خاص - إمّا نصمت وإما نحن عُملاء!!؟ - بقلم يوسف الخوري

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 10, 2024

خاص - "الكلمة أونلاين"

المخرج يوسف ي. الخوري

بلغ عدد القتلى الإسرائيليين منذ اندلاع الصراع 1396 قتيلًا. على الجبهة مع لبنان، عجز جيش الدفاع الإسرائيلي عن حماية مواطنيه في الجليل الأعلى، فنزح الآلاف منهم جنوبًا سعيًا وراء الأمن، وشهدت دورة الحياة في شمال إسرائيل انقلابًا كليًّا. وسّع جيش الدفاع رقعة ردوده إلى عمق الأراضي اللبنانيّة، لكن اتضح له في النهاية أنّ ضرباته لن تردع "المقاومة" التي بلغت حدًّا من القوّة لا تعطّله عمليّات محدودة.

تصاعدَ العنف في جنوب لبنان. الإسرائيليون يلوّحون بعمليّة تهدف إلى إبعاد الجليل الأعلى عن مرمى مدافع وصواريخ "المقاومة"، ويهدّدون باجتياح برّي لإزالة البنية التحتيّة العسكريّة والسياسيّة لـِ "المقاومة".

الأميركيون يتخوّفون من أن تتحوّل أي حرب إسرائيليّة ضدّ لبنان، إلى حرب إقليميّة شاملة، ومبعوثهم الخاص يسعى إلى إحياء وقف إطلاق النار القائم منذ مدّة بين الطرفين بإشراف اليونيفيل.

"المقاومة" تُراهن على الامتعاض القائم في صفوف ضبّاط الجيش الإسرائيلي، وتعتقد بأنّ هذا الجيش في طريقه إلى التفكّك. التظاهرات ضدّ حكومة الصهاينة، وتصاريح المعارضة اليساريّة، تزيدان من معنويّات "المقاومة" وإصرارها.

الإسرائيليون واقعون بين مطرقة الأميركيين الساعين إلى "ضبط النفس كليًّا"، وسندان أهل شمال إسرائيل المطالبين بعودة آمنة إلى بيوتهم، والتي لا تتحقّق إلا "بإزالة البنية التحتيّة للإرهابيين في لبنان". الديبلوماسيّة الأميركيّة لا تنفكّ "تحذّر من تجاوز الحدّ"، أمّا الحكومة الإسرائيلية فحساباتها تختلف حين تلامس الأخطار وجود شعبها. أَوَلَم يردّ رئيسها على الأميركيين بالقول: "لن نشهد على قتل شعبنا على يد عدوّ متعطّش للدماء"؟

عزيزي القارئ،

تنفّس عميقًا وركّز معي؛

الأحداث كما سردتُها ليست بجديدة عليك، لكنّك لا تعرف أنّني ركّبتها من عدّة كتب ومراجع تناولت الأسباب الكامنة وراء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والتي تشبه، لا بل تُطابق، التطوّرات الأمنيّة والديبلوماسيّة حول الجنوب اللبناني منذ بدء حرب "مَسْحُ غزّة" في 7 أكتوبر الماضي. فبمجرّد أن تُزيل من نصّي أعلاه كلمة "المقاومة" وتستبدلها بـِ "منظّمة التحرير الفلسطينيّة"، ستتأكّد من أنّ الظروف التي تراكمت عام 1982 جرّاء أفعال الفلسطينيين وحلفائهم الخونة من اللبنانيين وأدّت إلى غزو لبنان، هي نفسها تتكرّر اليوم مع الأصوليتين السنّية "حماس"، والشيعيّة "حزب الله"، وقد تُعطي إسرائيل الحجّة لاجتياح لبنان مرّة جديدة.

إذا تعمّقنا في قراءة التطوّرات بين عامي 1981 و1982، نخلُص إلى أنّ العوامل المؤثّرة في اتّخاذ القرار باجتياح لبنان (عمليّة سلام الجليل)، هي: تفاقم عدد قتلى الإسرائيليين على يد الفدائيين الفلسطينيين (1396 قتيلًا بين العامين 1965 و1982). هجرة أهالي الجليل الشمالي بفعل كثافة نيران منظّمة التحرير على مناطقهم. إخفاق ضربات جيش الدفاع الإسرائيلي في كبح هجمات الفلسطينيين. تضاعُف ترسانة الفلسطينيين في جنوب لبنان بدعم عربي واسع، لاسيّما سوري وليبي.

يهمّني التأكيد هنا أنّ المتسبّب باحتلال إسرائيل للبنان عام 1982، هم الفلسطينيون وحلفاؤهم الخونة من اللبنانيين الذين، لغاية أمس، لا يزالون يُهاجموننا كمسيحيين لتحالفنا مع إسرائيل في تلك الحقبة. بمجرّد الاطلاع على بعض أهداف "عمليّة سلام الجليل" كما وضعتها حكومة إسرائيل، سيَثبت للعيان أنّ كلّ اتّهام يكون باطلَا ما لم يوضع في ظروفه الزمنيّة، كما سيَثبت من هو المتسبّب بالاجتياح والعميل الحقيقي. الأهداف:

- إزالة خطر الإرهابيين (الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين) بتصفية قواتهم العسكريّة وبنيتهم التحتيّة.
- تحييد القوّات السوريّة المتواجدة في لبنان عن المعركة.
- الحرص على الشيعة والدروز والمسيحيين أثناء العمليّة. (في أمر اليوم نهار 6 حزيران أضاف شارون "الحرص أيضًا على المسلمين" غير المسلّحين)
- الانسحاب من لبنان فور تحقيق الأهداف، فلا مصلحة لإسرائيل في البقاء فيه.
- لا ترمي العمليّة إلى ضمان سيادة الحكومة اللبنانيّة على كامل أراضيها، فهذا شأن اللبنانيين وحدهم.
- الالتحام بالمنطقة المسيحيّة لعزل بيروت وقطع طريق الشام.

إذًا إسرائيل وضعت خطّة لإنهاء الدويلة في لبنان من دون التعرّض للدولة أو لأي مكوّن لبناني لا يحاربها. وإسرائيل أرادت الاستفادة من تحالفها مع المسيحيين بالالتحام مع منطقتهم لإحكام الطوق على الفلسطينيين. ويظهر أيضًا أنّه لم تكن لديها النيّة في البقاء أو التدخّل في شؤون اللبنانيين بعد تحقيق أهدافها.

قبل حصول الاجتياح بـ 5 أشهر، أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي، أرييل شارون، المسيحيين بإمكانيّة حصول اجتياح واسع في حال لم تنجح مساعي الأميركيين في تحقيق وقف شامل لإطلاق النار مع منظّمة التحرير. سأله بشير الجميّل: "وماذا تنتظرون منّا في حال وقوع الحرب؟" اجابه شارون: "لا شيء. عليكم فقط حماية مواقعكم، واعرفوا أنّنا لن نستطيع حمايتكم في حال تقهقرت قوّاتكم". ثمّ توسّع شارون في الحديث طالبًا من المسيحيين "توثيق روابطهم مع الشيعة والدروز"، ومقترحًا "إعطاء الشيعة قسمًا من السلاح الذي تُعطيه إسرائيل للمسيحيين"، باعتبار أنّ الشيعة يُعانون هم أيضًا من منظّمة التحرير.

إذًا المسيحيّون كانوا في جوّ احتمال حصول اجتياح، ولم يكونوا على علم بتفاصيل عمليّة "سلام الجليل"، ولا بتوقيتها على الأكيد. كيف يعرفون وشارون نفسه لم يكن يعرف!!؟ هو خرج مع عائلته، مطلع حزيران 82، إلى بوخارست في زيارةٍ جزء منها لإجراء مفاوضات رسميّة، والجزء الآخر للاستجمام. لم يرجع إلى إسرائيل إلّا صباح 5 حزيران، ولم يُتخذ القرار بالاجتياح في 6 حزيران إلّا قبل ساعات من بدئه.

أمّا عن رئاسة الجمهوريّة التي يصرّون نفاقًا ودجلًا على أنّ الرئيس بشير الجميل انتزعها من على ظهر الدبابة الإسرائيليّة، فلم يتطرّق إليها الإسرائيليون، قبل الاجتياح، إلّا مرّة واحدة حين عبّر رئيس حكومتهم، مناحيم بيغن، عن تمنّيه بأن يكون للبنان حكومة وحدة وطنيّة على رأسها شخصيّة سنّيّة قويّة بمستطاعها ضبط الأوضاع في الجنوب اللبناني، كما لم يتطرقوا إلى موضوع السلام مع بشير إلّا أوائل أيلول 1982 في اجتماع نهاريا الشهير، أيّ بعد إخراج الفلسطينيين والسوريين المسلّحين من بيروت، وتدمير الآلة العسكريّة للجيش السوري في لبنان، وانتخاب بشير رئيسًا. للتاريخ، بشير لم يُعطهم أيّ وعد في ذلك اليوم، بل على العكس، كانت له شروطه التي وافق الإسرائيلي عليها كلّها قبل يومين من استشهاده. أهكذا سلوك يجعل من بشير عميلًا وصل على دبابة عدو، أم صانع قرار في الأزمة الإقليميّة حينها؟

أيَكون بشير الجميّل عميلًا لأنّه لم يردّ على قصف الفلسطينيين للأشرفيّة حين كانت إسرائيل تحاصرهم في بيروت الغربيّة، وأعلن بأنّنا "لن نُطلق رصاصة واحدة على إخواننا (المسلمين) في الغربيّة الذين أصبحوا كالرهائن بيد الفلسطينيين"؟
أيكون المسيحيون عملاء إذا التقت مصلحتهم مع إسرائيل للتخلّص من منظّمة التحرير التي ذبحت أهلهم على الهويّة وتآمرت معكم أيّها الأوغاد لتدمير صيغة لبنان؟ أو هم عملاء لأنّهم عارضوا الإسرائيليين بعدما اكتشفوا أنّهم لا يمانعون بقاء السوريين في لبنان بعد إخراج الفلسطينيين من بيروت؟

إذا كان اتّهامنا بالعمالة يرفع شأنكم ويسعدكم، فتمتّعوا قدر ما تشاؤون بهذه اللعبة، لكنّكم لن تنتشوا. سيعلم القاصي والداني أنّكم أوغادٌ أنجاس، وأنّ لتّكم حول علاقتنا بإسرائيل ما هو إلّا مطيّة تهدّدوننا بها لإسكاتنا عن أكاذيبكم، ولتغطية فظاعة إجرامكم الحاصل في الجنوب اليوم، دمارًا وتهجيرًا وقتلًا!!!

لكن عُذرًا؛

لن نصمت أكثر عن أفعالكم، وسنظلّ نفضحكم، ولن ندعكم تنتشون.