سجال مع محمد عبيد... في مواجهة الأسئلة الشيعية الصعبة والسرديات المؤسسة للمظلومية - بقلم جاد يتيم

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 27, 2024

أثار الأستاذ محمد عبيد، المدير العام السابق لوزارة الاعلام، موضوعاً فائق الأهمية في مقاله بعنوان «الشيعة ولبنان»، يتعلق بدور الشيعة وعلاقتهم بلبنان ككيان نهائي. فالدور المتصاعد الذي يلعبه الشيعة من خلال حزبيهما الحاكمين منذ ثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى هيمنة «حزب الله» على الطائفة والدولة اليوم، يحتم نقاشاً بين أبناء الطائفة ونخبها، وكذلك نقاشاً وطنياً ليس في ما خص دور الطائفة فقط، بل كذلك بهدف البحث في عقد اجتماعي جديد.

والنقاش هنا بخصوص الطائفة ودورها سلباً وايجاباً، يجب الا ينطلق من تحميل الشيعة وحدهم مسؤولية الانهيار وكذلك الخروج منه. وهنا أتفق مع الأستاذ عبيد لناحية ما قاله بأنه «لا يمكن تحميل الشيعة وحدهم بمن وما يمثلون المسؤولية عن الانهيار المؤسساتي والاقتصادي والمالي والاجتماعي».

يحتاج ذلك إلى مناقشة شيعية - شيعية أولاً، ومن ثم نقاش شيعي - وطني بمعنى مع باقي المكونات.

1 - النقاش الشيعي - الشيعي

وضع الإمام موسى الصدر المدماك الأول لمأسسة علاقة الشيعة بالدولة اللبنانية، فأخرجهم من عباءة مفتي الجمهورية اللبنانية إلى تأسيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى». ففي صيغة قائمة على توازن المكونات، سجل مجهود الصدر في هذا الاطار على أنّه تمتين للكيان من خلال تمكين الطائفة، حيث أنّ التوازن الطائفي أساس للاستقرار الوطني. لكن ذلك، أثار الوعي الهوياتي المذهبي لدى أبناء الطائفة الذين كانوا منخرطين بكل التيارات السياسية اللبنانية والقومية.

أدى ذلك إلى انشاء «أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل)، لاستعادة حق المقاومة إلى أصحاب الأرض لا ترك الجنوب ولبنان ساحة لـ»فتح» بحجة العمل الفدائي.

لا غبار على أحقية هدف «لبننة» المقاومة، لكن من اللافت أنّ ذلك أدى إلى تأسيس أول كيان مسلح لبناني خارج أطر القوات المسلحة الشرعية. ومع اختطاف الأمام الصدر ومن ثم إزاحة شريكه الرئيس حسين الحسيني، تحولت بندقية «أمل» من الجنوب» إلى القتال الأهلي. وهو ما فتح الطريق لاحقاً إلى انبثاق «أمل المؤمنة»، ونهاية «حزب الله».

أكد الامام على نهائية الكيان بـ»جناحيه المسلم والمسيحي»، وكان صوتاً عالياً من أجل اصلاح النظام لمنعه من الانفجار، وهو ما حصل العام 1975. وثبت بعد رؤيته بتطابق ما نادى به، وكذلك الورقة الإصلاحية لـ»الحركة الوطنية»، مع إصلاحات «الطائف» التي انهت الحرب الاهلية.

لكن «الحزب» الحاكم بأمر الطائفة اليوم، هو من يهدد ما نادى به الإمام الصدر وبخاصة المبدأين الأساسيين اللذين ذكرهما الأستاذ عبيد، وهما «التعايش والحرية». الانقلاب على مبادئ الصدر الذي يشكل الانحياز اللبناني الصارخ للمصلحة الوطنية اللبنانية، هو أمر يعني أبناء الطائفة الشيعية ونخبها، أولاً.

إنّ تغول «حزب الله»، خصوصاً مع ضمور نفوذ حركة «أمل» ورئيسها نبيه بري، منذ صار «الحزب» هو الأداة لتنفيذ الوصاية الايرانية الكاملة على لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب جيش النظام السوري وفقاً للقرار 1559، أدى إلى تهديد الحريات عبر تعطيل مفاعيل الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009، وتهديد كل رأي مخالف وصولاً إلى التصفيات الجسدية التي أعادت إلى الذاكرة التصفيات التي طالت كل شيعي ذي نفوذ ورأي ولو على نطاق محلي في قريته او اسرته، تمهيداً للسيطرة التامة على الطائفة وترويع باقي المكونات.

إنّ القضاء على الحريات، سواء داخل الطائفة أو خارجها، قضى على الحيوية السياسية والعقائدية التي تميزت بها الطائفة التي تتغنى بالاجتهاد، وصولاً إلى الحيوية الوطنية التي اجهضت تحديداً في 2008 و2019.

هذا العداء للحريات كان المدخل لضرب التعايش وعزل الطائفة عن باقي المكونات داخل الوطن، بل وحتى لإشعار المكونات الأخرى بالتهديد سواء بـ»قمصان سود» او باستخدام السلاح فعلياً في الداخل وتحديداً في 7 أيار 2008.

وإذا كان الشيعة، بعد الطائف، دخلوا إلى الإدارة اللبنانية بشكل كبير فإنّ الضربة الكبرى التي شكلها «الثنائي» للإدارة ليست بالفساد- وهو أمر مرفوض لكنه لطالما كان موجوداً- بل في الاسهام في اهتراء الإدارة وفقدانها الهيبة. صارت مرتعاً لمراكز القوى الطائفية وتعطلت بإرادة سياسية وعبر الازلام داخلها، على المستوى العملياتي.

هذا النمط القمعي وفرض ثقافة غريبة حتى على شيعة لبنان النجفيين، يعرض وحدة البلاد للخطر ويضعنا على شفير حرب أهلية، لأنه يجعل كل مكون ينتظر أن تتاح له الفرصة للتخلص من هيمنة ميليشيا «الحزب». وهذه الميليشيا، التي تحولت إلى فائض قوة، يجب أن تكون في صلب النقاش الشيعي لأنها تسيء بالدرجة الأولى إلى الطائفة وتختصر حيويتها وسطوتها بالسلاح وكأن كل تاريخ وحاضر أبناء الطائفة في كافة الميادين ليس له قيمة.

هناك أسئلة أساسية وحدهم أبناء الطائفة معنيون بالاجابة عنها بهدوء ومن دون أحكام مسبقة، مثل من هو المسؤول عن الانقلاب على المسار اللبناني للطائفة الشيعية؟ ولمَ صار الشيعة معزولين داخل الوطن في كانتونات من الاقتصاد الموازي والخدمات الموازية التي هيأ لها الكيان الموازي الحاكم، و»طفاراً» في الخارج متهمون بحكم الهوية بتبييض الأموال وتهريب الكبتاغون؟

سعى «الحزب» الحاكم في الطائفة منذ بداياته إلى تعزيز وضخ السرديات المؤسسة للمظلومية الشيعية والتي تقوم على بيع أبناء الطائفة الخوف والحقد والمغالطات مقابل شراء الولاء والطاعة. ولعل النقاش الأساسي والمواجهة التأسيسية تكون بتنقيح هذه السرديات ومجابهتها بالحقائق التاريخية، تماماً كما فعلت مثلاً «أمم للتوثيق والأبحاث» من خلال الجهد البحثي المعمق ضمن مشروع «تواريخ متقاطعة: حصة الشيعة منها في لبنان».

2 - النقاش الوطني

لا يغني النقاش الداخلي الشيعي مطلقاً عن نقاش وطني، ولا يعفي باقي المكونات من مسؤوليتها في التعامل مع المسألة الشيعية التي هي في صلب تعبيرات الازمة الوطنية. فهذه المكونات أو المنظومة وحراسها كانوا- وما زالوا- شركاء في تقوية «حزب الله» لبنانياً وشيعياً. ولعل التجربتين الأبرز هنا هما 14 آذار 2005 و17 تشرين الاول 2019.

في الأولى، تم رمي الشيعة المستقلين والمعارضين حتى قبل الكثيرين ممن تسيدوا 14 آذار وكان اعتراضهم على «حزب الله» ونظام الأسد مستجداً، في سلة «التفاهم الرباعي». سلم الجميع لـ»الحزب» الأمر ظناً أنّ الاستقرار يمكن أن يكون من دون المشاغبين الخارجين على طائفتهم بالمعنى السياسي. وتجربتنا مع «14 آذار» كانت تعذر تصنيفنا: لماذا لا تشكلون تياراً شيعياً معارضاً؟ كيف تطلب ذلك ممن يعرفون انفسهم بأنهم «مواطنون»؟ هنا المعضلة.

أما في ثورة أكتوبر 2019، فلم تلتفت القوى السياسية المعترضة ولا المجموعات المشكلة من رحم الاعتراض إلى أهمية الاعتراض الشيعي سواء في الشارع أو على مستوى النخب. وما بين التاريخين، يجب الا ننسى شركاء «الحزب» الحاكم الشيعي في تعزيز استفراده الأمني والعسكري والسردي بالطائفة والوطن، وعلى رأس ذلك شريك اتفاق مار مخايل 2006.

يقول الأستاذ عبيد إنّ الأداء الحالي للممسكين بقرار الطائفة سيؤدي إلى «ضياع تضحيات الشعلة المضيئة المتبقية من إنجازاتهم ألا وهي المقاومة!»، وأقول إنّ المقاومة ليست منجزاً شيعياً فقط، وإنّ المقاومة التي تسخر الوطن وأهله لحمايتها، لا العكس، تصبح عاملاً جاذباً للحروب والاحتلالات.


نداء الوطن