أتلانتيك- لا حل للقضية الفلسطينية مع بقاء نتانياهو

  • شارك هذا الخبر
Saturday, December 9, 2023

لفت رئيس الأكاديمية الأمريكية في برلين دانيال بنجامين، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة واشنطن ستيفن سايمون، إلى أن رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن منصبه بات المعبر الوحيد لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وكتبا في مجلة "ذا أتلانتيك" أنه عندما تتعرض دولة إلى هجوم مفاجئ، تتمثل التكاليف الأكثر وضوحاً في الخسائر الفادحة في الأرواح والأضرار المباشرة التي تلحق بالأمن القومي.
لكن الضحية الأخرى يمكن أن تكون الافتراضات الاستراتيجية الأساسية للدولة عن العالم الذي تعيش فيه.

حدث هذا للولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول)، عندما تحول الإرهاب من مصدر إزعاج من الدرجة الثالثة، إلى التحدي الأمني الأبرز الذي واجهته البلاد وبرز عدو جديد غير معروف كثيراً باعتباره عدوها الرئيسي.


وفي إسرائيل، كان لهجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) تأثير مدمر مماثل، حيث قتلت الإحساس بأن أراضيها آمنة إلى حد معقول من هجوم فلسطيني واسع النطاق، وأن غياب تسوية سياسية مع الفلسطينيين، أمر يمكن التحكم فيه في المستقبل غير المحدد، أي دون حل يشمل دولتين أو دولة واحدة ذات قوميتين.

وفقدت فكرة أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قادر على توفير الأمن بالتوازي مع تأجيل المشكلة الفلسطينية إلى وقت مجهول كل مصداقيتها.


الفرصة الأولى منذ عقود
يقدم زلزال 7 أكتوبر (تشرين الأول) الفرصة الأولى منذ توسط الولايات المتحدة في السلام المصري الإسرائيلي في 1979 لإعادة تشكيل المشهد السياسي. كان 7 أكتوبر(تشرين الأول) هو اليوم الذي بُعث فيه حل الدولتين من جديد في مقبرة سياسات الشرق الأوسط، على الأقل في الوقت الحالي.

ويمكن لقادة الولايات المتحدة الآن أن يستخدموا الشعار القديم القائل إن "الوضع غير قابل للاستدامة" دون أن يعبّر الإسرائيليون عن استخفافهم، وأن يتمنوا رحيل الأمريكيين. كما يقول المثل الدبلوماسي القديم، لا يجب إهدر أي أزمة خطيرة.

لكن لمساعدة الإسرائيليين على رؤية طريقهم نحو إنشاء دولة فلسطينية، على نتانياهو أن يرحل. وعلى إدارة بايدن أن تقدم للإسرائيليين طريقة معقولة للمضي قدماً بمجرد رحيله.
وأسباب ذلك بسيطة وفق الكاتبين، إذ "يجسد نتانياهو فكرة أن إسرائيل قادرة على إدارة المشكلة الفلسطينية دون تنازلات جدية لتطلعاتهم الوطنية. إنها عقيدة مركزية في نظرته إلى العالم. لقد دفعه ذلك إلى الحفاظ على غزة، باعتبارها جيباً لحماس من أجل إثبات أنه لا يمكن الثقة في الفلسطينيين، وإلى تقويض مصداقية المعتدلين الفلسطينيين، وبالتالي تبرير ادعاء أن إسرائيل ليس لديها شريك للسلام".

برهان دموي
كان يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) بمثابة برهان دموي على زيف وهْم نتانياهو المغري، وهو يتحمل المسؤولية الكبرى عن سوء الحكم القاتل على حماس، إذ كان على يقين أن المجموعة المسلحة تريد أن تحكم غزة بدل استخدامها قاعدة انطلاق لشن هجمات ضد إسرائيل.

وإذا ظل نتانياهو في منصبه لفترة أطول فسيكون البديل لحل الدولتين مضاعفة الجهود لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، ما من شأنه أن يستلزم إفقار الفلسطينيين وطردهم في نهاية المطاف من غزة، ومن الضفة الغربية، وهو الهدف الذي ينتهجه بعض المستوطنين هناك بالفعل، بالعنف ومصادرة الأراضي الفلسطينية.
وتشير تصريحات العديد من وزراء نتانياهو عن الحملة العسكرية الحالية التي ستكون نكبة ثانية، إلى مستقبل أكثر قتامة للفلسطينيين والإسرائيليين، مستقبل سيظل فيه رد فعل إسرائيل في الذاكرة طيلة الأعوام الخمسين المقبلة، كما قال وزير الدفاع يوآف غالانت. وقد يستلزم ذلك طرد سكان غزة وتشتيتهم في شبه جزيرة سيناء، كما أشارت وثيقة رسمية لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية.


الاستثناء
في القاعدة العامة، لا يغير الناخبون قادتهم في منتصف الحرب. لكن في هذه الحالة، الأفضل للإسرائيليين أن يقدموا استثناء وفق نصيحة الكاتبين. مع انخفاض معدلات التأييد إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، أصبح نتانياهو الآن، من الناحية السياسية، رجلاً ميتاً يمشي على قدميه، حتى إن الكثير من أعضاء حزبه يشككون في مستقبله. ومع ذلك، يمكن لفنان الهروب العظيم في السياسة الإسرائيلية أن يثير الكراهية للفلسطينيين، وأن يقود ائتلافاً يمينياً متطرفاً خلال سنوات إضافية في منصبه.
من غير الضروري أن يحدث هذا. يمكن لعضوي حكومة الحرب اللذين أشركا لتشكيل جبهة وطنية ضد حماس، أي القائدين العسكريين السابقين بيني غانتس، الذي شغل أيضاً منصب وزير الدفاع، وغادي آيزنكوت، إنهاء عهد نتانياهو. ويمكنهما تحقيق ذلك إما بالمطالبة باستقالته، أو بالانسحاب من الحكومة .
في الوقت الحالي، لا يظهران ميلاً يذكر لتحمل مخاطر سياسية بإسقاط الحكومة في زمن الحرب. ولهذا السبب، على إدارة بايدن أن تعطي غانتس والوسطيين في إسرائيل سبباً لذلك. وعلى وجه التحديد، على الولايات المتحدة أن تطرح اقتراحها لعملية السلام في مرحلة ما بعد غزة، والتي ستؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، وعلى واشنطن أن تطلب من إسرائيل توقيعها.


نتانياهو يستغل أمريكا
لا يرجح أن يقبل نتانياهو الذي اعتاد على التمرد ضد الرؤساء الديمقراطيين الأمريكيين، ذلك. لكن يمكن للولايات المتحدة القول إنها لا تستطيع أن تدعم إلى أجل غير مسمى حملة الأرض المحروقة التي تنتهجها الحكومة الحالية، خاصة أن لهذا الموقف تكاليف حقيقية في الخارج وفي الداخل لجو بايدن. وليس هناك ما يضمن أن يستجيب غانتس وحلفاؤه للمطالبة، ولم يعبّر غانتس نفسه بشكل كامل عن رؤية للسلام مع الفلسطينيين. ولكن الآن هو الوقت المناسب لاختباره.


وحسب الكاتبين، أدار الرئيس بايدن الوضع بذكاء حتى الآن، عبر بناء رأس مال سياسي كبير في إسرائيل بالوقوف إلى جانبها في لحظة الأزمة التي تمر بها. وأشار بنجامين وسايمون إلى أن الكثير مما يقترحانه يتوافق مع ما يقوله بايدن، وفريقه حتى الآن، وتحسن وقع نصيحتهم لإسرائيل بالالتزام بتقديم نحو 14 مليار دولار من المساعدات.

لكن رسالة إدارة بايدن من الكواليس إلى الإسرائيليين لم تعلن إلا الآن. وحتى اللحظة، شعر نتانياهو بأنه يمكنه إما التعسف بتحفظ على واشنطن بالاستهزاء بالمقترحات الأمريكية أو المراوغة بتعديل تصريحاته الأكثر شناعة عن مستقبل غزة دون تغيير اتجاهه بشكل أساسي.


كارثة أكبر
للولايات المتحدة الكثير لتقدمه للإسرائيليين إذا كانوا على استعداد لتحمل المخاطر من أجل السلام. لقد عزز يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) المخاوف الإسرائيلية القائمة منذ فترة طويلة، ومن المرجح أن تتطلب معالجة الولايات المتحدة لهذه المخاوف عرض ضمانات أمنية رسمية، وهو أمر لم يطلبه الإسرائيليون من قبل ويمكن أن يعرّض الولايات المتحدة للخطر، فضلاً عن استمرار دعم العمليات العسكرية. وقد تنجح إسرائيل أيضاً في التطبيع المأمول مع السعودية.
ومع ذلك ثمة الكثير من المخاطر المحدقة، سلطة فلسطينية ضعيفة ومعطلة ومفسدون إرهابيون وتدخل إيراني.

وينبه الكاتبان في الختام إلى أنه لتجنب دوامة تنازلات بعد الصراع، تعرّض الولايات المتحدة وإسرائيل للخطر، على إدارة بايدن التحرك الآن، قبل أن يملأ نتانياهو وشركاؤه اليمينيون المتطرفون الفراغ الذي خلّفته أوهام حقبة ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) بشيء أكثر كارثية.


24.AE