خاص - بعد صرخة الراعي.. الكشف عن كواليس المسار القضائي لملف الدوائر العقارية - هند سعادة

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 6, 2024

لم تكد الدوائر العقارية في محافظة جبل لبنان تستأنف عملها بعد إضراب دام لـ 14 شهرا، حتى عاد الممسكون بهذا الملف الى قفص الإتهام وتحديدا من بوابة بكركي حيث حرص البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على تسليط الضوء على الملف في عظة قداس الفصح، متسائلا: "ما الفائدة والغاية من استمرار إقفال بعض الدوائر العقارية؟ ولماذا تمعن الدولة في قهر الموظفين لديها، ولا تتعامل بوضوح وجرأة وتجرّد مع قضاياهم؟"، معتبرًا أنّ "الدّولة لا تتعامل مع هذا الملف بموضوعيّة، مطالبا المعنيين بإنصاف الموظفين والنظر إليهم بعين الرحمة".

فكّ الإضراب لم يكن كفيلا بفك العقد المستعصية، هذا الواقع يعود سببه الى أسباب عدة منها، المسار القضائي البطيء، إذ لم يشهد الملف أي تطوّر منذ صدور القرار الظني في آذار 2023. وفي حين تم إخلاء سبيل جميع الموقوفين وتحويل الملف الى الهيئة الاتهامية، لم يسلك الملف مساره الى محكمة الجنايات كما كان من المفترض أن يحصل، الأمر الذي فتح الباب أمام كثير من التساؤلات حول مصير هؤلاء الموظّفين لجهة تثبيت الجرم عليهم أو تبرئتهم، والأسباب الكامنة وراء ذلك.

بطء في التحقيقات القضائية

في هذا الإطار، اعتبر مصدر قضائي مطّلع في حديث لموقع "الكلمة أونلاين" أن "التأخير الحاصل في هذه الملفات القضائية طبيعي الى حد ما، فالتحقيقات بحاجة لوقت طويل لأنها تطال عددا كبيرا من الموظفين الذين يتخطى عددهم الـ 50 وبالتالي وجود عدد كبير من المدعى عليهم يحتّم التأخير في الإنتهاء من هذه الملفات".

وإذ أوضح أن "الأصول الجزائية تسمح بالممطالة لصالح الشخص المتضرّر من الدعوى القضائية"، لفت المصدر الى أن "التحقيق يحصل في 6 دوائر عقارية ( الشوف، عاليه، بعبدا، المتن، كسروان وجبيل)، وبالتالي هناك 6 ملفات مستقلّة عن بعضها البعض ولا يمكن وضعها في سلة واحدة لأن هناك قضاة تحقيق عملوا بشكل سريع على الملفات التي استلموها فيما البعض الآخر تأخّر في عمله". وأضاف: "إن شقّا كبيرا من المماطلة يعود سببه الى المتقاضين الذين يقدّمون طلبات لتأجيل الجلسات القضائية لأسباب متعددة كما أن هناك شقّا آخر مرتبط بتراخي بعض القضاة خلال عملهم على هذه الملفات".

حقيقة عدم ملاحقة الفاسدين في محافظات أخرى

وعن الكلام الذي تم التداول به بشأن استهداف المسيحيين، أفاد المصدر بأن "الموظفين الذين تمت ملاحقتهم ينتمون الى طوائف عدة"، مشيرا الى أن "58 بالمئة من الأشخاص الذين تم توقيفهم هم من المسلمين وهذا الأمر كان وليد الصدفة".

وفي حين تساءل الكثيرون حول السبب وراء ملاحقة الفاسدين في الدوائر العقارية التي تقع ضمن نطاق محافظة جبل لبنان دون سواها من المحافظات الأخرى، أوضح المصدر القضائي أن "ملف الدوائر العقارية الذي فُتح ضمن نطاق جبل لبنان، إستلمه المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان، القاضي سامر ليشع الذي تنحصر صلاحياته ضمن نطاق هذه المحافظة، فلا يقع اللّوم عليه في حال تقاعس الآخرون عن القيام بعملهم في المحافظات الأخرى، بل يجب مساءلتهم".

وذكّر المصدر بأن "عندما صُبغ الملف بالطّابع الطائفي، قام كل من "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللّبنانية" بتقديم إخبارات في محافظات آخرى بواسطة النيابة العامة التمييزية ليصار الى اتخاذ الإجراءات نفسها في محافظات أخرى ولكن لم يتم التّوصل الى أي نتيجة ".

تضليلٌ وقع به الكثيرون

وفي حين أثار الكتاب الذي أرسله القاضي ليشع بشأن الموظفين الذين يعتبرون بحكم المستقيلين من عملهم، جدلا واسعا، استنكر المصدر القضائي "الهجوم على القاضي ليشع"، شارحا أن "الأخير وبحكم فرار عدد من الموظفين الذين فضّلوا عدم الإمتثال الى القضاء، وجّه كتابا الى الإدارة المعنية، أبلغهم فيه أن الموظّفين الذين يعتبرون هاربين من وجه العدالة وأصدرت بحقهم بلاغات بحث وتحري تنطبق عليهم أحكام المادة الخامسة والستين من نظام الموظّفين لأنهم بحكم هربهم لا يداومون في مراكز عملهم. وبالتالي يعتبرون بحكم المستقلين".


وبحسب المادة 65، هذه الإستقالة لا تتم بموجب الكتاب الذي أرسله ليشع تلقائيا، إنما تُكرس بقرار صادر عن السلطة التي لها حق التعيين، وهذا ما أكد عليه المصدر القضائي، الذي ذكر أن "قرار الإستقالة لا يعود للقاضي ليشع بل للإدارة المعنية وبالتالي كل ما أثير حيال الكتاب غير صحيح ومفعول الكتاب يقتصر على تبليغ الإدارة المعنية بشأن الموظفين الهاربين الذين لا يداومون في مراكزهم وهم متوارون عن الأنظار لأنهم يرفضون المثول أمام القضاء".

وأيضا، الجدير بالذكر أن أحكام المادة 65 من قانون الموظفين لا تنطبق على جميع الموظفين المتوقّفين عن العمل في مراكز الدوائر العقارية، إذ انها لا تشمل الموظفين الذين سلّموا أنفسهم و تمت إحالتهم أمام القضاء الجزائي وتوقيفهم احتياطياً، فهم يُعتبرون منقطعين عن العمل لأكثر من 15 يوما لعذر معروف وواضح وليسوا متوارين عن الأنظار. وبالتالي كل ما قيل عن اعتبار جميع الموظّفين المعتقلين في حكم المستقيلين غير صحيح وتشوبه مغالطات منها عن جهل ومنها بهدف التّضليل الذي وقع به الكثيرون.

وفي دليل ثانٍ على حجم المغالطات، وبحسب المرسوم الاشتراعي 112/1959، في المادة 18 منه الفقرة 2، "يتقاضى الموظف الموقوف عدليا بصورة احتياطية نصف راتبه، ولا يدفع له النّصف الآخر إلا اذا مُنعت محاكمته، أو برىء أو حكم بعقوبة غير عقوبة الحبس". هذا النص القانوني، إضافة الى أنه يُجيز للإدارة المعنية أن تقتطع نصف راتب الموظّف الموقوف إحتياطيا، يبيّن أن "توقيف الموظّف احتياطياً" وإحالته أمام القضاء الجزائي لا يجعله خارج وظيفته لأنه يواصل الحصول على نصف راتبه.

فرصة جديدة للموظفين الهاربين

وفي هذا الإطار، كشف المصدر القضائي، أنه "وبُعيد الكتاب الذي تم إرساله من قبل ليشع، عمدت الإدارات المعنية الى إبلاغ الموظفين الغائبين نيّتها تطبيق المادة 65 عليهم ابتداءً من لحظة تبليغهم ولن تشمل مدة غيابهم ما قبل ذلك".