نتنياهو يستنسخ “ميونخ” ولا رادع لـ”تصفياته” - بقلم جوزفين ديب
شارك هذا الخبر
Sunday, August 4, 2024
في الرابع من كانون الثاني من هذا العام، نشر موقع “أساس” مقالاً عن قيام الشاباك بتشكيل خليّة أمنيّة دعاها “نيلي”، وهو اختصار بالعبري لعبارة “خلود إسرائيل لم يكذب”. وفيها استعاد الشاباك عملية ميونخ عام 1972 للقول إنّه سيصفّي كلّ من تورّط في عملية 7 أكتوبر، تماماً كما صفّى كلّ المتورّطين في استهداف الإسرائيليين في ميونخ.
في المقال المذكور، كلام عن خطّة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية بخطوات شاهدها العالم حتى يومنا هذا.
أمّا محور المقاومة، فهو سبق أن نفّذ عمليات ردّ على تصفيات لقادته التاريخيين. أبرز هذه العمليات كانت في بيونس آيرس مرّتين، وفي بلغاريا وغيرها. يومها كانت المقاومة تملك هامشاً واسعاً من الحركة قبل أن يتمّ التضييق عليها دوليّاً إلى حدّ خنقها في التمويل والتحرّك.
بين هذين النموذجين لا تزال الحرب ضروساً. إلا أنّ ما يملكه نتنياهو اليوم أكثر ممّا يملكه المحور بفعل كلّ التطوّرات الحاصلة في السنوات الأخيرة. فتحوّلت المعادلة في هذه الحرب المصيرية إلى أن يقوم نتنياهو بتصفيات أمنيّة وعسكرية وسياسية مستدرجاً الجميع إلى الحرب، فيما عواصم محور المقاومة لا تزال تردّ موضعياً لمعرفتها جيّداً أنّ لحظة الحرب ينتظرها نتنياهو ليقضي على كلّ ما حقّقه المحور في العشرين عاماً الماضية. وفي هذه المعادلة خلل في توازن القوّة والحركة.
تصفيات نتنياهو مستمرّة
نجح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إنقاذ مستقبله السياسي في المدى المنظور على الأقلّ بتسجيله “إنجازات” أمام الرأي العامّ الإسرائيلي بتنفيذ الاغتيالين الأخيرين. وإن كان نتنياهو اعترف باغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر ولم يعترف باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. ولذلك تبرير واضح، وهو أنّ إسرائيل لا تريد الاعتراف باغتيال حصل على أرض دولة أجنبية لا حالة حرب مباشرة معها. فطهران ليست بيروت، وهنية ليس شكر على اعتبار أنّ الأوّل رجل سياسي كان يفاوض في صفقة تحرير الأسرى، بينما الثاني قائد عسكري تولّى قيادة الحرب مع إسرائيل. بكلّ الأحوال يعود احتفال إسرائيل بهذين الاغتيالين إلى “استعادة الثقة بجيشها بعدما هزم في 7 أكتوبر”.
الردّ على إسرائيل بواقعية تمنع انجرار نتنياهو إلى الحرب وتكبح جنونه من جهة، وتفتح باب التسوية الكبرى من جهة أخرى يأتي هذا “الاحتفال” بالتوازي مع إعلان رسمي صدر عن الجيش الإسرائيلي بأنّ أحد قادة حماس العسكريين لمعركة غزة محمد الضيف سقط أيضاً باستهداف إسرائيلي يرجّح أن يكون قد حصل في معركة خان يونس في القصف الأخير على المواصي. وبالأمس، كشفت مصادر قريبة من حركة حماس أنّ إسرائيل تمكّنت من اغتيال اثنين من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وهما روحي مشتهى وسامح السراج، وثلاثة قادة عسكريين كانوا برفقتهما، في أحد الأنفاق في مدينة غزة، وهم عبد الهادي صيام أحد قادة جهاز الاستخبارات في لواء غزة ومسؤول العمليات فيها لفترة من الوقت وأحد قادة النخبة، إلى جانب سامي عودة أحد قادة جهاز الأمن العامّ التابع للمستوى السياسي في حماس، ومحمد حديد أحد قادة الوحدة الصاروخية في لواء غزة.
نتنياهو
وعليه، جعلت هذه التصفيات، التي يقوم بها نتنياهو كما سبق أن وعد في بداية الحرب، حركة حماس أكثر ضعفاً في الداخل والخارج، لا سيما أنّه باغتيال مشتهى يكون رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، قد فقد شخصية مقرّبة جداً منه، خصوصاً أنّهما عاشا معاً في السجون الإسرائيلية لسنوات طويلة، وحُرّرا معاً في صفقة الجندي جلعاد شاليط عام 2011.
أزمة حماس في غزّة وخارجها
عند قصف القوات الإسرائيلية في منطقة المواصيفي غزة، كانت بعض المصادر تتحدّث عن استهداف لقيادي عسكري. لم يتمّ التأكّد حينها من استهداف القيادي محمد الضيف وبقي مصيره غامضاً. وبعد انتشار خبر نجاح الجيش الإسرائيلي في تنفيذ الاغتيال، قالت مصادر مطّلعة على جوّ الحزب إنّ حماس الخارج أبلغتهم أنّ محمد الضيف بخير.
لا يعكس هذا الكلام سوى أمر واحد، وهو “أنّ حماس داخل غزة لا تعطي كلّ إحداثياتها إلى القيادات الخارجية”، كما يقول مرجع سياسي مطّلع. لذلك كان الإعلان الإسرائيلي الرسمي عن اغتيال الضيف مفاجئاً ليس فقط للحزب بل لقيادات حماس خارج غزة، الأمر الذي استدعى خروج قيادة القسام تحديداً للقول إنّها وحدها تستطيع أن تؤكّد أو تنفي الاغتيال.
الأنظار تتوجّه حاليّاً إلى من سيخلف هنية في قيادة الحركة، وبالتالي من يتولّى المفاوضات مع إسرائيل أما وقد نفّذ نتنياهو تصفيات الحركة في الداخل عبر استهداف العسكر وفي الخارج عبر استهداف هنية، فالأنظار تتوجّه حاليّاً إلى من سيخلف هنية في قيادة الحركة، وبالتالي من يتولّى المفاوضات مع إسرائيل. أبرز المرشّحين هما خليل الحيّة وخالد مشعل، وبينهما فوارق كبيرة. إذا عُيّن خليل الحيّة رئيساً للحركة فسيعتبر ذلك استكمالاً لنهج إسماعيل هنية، أي استكمال الجناح الحليف لإيران وسوريا والحزب في الحركة. أمّا إذا نجح خالد مشعل في قيادة الحركة فسيعتبر ذلك خروجاً عن النهج القديم، سيما أنّ علاقة مشعل مع إيران ليست جيّدة. لا بل يعتبر مشعل الجناح الحليف لقطر في الحركة، وبالتالي وصوله سيعتبر بداية نهج جديد ومختلف في مسار الحركة وسينعكس ذلك على المفاوضات مع إسرائيل بطبيعة الحال.
وعليه، تترقّب الأوساط السياسية والعسكرية خروج الحركة من مصابها وتعيينها رئيساً جديداً ليبنى على الشيء مقتضاه.
ردّ مشترك للمحور
قبل تنفيذ إسرائيل للاغتيالين، كان العالم ينتظر كيف سيكون ردّها على حادثة مجدل شمس التي حمّلت الحزب مسؤوليّتها. وحينها كانت المصادر الدبلوماسية تتحدّث عن نيّة إسرائيل القيام باستهداف “عسكري” للحزب، لكن إذا اقتضى ذلك سقوط مدنيين فلن تمتنع عن استهدافه. وهكذا حصل.
اليوم الآية معكوسة. فبحسب مصادر مطّلعة على جوّ الحزب، سيتبع القاعدة نفسها في ردّه. لا بل إنّ الكلام الأخير هو لبيان الحرس الثوري الذي تحدّث عن “ردّ المحور”. وهذه كانت رسالة بأنّ الردّ سيكون مشتركاً بين إيران والعراق ولبنان. هذه لم تكن الرسالة الوحيدة، بل عقبها إعلان إيراني عن اجتماع قيادات المحور في طهران للتنسيق في كيفية الردّ. لذلك غاب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن تشييع القائد العسكري فؤاد شكر للمشاركة في تشييع هنية في طهران والمشاركة في اجتماع طلبه المرشد الأعلى خامنئي شخصياً للتنسيق المشترك.
جعلت هذه التصفيات، التي يقوم بها نتنياهو كما سبق أن وعد في بداية الحرب، حركة حماس أكثر ضعفاً في الداخل والخارج أمّا التوقيت فقالت المصادر المطّلعة نفسها إنّ نصرالله في كلامه حدّده من دون توضيح. فعندما قال “بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان”، قصد أنّ الردّ سيكون خلال أيام وليس خلال أسابيع أو أشهر، على الرغم من الدقّة والتروّي الذي اتّسم به الخطاب.
دخول المرحلة الأخيرة
بالعودة إلى سيناريو ميونيخ، يبدو نتنياهو مصمّماً على استكمال تصفياته إلى حين جلوس الجميع إلى طاولة التسوية الكبرى. ومع نتنياهو، جيش وسلاح وطائرات وحاملاتها وبوارج حربية وصلت من الولايات المتحدة الأميركية إلى المتوسط وإلى بحر قزوين. وبينما يبدو المحور واضحاً في عدم رغبته في الذهاب إلى حرب كبرى، تتحدّث المعلومات عن نيّة نتنياهو استغلال هذا الأمر والاستمرار بتصفياته لحركة حماس، ويعد بأن تكون الرصاصة الأخيرة ليحيى السنوار، وفي لبنان لقيادات الحزب الميدانيين، حتى بلغ به القول إنّه يستطيع أن يدخل من أيّ نافذة في بيروت، وإلى أيّ مكان تحت الأرض.
تزامناً تبدو المساعي كبيرة لاحتواء الصراع، فوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طلب من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن نقل رسائل إلى إيران والحزب بالتهدئة وعدم الردّ. وبدوره قام وزير الخارجية القطري بالتباحث مع نظيره الإيراني علي باقري كني حول تداعيات اغتيال هنية.
يبدو المشهد أمام مفترق طرق. فهل تفعل واشنطن في لبنان وإيران ما لم تفعله في غزة؟ أمّا المحور مجتمعاً فهو أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إمّا الدخول في حرب كبرى، وإمّا الردّ على إسرائيل بواقعية تمنع انجرار نتنياهو إلى الحرب وتكبح جنونه من جهة، وتفتح باب التسوية الكبرى من جهة أخرى.