لعنة العقد الثامن ودموية النظام العالمي الجديد- بقلم د. لقمان أبو زيد

  • شارك هذا الخبر
Monday, April 29, 2024

كتب د. لقمان أبو زيد:

تتوالى فصول الأزمة والكلّ يتساءل إلى ما ستؤول إليه الامور،
هل من تسوية قريبة تنهي المأساة ونزيف الدم الذي نعيشه؟
أم أن الذي بدأ في ٧ تشرين سيستمر في التوسع وتطول أيامه بعد؟

في إطلالة سريعة على الأحداث التي سبقت سبت ٧ تشرين ومن منظار التخطيط الاستراتيجي نرى ما يلي:

- ٢٥ أيّار ٢٠٠٠: انسحاب العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان مخلّفاً خيبة وانكسار لمشروع دولته الكبرى في الشرق الاوسط (من النيل الى الفرات)، لتبدأ الخطط البديلة تخرج من أدراجٍ سوداء موقدةً لنار الفتنة ما ستلبث أن تدور الأيام والسنين لتحترق فيه أياديهم وتجني ما كسبت أيْمانهم في عاجلٍ أم في آجل.

- ١١ أيلول ٢٠٠١: تحوّل كبير بمفهوم الصراع بحدث ما زال يرسم الكثير من التكهنات، نُفّذ في نيويورك ولكن مفاعيله ظهرت في الشرق الاوسط بمفهوم "مكافحة الارهاب"، من دول نظّرت، رعت، موّلت وأخرى نفذّت له.

- ١١ آذار ٢٠٠٣: في سياق الديمقراطية ظاهرياً غزت القوات الاميركية العراق ولكن مصالحها الاقتصادية -الطاقة والنفط تحديدًا-كانت الهدف على الصعيد الآني، واجهاض ولادة مشروع محور الممانعة على الصعيد الاستراتيجي،، ليخلّف صراعات مذهبية ودينية ودمار وارهاب.

- ١٤ شباط ٢٠٠٥: اغتيال الرئيس الحريري في بيروت ليطفو على السطح قرار أممي-١٥٥٩- يقضي بانسحاب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح المقاومة، مخلّفاً انقسام حاد سياسي وشعبي في الساحة اللبنانية.

- ١٢ تموز ٢٠٠٦: بدأ العدو الاسرائيلي بشنّ حرب واسعة على لبنان تمركزت في جنوبه وضاحيته الجنوبية بحجة عملية أسر نفذتها المقاومة ظاهريًا، ولكن أبطن مشروع "الشرق الاوسط الجديد" الذي زلّ به لسان وزيرة الخارجية الاميركية اثناء زيارتها الى لبنان ولكن مِنعة المقاومة وصمود الشعب أخذ المجتمع الدولي الى قرار ١٧٠١، وبدأت الفوضى الخلاقة في الشرق الاوسط.

- ١٧ كانون الأول ٢٠١٠: بدأت مفاعيل الفوضى الخلاقة تظهر بتطبيق خطة "جورج سورس" للنظام العالمي الجديد، فتحرّكت الشعوب بالثورات مطالبةً بإسقاط الانظمة، من تونس الى ليبيا الى مصر واليمن والبحرين لتكون اخر فصولها في سوريا.

- ١٥ آذار ٢٠١١: في سياق الربيع العربي وبمظاهراتٍ خرج فيها السوريون مطالبين باسقاط النظام، بدأ الإرهاب بتغلغل الى الساحة السورية ليحولها الى ساحة صراع مفتوح وحلبة نزال تتصارع فيه الدول كلّ من أجل مصالحه، أما الاهداف الغربية فانقسمت الى كسر النظام الذي يعتبره المحور ممراً وداعماً للمقاومة المهددة لأمن إسرائيل ، بالإضافة الى السيطرة على موارد الطاقة البديلة والقرار الاستراتيجي لمنطقة شرق المتوسط لتأمين الممر الآمن للطاقة البديلة-الغاز- الى اوروبا، وهنا تجدر الاشارة الى ان دخول روسيا في الحرب الدائرة عام ٢٠١٥ كان من هذا المضمار حيث تسعى جاهدة في منع غاز المتوسط من استجراره الى اوروبا برعاية اسرائيلية. ولكن ايضا كُسر هذا المشروع أمام صمود محور الممانعة.

- ٢١ نيسان ٢٠١٥: بدأت الحرب السعودية اليمنية بهدف ضمني أميركي يمنع وصول خط الحرير الصيني الى البحر الاحمر، وبهدف صيني يسعى الى تأمين الممر الاستراتيجي الآمن لمشروع الحزام والطريق، ما لبث أن انتهى الصراع بمصالحة إيرانية سعودية برعاية صينية.

- ١٧ تشرين أول ٢٠١٩: في ظل اتفاقية "ايست-ميد" الموقّعة في أيلول ٢٠١٩ بين كل من اسرائيل ومصر وقبرص واليونان والتي استبعد منها لبنان بقرارٍ عميق "لا نفط من لبنان دون اتفاق ضمني مع إسرائيل"، ومشروع قيصر الاميركي لحصار سوريا اقتصاديًا في كانون اول ٢٠١٩، دخل لبنان بأزمة مالية مصرفية (كل من ساهم فيها شريك بالمشروع الغربي عن قصد او غير قصد او أخطأ بالحسابات) ليدخل لبنان بنفق إقتصادي اجتماعي تربوي وسياسي مظلم.

- ٤ آب ٢٠٢٠: في خضم الأزمة التي يعيشها لبنان أتى انفجار مرفأ بيروت -حيث أُقفل هذا الملف وتحقيقاته نهائيًا- موجهاً رسالة الى الدول الاستثمارية بأن لبنان يفتقد للمناخ الاستثماري (نستذكر هنا استهداف مطار بيروت عام ١٩٦٣)، ليكون مرفأ حيفا الوجهة التجارية البديلة في حوض شرق المتوسط وربطه بمشروع الممر الاقتصادي الكبير.

- ٢٤ شباط ٢٠٢٢: بدأت روسيا بحربها على اوكرانيا بهدفين ضمنيين: تأمين الأمن الاستراتيجي لخطوط الغاز الى اوروبا من خلال خط السيل الشمالي والجنوبي منه، وإبعاد الخطر الغربي عن حدودها المباشرة بعد الاتفاقية الامنية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا عام ٢٠١٣.

- أول ايلول ٢٠٢٣: أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو عن اطلاق مشروع الممر الاقتصادي الكبير الذي ينطلق من الهند الى الإمارات العربية المتحدة ومن ثم الى مرفأ حيفا مرورًا بالسعودية والاردن في خطوة وتحدي لاستراتيجية الصين المتمثلة بخط الحرير. كما ربط الممر الاقتصادي الكبير بممر الغاز-ايست ميد- وهذان الممران يحتاجان الى تأمين الامن الاستراتيجي في ظل التهديد المباشر المتمثل بحركة حماس في غزة وتهديد المقاومة اللبنانية المباشرة في منطقة جنوب الليطاني.

- ٧ تشرين أول ٢٠٢٣: فجر ٧ تشرين نفذت حركة حماس الفلسطينية عملية عسكرية في منطقة غلاف غزة، وكان الرد الاسرائيلي الذي ما زال مستمرا حتى اليوم. ولم تُحصر العمليات العسكرية في فلسطين فحسب بل ارتفعت حدة الصراع وتوسعت ساحته الى لبنان وسوريا والعراق واليمن وايران(دول محور الممانعة).

في ظل كل الفرضيات وغياب الحقيقة الكاملة حيث ان الخطط والمشاريع الاستراتيجية تُحاك في الجانب المظلم ولما للاعلام من دور كبير بالتضليل واما للمصالح دور في المفاوضات وادارة الصراع، يبقى الصراع الذي نعيشه مرتبط بالقاعدة الاستراتيجية الكبرى:

السياسات الخارجية تتغيّر بتغيّر المصالح الاقتصادية، والتحكم بالموارد الاقتصادية يدّعم مفاهيم الحكم والسيطرة كهدف استراتيجي، وتتجلى فصول هذا الصراع في منطقة الشرق الاوسط لما تحمله من اهمية استراتيجية على صعيد الجغرافيا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

لذلك فإن الحرب الدائرة اليوم في الشرق الاوسط حددت الاصطفافات النهائية الى حد ما، فالطرفان (المحور والغرب)يعتبران ان هذه الحرب هي الاخيرة حيث ان التسوية بعيدة والحرب التي نعيشها استنزاف وطويلة،، يستخدم كل من الاطراف اوراق قوته بحسب التطورات الميدانية، من الذكاء الاصطناعي الى المسيرات والاسلحة التكتيكية، وما أُخفي أعظم..

باختصار، هذه رؤية شاملة تختصر عقدين ونصف من الزمن.. وفي حضرة الدماء الزكية تجف الاقلام ويتلعثم اللسان ويصدح الخطاب بصمت، فلنسلم الأمر في فتنة أنافت علينا عسى ان يؤيدنا بجنود لم نراها او ان يستبدل الله الواقع بمن هو خير وفرج قريب..


د. لقمان أبو زيد- باحث في الإدارة الاستراتيجية