الرَّدّ الصَّريح على المِتروبوليت والأرشيمَندريت" للدُّكتور جوزيف إلياس كحَّالة - بقلم ر. سمعان

  • شارك هذا الخبر
Thursday, April 18, 2024

صدر عن دار نعمان للثَّقافة مؤلَّفٌ جديدٌ للباحث والمؤرِّخ الدُّكتور جوزيف إلياس كحَّالة الحلبيِّ المنشإ والباريسيِّ الإقامة، عُنوانُه "الرَّدُّ الصَّريحُ على المِتروبوليت والأرشيمَندريت"، وهو كتيِّبٌ يقعُ في 64 صفحة، ويتألَّفُ من ثلاثة فصول، هي:
1 ـ في البحث العلمي وتقصِّي الحقائق: ماذا عن فهم كلام البطريرك بطرس؟
2 ـ في علاقة الكنيسة المَلَكِيَّة بالكنيسة الرُّومانيَّة: لا انقطاع بل مدٌّ وجزرٌ لبُعد جغرافيٍّ وهَيمَنَة سياسيَّة.
3 ـ في الحُبِّ المُفضي إلى الوحدة: لا مجال لمسيحيِّي المَشرق أن ينتظروا أكثر.
ويَلي ما تقدَّم ملحقٌ بوثائق ذات فائدة إثباتيَّة لما جاء في مَتن الكتيّب، ثمَّ ثَبتٌ بالمصادر العربيّة والأجنبيّة.
الكتيِّبُ ككلٍّ رَدٌّ على مقالة المطران باسيليوس منصور، متروبوليت عكَّار وتوابعها للروم الأرثوذكس، الصَّادرة في صحيفة النَّهار البيروتيَّة في 29 كانون الثاني 2024، وكذا على مقالة الأرشيمندريت يعقوب خليل، عميد معهد القدِّيس يوحنَّا الدِّمشقي اللاهوتي بجامعة البلمند، الصَّادرة في الصَّحيفة عينها بتاريخ 26 كانون الثاني 2024.
لا نريد الخوضَ ههنا في تفاصيل الكتيِّب لنتركَ للقارئ الكريم لذَّةَ مطالعته والاطِّلاع على ما فيه من حقائق يجهلها العامَّة من الشعب، وهي حقائق أخفاها بعضُ رجالات الكنيسة طمعًا بالمسؤوليَّة الإداريَّة. لكنِّنَّا نُشيرُ إلى أنَّ المؤلِّفَ يكشفُ في كُتَيِّبه، على نحوٍ أكاديميٍّ وبأسلوبٍ سهل المَنال، الحقائقَ التاريخيَّةَ التي أدَّت إلى انفصال الكنيسة الأنطاكيَّة الأرثوذكسيَّة عن أختها الكنيسة المَلَكِيَّة الأنطاكيّة، أي عكسَ ما رَواهُ سيادة المتروبوليت وحضرة الأرشيمندريت. والجديد في هذا المؤلَّف أنَّ الكحَّالة استقى معلوماته التاريخيَّة فيه من بطون المؤلَّفات الأرثوذكسيَّة نفسها، وفي كثيرٍ من الأحيان، نقلها حرفيًّا عن المؤرِّخين الأرثوذكس الكبار من أمثال الخوري ميخائيل بريك، وأسد رستم، وخريسوستمس بابادوبولس. لكنَّ الأهمَّ بين المؤرِّخين يبقى البطريرك مكاريوس ابن الزَّعيم، وقد استقى المؤلِّف معلوماته من مخطوطه المُعَنوَن "مجموع المَجاميع"، وكان كشفَ عنه وكتبَ في بحثه عن البطريرك مكاريوس ابن الزَّعيم الصادر عام 2007، والذي صدَّرَه الطيِّب الذكر المطران بولس يازجي. والمهمُّ في الكتيِّب برهانُ صحَّة انتخاب البطريرك كيرلُّس السادس طاناس الذي تمَّ بحَسَب قوانين الانتخاب الكنسيَّة المَعمول بها في تلك الحقبة (ص 32 وما بعد)؛ وكيف أن البطريرك سلفسترس القبرصي لم يُنتَخَب البتَّة، بل كان قد أوصى به البطريرك أثناسيوس دبَّاس قبل وفاته بقليل. وهنا، يجزمُ الكحَّالة أنَّه علينا أن نفهم الفارق بين الانتخاب والاختيار، ويوصلُنا، ببراهين موثَّقة تاريخيًّا، إلى أنَّ البطريرك سلفسترس القبرصي ليس بطريركًا شرعيًّا، بل هو بطريركٌ دخيل، تمَّ تعيينُه من قبل البطريرك القسطنطينيّ (ص 31-32).
وقد أخذ المؤلِّف في عين الاعتبار كلامَ الأرشيمندريت يعقوب خليل الذي قال: "إنَّ زمن المُماحكات الكلاميَّة قد ولَّى، وأنَّ الناس ألِفَت البحث العلمي والتقصِّي عن الحقائق". وخيرًا فعلَ بدوره، إذ بحثَ وتقصَّى، ثمَّ كشفَ لنا عن الحقائق الَّتي لم يذكرها كلٌّ من المتروبوليت والأرشيمندريت، ودعَّم بحثَه بأن قدَّم للقارئ الكريم الوثائق التاريخيَّة الَّتي لم يطَّلع عليها حضرة المتروبوليت باسيليوس منصور على ما يبدو، بل نفاها عن بكرة أبيها في مقالته الآنِفَةِ الذِّكر.
هذا، والكتيِّبُ شائقٌ وأسلوبُه سهل، وكُتبَ بمنهجيَّة أكاديميَّة بعيدًا عن أسلوب التعصُّب الذي لا يؤدِّي إلا إلى النفور وزيادة الهوَّة بين أبناء الكنيسة الواحدة. إنَّه الأسلوب السَّلِس الذي عوَّدنا عليه المؤلِّف، كما في كلِّ مؤلَّفاته الصَّادرة بعِناية دار نعمان للثَّقافة.
بقيَ أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنَّه يُمكن اعتبارُ هذا الكتيِّب بمثابة تتمَّة للكتاب الذي كان الكحَّالة قد أصدره في شهر كانون الأوَّل من العام المنصرم، والمُعَنوَن "صفحة من تاريخ الكنيسة المَلَكِيَّة الأنطاكيَّة حتَّى عام 1724" عن الدَّار عَينِها.