تناقضات لبنان.. موت وانفجارات واحتفالات تحت سماء واحدة

  • شارك هذا الخبر
Sunday, August 4, 2024

بينما كان أمين عام حزب الله حسن نصرالله يتوعّد إسرائيل بالرد على اغتيال أحد أبرز قادته العسكريين، كان آلاف اللبنانيين يتدفقون الى وسط بيروت، لحضور حفل مبهر، في مشهد يجسد بلداً منقسماً أكثر من أي وقت مضى على الحرب والسلام.

وتقول أولغا فرحات، الناشطة الحقوقية: "أحزن لرؤية الناس يموتون في جنوب لبنان وفي غزة، لكن المقاومة ليست في حمل بندقية والقتال فحسب، الفرح والفن والاحتفال بالحياة هو أيضاً شكل من أشكال المقاومة".

وتضيف "أنا من جيل نشأ وسط الحرب في لبنان وترعرعت في منزل يؤمن بالقضية الفلسطينية، لكني أقول اليوم لبنان أولاً". وتوضح "إنسانياً، أنا مع الشعب الفلسطيني حتى أقصى الحدود، لكننا تعبنا ونريد أن نعيش".

وكانت فرحات ضمن 8 آلاف تدفقوا مساء الخميس الى واجهة بيروت البحرية لحضور حفل راقص لفرقة "مياس" اللبنانية، بعنوان "قومي"، جسّدت فيه الصراعات والوجع الذي تعيشه بيروت، وخصّصت إحدى لوحاته لجنوب لبنان.

وأقيم الحفل الذي استُهل بمفرقعات نارية ضخمة زيّنت سماء العاصمة، بعد ساعات من تشييع الحزبقائد عملياته في الجنوب فؤاد شكر، وتوعُّد نصرالله بالرد على إسرائيل. ا

وبعدما ردّد آلاف من مناصري الحزبفي قلب الضاحية الجنوبية، "الموت لأمريكا"، و"الموت لاسرائيل"، رافعين رايات الحزب الصفراء، في دعوة للانتقام لمقتل شكر، تمايل آلاف في بيروت في حفل مياس، مردّدين "لبيروت من قلبي سلام لبيروت".

نحب الحياة
وتقول فرحات: "ثمّة انفصام في البلاد بين مجموعة لا تعنيها الحرب وتشعر أن ثمة قوة متمثّلة في حزب الله تريد أن تفرض هويتها الجماعية عليها، وأخرى تخوض الحرب لإثبات وجودها".
وتضيف "أفهم وجهتي النظر، لكننا تعبنا من الحروب. نريد الفرح ونريد الحياة".

ودفع التصعيد المستمر منذ 10 أشهر قرابة 100 ألف لبناني الى النزوح من بلداتهم الحدودية التي لحقها دمار هائل لا يتسنى لوسائل الإعلام توثيقه بسبب خطورة الوضع.

وسقط 542لبنانياً على الأقل بينهم 350 مقاتلاً من حزب الله، و114 مدنياً، استناداً الى بيانات رسمية وحزب الله.

وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، يقول حسين نصر الدين، وهو بائع في محل ألبسة: "لسنا من دعاة ثقافة الموت، نحن نحبّ الحياة شأننا شأن الناس كلهم.. لكن إذا فُرضت الحرب علينا مع اسرائيل، فمن الواجب أن نستشهد".

ويضيف "هذا ليس موتاً بل شهادة. المهم ألا ينجح المشروع الصهيوني في البلد".

ويرى أن "من المعيب إقامة الحفلات"، بينما "أهلنا في الجنوب يُهجّرون من بيوتهم وأطفالنا يُقتلون"، مضيفاً "المطلوب مؤاساة الناس".

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أثارت كلمة ألقاها رئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمّد رعد الذي سقط نجله في جنوب لبنان قبل أشهر، جدلاً بعدما حمل على "بعض النزقين من اللبنانيين" الذين "يريدون أن يذهبوا إلى الملاهي.. وشواطئ البحار، ويريدون أن يعيشوا حياتهم".

وردّ عليه مئات اللبنانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأشرطة فيديو مستفزة تنقل حفلات على البحر وموسيقى وأغان ورقص، مع وسم #لبنان_لا_يريد_الحرب، أو #منحب_الحياة (نحب الحياة).
وليل الخميس، إثر الحفل في بيروت، أثار تعليق للنائب مارك ضو على منصة إك" انتقادات واسعة من مناصري حزب الله، إذ قال فيه: "أقوى ردّ على إسرائيل حضارة الحياة والجمال".
وقال ضو: "الإشكالية القائمة تعتبر أن الشجاعة والمواجهة تُختصر في سلاح وعنف، في حين أن الصراع في وجه العدو الإسرائيلي متعدّد الأوجه".

على طرفي نقيض
وأضاف النائب الذي انتُخب إثر حركة احتجاجات شعبية شهدها لبنان ضد الطبقة السياسية الحاكمة، رفضه "اختزال فكرة لبنان في ساحة حرب وعسكرة وفي قدرتنا على العنف"، معتبرا أن قيمة لبنان "في الثقافة والتنوّع والانفتاح".

ويثير فتح حزب الله، القوة السياسية الأبرز التي تحتفظ بترسانة سلاح ضخمة، جبهة من جنوب لبنان ضد إسرائيل "إسناداً" لغزة، والخشية من تحوّل التصعيد عبر الحدود إلى حرب، انتقادات معارضيه الذين يأخذون عليه تفرّده بقرار السلم والحرب.

والانقسام ليس جديداً في بلد قائم على المحاصصة الطائفية والمحسوبيات والفساد.

وتقول صونيا نكد، الباحثة والمدرّبة في بناء السلام وحلّ النزاعات: "لا شيء يخفف الانقسام القائم في لبنان مهما بلغ حجم المأساة، ذلك أن كلّ طرف سجين موقفه".

وترى أن كلّ طرف "لا يريد الاعتراف بإنجازات الآخر، ويريده نسخة مطابقة عنه ليتمكّن من العيش معه، فيما الجهتان على طرفي نقيض" في كلّ شيء.

وعلى وقع التوترات، أعلنت خطوط طيران أجنبية كبرى تجميد أو خفض رحلاتها الى بيروت. لكن أعداداً من اللبنانيين المغتربين لا يزالون يصلون الى المطار حيث ينتظرهم أحباؤهم بالدموع.

وفي المقابل، قطع آخرون إجازاتهم خوفاً، بينهم رباب أبو حمدان التي تستعدّ للعودة الى الخليج حيث تقيم مع عائلتها. وتقول رباب: "توترت كثيراً في الأيام الماضية.كنت أتمنى مواصلة إجازتنا حتى نهاية أغسطس (آب)". لكنها تضيف "رغم الظروف الصعبة، يبقى لبنان الوجهة الأفضل لقضاء الإجازة مع العائلة والأصدقاء".


AFP