضغط على أوروبا من خلال التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اضافة الى السير هانئاً بمشروع ايران النووي.
وما زاد في إحراجات “حزب الله” وايران محاولة الاغتيال الثانية التي تعرض لها ترامب، وهي المحاولة التي قد تسهم في زيادة حظوظ العودة الى البيت الأبيض وبالتالي الى السياسة التي حاصرت طهران وتبنت تل أبيب وأطلقت موجة التطبيع العربي – الاسرائيلي.
وانطلاقاً من هذا الجو، لا يشكل ميل نتنياهو وحكومته الى توسيع الحرب شمالاً، خبراً ساراً في الضاحية الجنوبية وسط تسريبات تؤكد أن أركان الحزب يقرون بأن الحرب هذه المرة قد لا تنتهي بأفضل مما انتهت اليه في عهد ياسر عرفات في الأمس أو في عهد اسماعيل هنية ويحيى السنوار اليوم، مشيرة الى أن الجنوب تحول الى أرض محروقة ومهجورة تسمح للجيش الاسرائيلي بخوض حرب مكشوفة لا تشبه حرب غزة التي حولتها الكثافة السكانية الى كتلة من البشر والحجر وتحول كل شبر فيها الى لغم أو كمين.
وسط هذا الجو القاتم لا يبدو نصر الله مهتماً برئيس للجمهورية لا يطعنه في ظهره بمقدار ما يبدو مهتماً بأي نصر عسكري مهما كان حجمه في الجنوب أو بأي بحل سياسي يلامس التطبيع ولا يكرّسه رسمياً، ويبعده الى شمال الليطاني فقط بدل أن يبعده الى المجهول أو على الأقل الى المربع الأول، أي المربع الذي انطلق منه رجاله من الأنفاق الى الأبراج ومن الضاحية الى كل لبنان.
ولعل ما قاله النائب السابق نواف الموسوي قبل أيام عن مصير أي رئيس لا يرضى به “حزب الله”، يشكل أول اشارة الى أن نصر الله”يتخوف من أن تؤدي أي خسارة عسكرية في الجنوب الى قلب موازين القوى لمصلحة المعارضة وتمكينها من التربع في قصر بعبدا على غرار ما حدث مع بشير الجميل أولاً ورينيه معوض ثانياً، ملوحاً في وجه الرئيس العتيد بما يجيد استخدامه جيداً أي السلاح والاغتيالات.