خاص- خطايا القوى المسيحية وفائض قوة "الحزب"- بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 20, 2024

خاص الكلمة ونلاين

بولا اسطيح


يُفضل مرجع كنسي ان يوصّف الاخطاء التي تقترفها القوى السياسية المسيحية في مقاربة الكثير من الملفات ب"الخطايا". فالأخطاء عابرة نقترفها جميعا وبشكل يومي. اما الخطايا وبالتحديد التي يتحدث عنها المصدر آثارها تدميرية على المجتمع المسيحي، وهي سياسات أدت منذ العام 2005 لليوم لاضمحلال اعداد المسيحيين في البلد بشكل غير مسبوق ولتحولهم لموقع المتلقي والمدافع بعدما كانوا هم يصيغون السياسات الاستراتيجية للبلد ويرسمون أفق مستقبله.


صحيح ان اتفاق "الطائف" فعل فعله بصلاحيات رئيس الجمهورية وقلّص الدور المسيحي كثيرا في اللعبة السياسية التي كان يديرها المسيحيون. لكن ما فعلته القوى السياسية المسيحية بعد ذلك فاقم فقدان الدور وتسليم الدولة وقرارها ل"الشركاء في الوطن".. وعندما ارادت هذه القوى استرجاع هذا الدور وجدت ان الامور خرجت عن السيطرة وانها نقلت المجتمع المسيحي، من حيث تدري او لا تدري، من حالة الريادة والاقدام الى حالة الدفاع والتصدي.


ومؤخرا بات القسم الاكبر من المسيحيين يروج لوجود مخطط لاقصائهم عن الحكم، سواء من خلال اطالة أمد الشغور الرئاسي نتيجة رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري فتح ابواب البرلمان لجلسة انتخابية مفتوحة بدورات متتالية الا في حال التفاهم المسبق على شخص الرئيس او من خلال مواصلة مجلس النواب عمله التشريعي ومجلس الوزراء عمله الحكومي "موسعا" فيما القوانين تلزمه حصرا بتصريف الاعمال، منقضا على صلاحيات الرئاسة الاولى، ما يهدد بتحول الشغور امرا واقعا يتم التعايش معه واستيعابه تدريجيا.


قد تكون القوى المسيحية محقة بما يتعلق بالملف الرئاسي،فهي وجهت "ضربة معلم" لكل من اتهمها بالتعطيل لعدم تفاهمها على اسم رئيس. فسارت بترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لتؤكد بذلك ان كرة التعطيل ليست بملعبها وبأن الحل الوحيد للازمة الرئاسية هو بفتح ابواب المجلس بشكل دائم وبدورات متتالية تؤدي بنهاية المطاف لانجاز الاستحقاق الرئاسي… في هذا الملف فائض قوة حزب الله هو المتحكم باللعبة كما في الاستحقاق الماضي، وان كانت مفاتيح البرلمان موضوعة في عهدة الرئيس بري.


لكن ما يسري رئاسيا لا يسري على باقي الملفات. فالقوى المسيحية ورغم علمها بأن الازمة الرئاسية شديدة التعقيد وقد يطول حلها سنوات، ارتأت اخراج نفسها من باقي السلطات وبالتحديد تلك التنفيذية والتشريعية، تاركة لباقي القوى مهمة ادارة البلد واتخاذ القرارات فيه العادية كما تلك المصيرية. الصراخ هنا والاعتراض والتصويب على مواد الدستور لا ينفع. ففي نهاية المطاف هناك بلد متداع يتوجب تسيير اعماله. بلد شهد احدى اقسى الازمات المالية في العالم وحتى الساعة لم يضع مسؤولوه خطة جدية لمعالجة الوضع الشاذ القائم. بلد قرر فريق منه خوض حرب ضارية جنوبا من دون استشارة اي مؤسسة دستورية او مسؤول فيه.. هل ينفع في هكذا ظروف الحرد؟


ترد مصادر في "الوطني الحر" على هذا السؤال مشددة على انه "كان المطلوب من خلال الانسحاب من الحكومة زيادة الضغوط لانتخاب رئيس وكنا نعتقد ان هناك من سيحمي ظهرنا بهد هذه الخطوة ويواكبنا الا اننا تفاجأنا بأن هناك من قرر الانقلاب علينا وليس فقط تغطية قرارات كبيرة لم نكن نؤيدها انما المشاركة باتخاذها من دون ان يرف له جفن!"
ما يسري على الحكومة، يسري ايضا على المجلس النيابي، فبين تغطية "الوطني الحر" تشريع الضرورة ومن ثم "القوات" تشريع الطوارئ بلغ التخبط المسيحي في التعامل مع الازمة اوجه، وخرج كالعادة رئيس المجلس النيابي منتصرا بعدما شاركت القوى المسيحية نفسها التي عيرته بتشريع لا يجوز بغياب رئيس باضفاء شرعية على عمل البرلمان لم تعد هذه القوى قادرة على سحبها ولو قدمت ألف حجة ومبرر.


الاخطاء السياسية التكتيكية هنا تحولت خطايا خاصة وانه لا يبدو ان هناك اي افق لإنجاز الانتخابات الرئاسية.


حتى الضغط الحاصل لانتاج موقف مسيحي موحد يرسم خطوط حمراء بما يرتبط بالشراكة والتوازن والميثاقية، لن ينفع ولن يصل الى خواتيمه. فما يعتبره "الوطني الحر" عملية اقصاء ممنهجة للمسيحيين عن الدولة يتعاطى معه حزبا "القوات" و"الكتائب" على انه عملية خطف للبلد يقوم بها حزب الله لا تستهدف المسيحيين وحدهم انما كل المكونات.

وبين هذا وذاك، يرفض "المردة" الخطابين ويلوم من قرروا اقصاء انفسهم والخروج من دوائر الحكم.


هي اذا عملية دوران في حلقة مفرغة ستطول.الا اذا قرر "الوطني الحر" الانقلاب الكبير على حزب الله وتبني عناوين قواتية وكتائبية كوجوب تسليم حزب الله سلاحه للدولة واعادة قرار الحرب والسلم الى كنف المؤسسات..عندها تُرسم معادلات جديدة، ويكون الحديث الجدي عن نظام جديد انطلق..