أحمد الأيوبي- "حماس" وإدارة علاقتها مع اللبنانيين

  • شارك هذا الخبر
Saturday, December 9, 2023

فاجأت «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) الرأي العام اللبناني بإعلانها تأسيس وإطلاق «طلائع طوفان الأقصى» لتواجِه سيلاً من المواقف الرافضة لما اعتبره الكثيرون إعلاناً عن فصيل عسكريّ إضافيّ استدعى استنفاراً شمل أغلب القوى السياسية من مختلف التوجهات، فكان لافتاً شبه الإجماع من طرفي الصراع في البلد على التصدي لهذه الخطوة التي سرعان ما بادرت قيادة «حماس» إلى نفي بُعدها العسكري وأكّدت أنّها تهدف إلى استيعاب طاقات الشعب الفلسطيني في مشروع مقاومة الاحتلال و»الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلميّة والفنّيّة».

ورغم هذا التوضيح الذي استفاض به عضو المكتب السياسي في حماس أسامة حمدان وممثلها في لبنان أحمد عبد الهادي عبر مختلف وسائل الإعلام، إلاّ أنّ الانطباع عن النوايا العسكرية بقي سائداً لدى الكثير من الأوساط اللبنانية، ولم يمرّ مروراً عابراً، بسبب حساسية هذا الموضوع وصعوبة التجربة ومخاطر عودة السلاح الفلسطيني للخروج من المخيمات، ولو كان تحت عنوان القيام بعمليات ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في جبهة التحريك الجنوبية.

لكن بعد هذه الزوبعة حان الوقت للتفكير الهادئ في ما جرى وفي ما ستكون عليه الأمور في المرحلة المقبلة، وتقييم سلوك «حماس» في لبنان منذ وجودها على الأراضي اللبنانية حتى اليوم، فلا يصحّ الحكم على المسألة من حدث واحد يحمل احتمال أنّه كان محاولة من حماس للتعبئة العسكرية ثمّ تراعت عنها، ويحمل أيضاً أنّها بالفعل قصدت التعبئة الشعبية فقط، خاصة أنّ البيان الأول تضمّن عبارة «الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلميّة والفنيّة».

وحتى لا نقع في براثن التهويل والمبالغات لا بُدّ من التذكير بأنّ «حماس» تعلم قبل غيرها كما تعلم القوى السيادية والجميع أنّ صاحب القرار في الجبهة الجنوبية هو «حزب الله» وأنّ مشاركة «حماس» في الجبهة الجنوبية أقرب إلى المشاركة الرمزية وأنّها مرهونة بإرادة «الحزب»، وأنّ إمكاناتها محكومة بالتوازنات داخل المخيمات الفلسطينية فضلاً عن أنّها لا تسمح لها بالانتشار خارجها.

من يدقِّق في التفاصيل يجد أنّ «حزب الله» قبل غيره يحاذر من تضخّم قوّة «حماس» في الداخل اللبناني. فرغم اجتماعهما في إطار تحالف المقاومة إلاّ أنّ انسحاب «الحركة» من سوريا احتجاجاً على قمع بشار الأسد للشعب السوري وقتال قوّة منها إلى جانب الثوار في مخيم اليرموك لا يغيب عن بال المحور الإيراني وخاصة قيادة «الحزب». لا بُدّ أن نلحظ في سياق هذا النقاش أنّ «حماس»، رغم فلسطينيتها، غير أنّها لم تكن جزءاً من الصراع خلال الحرب الأهلية في لبنان وأنّ هذه الصفحة طُوِيَت كما أكّد ممثلها في لبنان أحمد عبد الهادي أنّها لا تطمح للسيطرة على المخيمات وأنّها تعمل تحت سقف الدولة اللبنانية، ونعتقد أنّ هذا الإعلان هام وتشديد الضغوط على «الحركة» بعد كلّ هذه التوضيحات سيجعلها تعتبر أنّ التوضيح وعدمه سيان ومراعاة الواقع اللبناني وعدم مراعاته أيضاً سيّان، لهذا من المهم تثبيت هذا الموقف وترسيخه والبناء عليه لإرساء التوازن في علاقات الحركة مع الدولة ومجمل القوى اللبنانية.

في المقابل، لا يمكن لحركة «حماس» أنّ تعمل في لبنان وأن تبقى متموضعة في محور «حزب الله» وتحجر على نفسها وتخسر تدريجياً فرص التواصل المفتوح مع جميع القوى اللبنانية وإلاّ فإنّها تضرب صورتها التي تكوّنت عنها عموماً بقدرتها على التواصل الدبلوماسي والسياسي مع كلّ من يساند القضية الفلسطينية بل إنّها تسعى لتغيير آراء خصومها من خلال الحوار.

ولا شكّ أنّ شعبية «حماس» ارتفعت كثيراً في الأوساط الفلسطينية وحتى اللبنانية (السنية خصوصاً) وهذا يحمِّلُها مسؤولية أكبر في كيفية إدارة العلاقة مع اللبنانيين وهي مدعوّة لتقييم الموقف على جبهتين:

ــ الأولى، مشاركة «حماس» في جبهة الجنوب: وهي مشاركة أثبتت عدم جدواها في نصرة غزة أو حتى في التخفيف عن أهلها هول المجازر التي يتعرّضون لها.

ــ الثانية: تقديم رؤية واضحة لوضعها في لبنان وصياغتها في ورقة سياسية والحوار مع كلّ القوى اللبنانية، وليس فقط تلك المُصطفّة في المحور الإيراني، بل ينبغي التفاعل مع القوى السيادية التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذه المواجهة ودعم كثر من نوابها «حماس» في صمودها في غزة، لكنّها تعتبر أنّه لا ينبغي لها أن تعمل عسكرياً في لبنان.

لا شيء يمنع هذا الحوار من الانطلاق، ويمكنه أن يشمل أيضاً «الجماعة الإسلامية» في ما يتعلّق بموقفها من المشاركة في جبهة الجنوب، وتقييم الجدوى وفتح أفق الحوار على القضايا من باب البحث المشترك عن الحلول ذات الطابع الوطني والعروبي والإنساني.