الغارديان- التسوية بين روسيا وأوكرانيا أكثر من ممكنة.. هذا هو الدليل

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 23, 2024

رأت الباحثة البارزة في مركز ستيمسون ومقره الولايات المتحدة إيما أشفورد أن الحرب في أوكرانيا ستكون مصدر دراسات للمؤرخين على مدى عقود مقبلة، وحتى بعد عامين على اندلاع الحرب وحسب، بدأ المراقبون يقرأون أبحاثاً عن لحظات كبيرة ميزت الأيام الأولى للنزاع.

وكتبت أشفورد في صحيفة "ذا غارديان" عن دراسة نشرها الأسبوع الماضي المؤرخ سيرغي رادشينكو والعالم السياسي صمويل شاراب تناولت مفاوضات السلام غير المفهومة جيداً، لكن ذات الأهمية الكبيرة، بين روسيا وأوكرانيا في ربيع 2022 بشأن إنهاء الصراع.

وأصبحت تلك المفاوضات التي عُقدت غالباً في إسطنبول محط تركيز منتقدي الحرب في الولايات المتحدة، وجادل هؤلاء بأن الغرب وبالأخص رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون عطلا هذه المفاوضات ومنعا التوصل إلى وقف ناجح لإطلاق النار.

وواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديم حجة مماثلة في مقابلته مع تاكر كارلسون.

بين المعقّد والأقل تعقيداً
كما يوضح شاراب ورادشينكو، أن الواقع أكثر تعقيداً بعض الشيء. لم يقم جونسون بتخريب اتفاق لوقف إطلاق النار في ربيع 2022 بشكل مباشر، لم يكن هناك صفقة جاهزة للتوقيع عليها بين روسيا وأوكرانيا.

كما لم يتفق الجانبان على قضايا إقليمية أو على مستويات الأسلحة المسموحة بعد الحرب.

وكان موقف أوكرانيا خلال المفاوضات يستلزم ضمانات أمنية ترددت الدول الغربية في تقديمها.

وبرزت أسئلة سياسية داخلية في أوكرانيا توجب عليها التعامل معها وتعلقت بالمطالب الروسية بشأن "اجتثاث النازية".

في الوقت نفسه، تابعت الكاتبة، يُظهِر المقال أن العديد من السرديات المتعارضة، كالتي تقول إن أوكرانيا وروسيا غير راغبتين في التفاوض، أو أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليست مهمة لروسيا ــ خاطئة أيضاً.

وكان الجانبان قادرين على الاتفاق على بعض التنازلات الكبيرة، وكان أغلبها يدور حول مسألة النظام الأمني الأوروبي في فترة ما بعد الحرب، كما كانا على استعداد للتحدث، حتى في مواجهة حرب وحشية مستمرة.

وبالرغم من وجود أسباب أخرى وراء فشل المحادثات، لعب بلا شك الوعد بالتزامات غربية دوراً في تقويض رغبة أوكرانيا بالتوصل إلى اتفاق في ذلك الوقت. باختصار، يمكن أن يكون تاريخ فشل هذه المحادثات مفيداً في تقويض السرديات المطلقة التي أصبحت تهيمن على المحادثات حول الحرب، ومفيداً في التفكير بمستقبل الصراع.

نقطة أولى بالغة الأهمية
يسلط السرد الذي قدمه شاراب ورادشينكو الضوء بوضوح على أن كلاً من الروس والأوكرانيين يعتقدون أن مسألة "الانحياز" الأوكراني كانت مهمة. هل يُسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي؟ هل تصبح أوكرانيا دولة محايدة، وماذا قد يعني ذلك لقدرتها على الدفاع عن نفسها؟

قال العديد من أقوى مؤيدي أوكرانيا في واشنطن وأوروبا الشرقية مراراً إن توسع الناتو ومسألة انضمام أوكرانيا إلى الحلف غير مرتبطين باختيار روسيا للغزو الذي يعزونه عادة إلى شوفينية ثقافية أو أوهام إمبراطورية.

ومع ذلك، خلال المفاوضات الملموسة الأولى حول هذا الموضوع، لم يركز الجانبان على التسويات المتعلقة بالأراضي، بل على الصورة الكبيرة للمسائل الاستراتيجية في فترة ما بعد الحرب. من الواضح أنهم اعتقدوا أن هذه الأسئلة مهمة.

سردية أخرى تسقط
ثانياً، يدحض هذا التاريخ، وفق أشفورد، فكرة عدم رغبة أوكرانيا أو روسيا بالتفاوض، أو دراسة التنازلات من أجل إنهاء هذه الحرب. يشير بعض المؤيدين الغربيين لأوكرانيا إلى التصريحات المتطرفة التي تطلقها نخب روسية لقول إنه لا يمكن التوصل إلى نهاية لهذا الصراع عن طريق التفاوض. هم يقولون إن روسيا لن تكون راضية أبداً حتى تنتصر.
مع ذلك، تدحض المفاوضات المبكرة هذه النقطة بوضوح. قدم الجانبان مطالبهما، وتبادلا المسودات مع تقديم تنازلات بشأن قضايا معينة. من الواضح أنهما لم يتوصلا إلى اتفاق نهائي. لكن كانت هناك بالفعل تنازلات واضحة خلال هذه العملية، بدءاً من اقتراح روسيا بأن وضع شبه جزيرة القرم قد يكون مفتوحاً للتفاوض، وصولاً إلى المطالب المتبادلة بين الجانبين حول حجم الجيش الأوكراني في فترة ما بعد الحرب.
بالنسبة إلى أولئك الذين يدرسون العلوم السياسية، هذا أمر شائع في العديد من المفاوضات المتعلقة بالصراعات. سيكون لطرفي الحرب تفضيلاتهما ومصالحهما، ولا بد لأي عملية سلام من أن تسعى إلى حل وجهات النظر المتنافسة تلك. إن الحرب في أوكرانيا ليست فريدة من نوعها أو محصنة تجاه هذه الديناميات. ربما تكون المفاوضات المبكرة قد فشلت، لكنها تظهر أن التوصل إلى تسوية قد يكون ممكناً في ظل فرصة مستقبلية سانحة.

شعار أجوف
إن النقطة الثالثة الأكثر أهمية، وبخاصة للغرب، هي أن تاريخ مفاوضات إسطنبول يسلط الضوء على الطبيعة الجوفاء إلى حد ما لشعارات "لا شيء بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا"، وهي الشعارات التي يفضلها صناع السياسات الغربيون.
بحسب أشفورد، إذا تمكن صناع السياسة الغربيون من التدخل لإقناع القادة الأوكرانيين بمواصلة القتال سنة 2022، فسيكون بإمكانهم تقديم المشورة بشأن دخول مفاوضات سنة 2024 أو بعدها. وعلى حد تعبير آدم سميث، الديمقراطي الذي يدير لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، إن هذا في أفضل الأحوال مخادع: "لقد سمعتُ هذه العبارات - ‘لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا‘. سامحوني. هذا أمر سخيف كي يقوله أي دبلوماسي أمريكي أو شخص في السياسة الأمريكية. لدينا شركاء في جميع أنحاء العالم، ونعم، نصغي إليهم، لكن عندما ندفع الفاتورة، وعندما ننفق الكثير من المال هناك، يكون لدينا كلمة".
بالرغم من أنها فشلت، ختمت الكاتبة، يمكن أن تساعد مفاوضات ربيع 2022 في دحض بعض السرديات التي تقف في طريق محادثات مستقبلية بين أوكرانيا وروسيا، وعلى فهم المجالات المفتوحة للتفاوض، كما القضايا التي ستكون أكثر صعوبة بكثير للحل.


24.AE