“مسرحية” أصفهان.. تحوّلات خطيرة بميزان الردع لمصلحة إيران.. فهل يُسلِّم “الكيان”؟- بقلم محمد حمية

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 20, 2024

كتب محمد حمية في موقع "بالوسط":

حملَ الرد الإسرائيلي الغير معلن على الرد الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق، خلاصات بالغة الأهمية والخطورة أحدثت تحولات كبرى على الواقع الإستراتيجي وميزان الردع الإقليمي وستترك تداعيات على مسار الحرب في غزة وعلى المشهد الجديد للمنطقة.

يمكن تسجيل النقاط التالية:
*جاء قصف أصفهان بعد حوالي أسبوع من النقاش بين حكومة الحرب الإسرائيلية و”البيت الأبيض”، والفحص في مراكز الدراسات الإستراتيجية ودوائر الإستخبارات الأميركية – الإسرائيلية لتحديد مستوى الرد والهدف من دون التورط بحرب مع إيران، علماً أن الرد الإسرائيلي عادة لا يتعدى الساعات وفق استراتيجية الضربة السريعة والخاطفة أو “الصدم” التي اعتمدتها “إسرائيل” مع العرب لعقود!، ما يعكس تهيباً أميركياً – إسرائيلياً من الرد الإيراني على الرد، وبالتالي انكشاف عجز الكيان عن خوض مواجهة مع إيران، وزيف تهديداته السابقة بضرب المنشآت النووية الإيرانية.

*أتى الاستهداف خالياً من الإعلان الرسمي الإسرائيلي لدرجة أن مجرد تلميح وزير الأمن القومي الإسرائيلي بضلوع “إسرائيل”، أثار قلق أجهزة الأمن الإسرائيلية، بينما كان الرد الإيراني ممهوراً بتوقيع المراجع العليا في طهران.

*لم تنطلق الصواريخ التي استهدفت أصفهان من “إسرائيل”، بل من إيران وفق المعلومات، بينما الصواريخ والمسيرات الإيرانية انطلقت من الأراضي الإيرانية وعبرَت الأجواء الإقليمية، بينما نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن “الهجوم الإسرائيلي على أصفهان نفذته طائرات بصواريخ بعيدة المدى”، أي أنها لم تنطلق من “إسرائيل” لألا تستدعي رداً إيرانياً.

*الرد الهزيل بعكس الرد الإيراني الذي وصفه الإعلام الإسرائيلي بـ”الضربة الموجعة والاستراتيجية”. ويكفي سخرية الإعلام الإسرائيلي ووصف بن غفير الرد بأنه “مسخرة” للدلالة على ذلك، ما يعكس حجم القلق الإسرائيلي وخضوع حكومة الإحتلال للنصائح والضغوط الأميركية بأن يكون الرد متواضعاً لتجنب المواجهة مع إيران، وأظهر تبعية الكيان الكاملة للولايات المتحدة باستثناء هامشاً معيناً داخل “إسرائيل”.

*أطلقت إيران نحو 100 صاروخ بالستي و30 صاروخ كروز و150 مسيّرة هجومية بإتجاه “إسرائيل” استهدفت قواعد ومطارات عسكرية إسرائيلية وخلفت خسائر فادحة وفق الإعلامي الإسرائيلي، في المقابل لم تسجل أي خسائر في أصفهان ولا في المواقع النووية الإيرانية”.

*يندرِج الرد الإيراني في إطار الدفاع المشروع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بينما ظهر استهداف أصفهان كعمل إرهابي من دون مشروعية دولية.

*فعلت التهديدات الإيرانية المكثفة عقب الضربة الإيرانية فعلها بثني حكومة الإحتلال عن ارتكاب حماقة تكرار استهداف إيران، إلا أن التهديدات الإسرائيلية “الإعلامية” بالرد القاسي على إيران لم تترجم على أرض الواقع.
هل انتهى الرد الإسرائيلي عند هذا الحد؟

من خلال عملية أصفهان أن “إسرائيل” اختارت العمل الأمني وليس العسكري لعجزها عن خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع قوة إقليمية كإيران. ما يعكس إذعان واشنطن لمعادلة الردع التي يفرضها محور المقاومة في المنطقة، وإلا ما الذي منع حكومة الكيان من شن عدوان واسع على طهران؟ وما الذي دفع بالولايات المتحدة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجنب الرد المباشر؟ على أن واشنطن تدرك بأن الحرب مع إيران يعني اشتعال المنطقة.

ووفق مصادر غربية لمنصة “بالوسط” فإن الأميركيين أقنعوا حكومة نتانياهو بتجنب الإصطدام العسكري المباشر مع إيران، واتباع بدائل أخرى، كالحرب الأمنية والإغتيالات والأعمال الإرهابية والضغط الدبلوماسي وتفعيل نظام العقوبات المالية على طهران، والتشدد الأميركي – الأوروبي في ملف النووي الإيراني، ومنح كيان الإحتلال هامشاً أوسع للتحرك العسكري باتجاه رفح وجنوب لبنان.

كان بإمكان “إسرائيل” اعتبار الرد الإيراني ضربة بضربة والإكتفاء بهذا الحد، لكن إخراج “مسرحية أصفهان” جاءت أسوأ وأكثر إذلالاً من عدم الرد، لأنها لم تسترجع قوة الردع ولا حتى ترميمها، بل ألحقت تصدّعاً إضافياً بها، مقابل تثبيت إيران قوة الردع الإقليمي. ما سيمنح محور المقاومة لا سيما في غزة فائض معنويات وقوة وصمود للإصرار على المواجهة حتى النهاية، في المقابل ضربة إضافية لمعنويات جيش الإحتلال والتجمع الإستيطاني، كما أنها تشكل صفعة اضافية للمشاريع الأميركية – الإسرائيلية العربية في المنطقة وعلى رأسها مشروع التطبيع الذي ارتكز على قوة الردع الإسرائيلية ومقايضة بين الكيان والدول المطبعة قوامها: “الشراكة الاقتصادية والنفطية، مقابل الأمن والتأبيد للأنظمة”.

ويمكن القول إن الرد الإيراني كان ضرورياً لكشف ميزان القوى على الأرض، لأنه جاء تتويجاً للتحول التدريجي في موازين الردع في المنطقة نتيجة الحروب المتتالية منذ تحرير الجنوب عام 2000 الى حرب تموز 2006 الى حروب الارهاب وحروب غزة وصولاً إلى “طوفان الأقصى” والتي كان هروب الكيان من المواجهة العسكرية مع إيران إحدى نتائجها، كما أن استراتيجية الإستنزاف التدريجي وتجميع الثقوب المتتالية في جدار موزاين القوى التي اتبعتها إيران والحلفاء في المنطقة، قد نجحت، ما يُفسِر قول السيد حسن نصرالله في أولى خطاباته بعد “الطوفان” بأننا ننتصر على “إسرائيل” بالنقاط وليس بالضربة القاضية.

يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية في إيران رسّملت واستثمرت على “طوفان الأقصى” واستخدمت الإعتداء على قنصليتها في دمشق للإعلان عن الإنتقال من “الصبر الاستراتيجي” إلى “الردع الاستراتيجي” مع الكيان وحلفائه في المنطقة، ولم تكن لتتخذ هذا القرار الكبير لو لم تكن مستعدة للمواجهة الكبرى استناداً الى قراءة دقيقة لقدراتها العسكرية ولوضع الكيان وقوة جبهات الإسناد ولموازين الردع في المنطقة والوضع الدولي، وبالتالي إن من يملك قوة الردع هو من يملك القدرة على خوض الحرب الشاملة، بعدما عزّزت “مسرحية أصفهان” القناعة بأن “إسرائيل” لا تملكها. ويكفي قول عاموس يادلين رئيس الموساد السابق بأن ما فعلته إيران كان أكبر من “إسرائيل”.
بناء على ما تقدم يُمكن القول عن الرد الإسرائيلي: “تمخض الجبل فتولد فأراً”.