ذا كونفرسيشن- كيف عزّز عهد رئيسي مسار المواجهة مع الغرب؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 22, 2024

اعتبر إيرك لوب، أستاذ مشارك في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة فلوريدا الدولية، رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو أحد الموالين البارزين للنظام، بمنزلة ضربة قاسية للقيادة المحافِظَة في إيران.

وبينما كانت فرق البحث والإنقاذ التي أعاقتها الأمطار والضباب والغابات والجبال تبحث عن الحطام، قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن على الأمَّة "الصلاة" من أجل رئيسي.
وقال لوب في مقال بموقع مجلة "ذا كونفرسيشن" الأمريكية: " أعتقد أن القلق في طهران قد يتجاوز حدود المأساة الإنسانية المحتملة للحادث، فالتغيير الذي فرضته ستكون له تداعيات بالغة الأهمية على الدولة الإيرانية التي تستنزفها الفوضى الداخلية والمواجهة الإقليمية والدولية".

مَن هو إبراهيم رئيسي؟
منذ الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979، عمل رئيسي موظفاً مجتهداً في الجمهورية الإيرانية وكان أحد أبرز رعاة خامنئي الذي يتولى السلطة المطلقة في إيران بصفته المرشد الأعلى.
وقبل أن يصبح رئيساً للجمهورية عام 2021، شغلَ رئيسي مناصب مختلفة في السلطة القضائية تحت إشراف المرشد الأعلى. وبصفته مدعياً عاماً، وفي نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988، كان عضواً في اللجنة التي حكَمَت على آلاف السجناء السياسيين بالإعدام.

وقد أكسبته عمليات الإعدام هذه لقب "جزار طهران"، وعرّضته بعد ذلك لعقوبات من الولايات المتحدة وإدانة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان.

ومنذ عام 2006، شغل رئيسي عضوية مجلس الخبراء، وهو الهيئة التي تعيِّن المرشد الأعلى وتشرف عليه.

وعلى الرغم من أنه كان يُنظَر إليه على أنه يفتقر إلى الشخصية الآسرة وفصل الخطاب، فقد كان يعتقد أن رئيسي (البالغ من العمر 63 عاماً) يُجرَى إعداده لخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً مرشداً أعلى.

سجل محلي مُتقلِّب
على الصعيد الداخلي، كانت رئاسة رئيسي سبباً ونتيجة لأزمة الشرعية والفوضى المجتمعية للنظام الإيراني. فقد فاز على نحو مثير للجدل في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بعد عدد كبير من حالات استبعاد المرشحين من قِبَل مجلس صيانة الدستور الذي يدقق في المرشحين، ونسبة مشاركة منخفضة تاريخياً في الانتخابات الرئاسية بلغت أقل من 50%.
ولإرضاء قاعدته الشعبية المحافِظَة، أعاد رئيسي وحكومته تفعيل شرطة الأخلاق التي أعادت فرض القيود الدينية على المجتمع.

وأدت هذه السياسة إلى اشتعال احتجاجات "امرأة وحياة وحرية" بعد وفاة مهسا أميني التي احتجزتها الشرطة في عام 2022.

وكانت هذه المظاهرات الأكبر والأطول في تاريخ الجمهورية الإيرانية الذي يدنو من 50 عاماً. كما أسفرت أيضاً عن قمع غير مسبوق من الدولة، إذ قتل ما يربو على 500 متظاهر وأصيب المئات بجروح واختفى واعتُقِلَ مئات آخرون. وطيلة فترة الاحتجاجات، أظهر رئيسي ولاءه للمرشد الأعلى والنخب المحافِظة بمضاعفة القيود والقمع.
وفي الوقت ذاته، استمر الاقتصاد الإيراني تحت لواء رئيسي يعاني الأمرين بسبب خليط من سوء الإدارة الحكومي والفساد، إلى جانب العقوبات الأمريكية التي تصاعدت رداً على القمع الداخلي في طهران واستفزازات إيران الخارجية.

صراع على التقارب
ورافقت الاضطرابات الداخلية تحت رئاسة رئيسي تحولات في دور إيران الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى خامنئي له الكلمة الأولى والأخيرة في السياسة الخارجية، فقد ترأّسَ رئيسي دولة استمرت في مسار المواجهة مع خصومها، ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل. وسواء كان ذلك عن اختيار محض أو ضرورة متصوَّرة، فقد ابتعدت طهران أكثر فأكثر عن أي فكرة للتقارب مع الغرب.
وفي مواجهة العقوبات الأمريكية المتزايدة، كانت إيران في عهد رئيسي مترددة في إحياء الاتفاق النووي.

وبدلاً من ذلك، زادت من تخصيب اليورانيوم، وعرقلت عمل المفتشين الدوليين، وأصبحت دولة قاب قوسين أو أدنى من العتبة النووية.

وواصل رئيسي سياسة "التوجه شرقاً" التي اتبعها سلفه حسن روحاني. وتحقيقاً لهذه الغاية، سعى هو وحكومته إلى مزيد من التقارب مع الصين.

وفي المقابل، قدمت بكين شريان حياة اقتصادياً عن طريق استيراد النفط الإيراني والتوسط في اتفاقية دبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية في مارس (آذار) 2023.
وفي الوقت ذاته، واصلت إيران دورها تحت لواء رئيسي حليفة وممولة للصراعات المناهضة للولايات المتحدة والغرب، إذ قدمت طائرات مسيرة قتالية إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا ووفرت الأسلحة لوكلاء إقليميين مختلفين في الشرق الأوسط.
ومنذ بدء الحرب في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حافظت إيران في عهد خامنئي ورئيسي على توازن دقيق بين تمكين وكلائها الإقليميين من مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة وتجنُّب المواجهة المباشرة مع كلا البلدين المتفوقين تاريخياً. واختل هذا التوازن للحظات عندما هاجمت إيران إسرائيل مباشرة بطائرات مسيرة وصواريخ لأول مرة في التاريخ في أبريل الماضي رداً على هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق.
كان رئيسي، رغم أنه ليس مسؤولاً مباشِراً عن السياسة الخارجية، داعماً أساسياً للنظام الإيراني الذي سعى إلى النأي بنفسه عن النظام الدولي القائم واجتهد في إقامة تحالفات مع دول تُعادي الغرب.
في أثناء تحطم المروحية، كان رئيسي ورفاقه عائدين من حفل تدشين سد في أذربيجان المتاخمة.

ومن المفترض أن الحفل كان يهدف إلى تودد إيران إلى أذربيجان، بعد أن اتخذت في وقت سابق موقفاً غامضاً، إن لم يكن عدائياً، في نزاع ناغورني قره باغ الذي انتهى بانتصار أذربيجان المُقْنِع في أواخر عام 2023.

ما يمكن أن يعنيه تغيير الرئيس
كان رئيسي بالنسبة للمرشد الأعلى خامنئي شخصاً موالياً له منذ فترة طويلة ومطَّلعاً على النظام وخليفة محتملاً.
وبموجب الدستور الإيراني، فإن وفاة رئيس الجمهورية تؤدي إلى تولي النائب الأول للرئيس منصب الرئيس المؤقت، ألا وهو محمد مخبر، وهو سياسي يشبه رئيسي إلى حد كبير، وكان عضواً بارزاً في الفريق الإيراني الذي يتفاوض على صفقات الأسلحة مع موسكو. وسيتعين على إيران أيضاً إجراء انتخابات رئاسية في غضون 50 يوماً. ولا يبقى سوى أن نرى مَن الذي سيعتمده المرشد الأعلى رئيساً مستقبلياً وخليفة محتملاً.
وأكد الكاتب أن المحافظين في طهران "سيواصلون الالتفاف حول المرشد الأعلى، نظراً للضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهونها، فعلى الصعيد المحلي، قد يتخذ ذلك شكل قمع أكبر من جانب الدولة والتلاعب بالانتخابات، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، أعتقد أن ذلك قد يعني إقامة علاقات أقوى مع حلفاء ناشئين والسعي إلى مواجهة محسوبة ضد الخصوم التقليديين".


24.AE