خاص- " دولة الآخرين " من الأمن إلى الأقتصاد- بقلم جان الفغالي

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 30, 2023

خاص- الكلمة اونلاين
بقلم جان الفغالي

في الربع الأول من عقد تسعينيات القرن الماضي ، في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي ، وفي أحد المؤتمرات الصحافية للدكتور سمير جعجع ، من مقره في غدراس، استعرض فيه الممارسات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية اللبنانية – السورية بمعزلٍ عن قرارات الحكومة اللبنانية ، قال جملته الشهيرة : " نظريًا نعيش في ظل دولة ، لكن عمليًا نعيش في ظل دولة الآخرين " . بعد انتهاء المؤتمر الصحافي وعودة الدكتور جعجع من قاعة المؤتمرات إلى مكتبه ، قالت له سكرتيرته: " العميد جميل السيد على الخط " ، وما إنْ حوَّلت له الخط ، حتى بادره العميد السيد بالقول : " معَك دولة الآخرين".
هذه الواقعة إنْ دلَّت على شيء ، فعلى أنه في لبنان " دولة ظل " أكثر فاعلية من " الدولة النظرية" ، وربما هي
"الدولة العميقة" التي يرتبط بها كل شيء والتي" تربط" الدولة النظرية في كل شيء ، وليس بالضرورة أن تكون دولة آخرين أمنيَّة ، بل دولة آخرين إقتصادية مالية تجد حصانة لها وحماية من أفراد من السلطة التنفيذية وأفراد من السلطة القضائية ، وهذا النوع من "الدويلات" يؤمِّنون الحمايات لبعضهم البعض ، إلى درجة أنهم يرتكبون كل الموبِقات من دون أن يشاهَد أحد منهم وراء قضبان السجن.
في أحد البرامج الحوارية، توجَّه وزير الأقتصاد امين سلام إلى نقيب مستوردي المواد الغذائية ونقيب أصحاب السوبرماركت بالأتهام التالي : " صرلكن سنة ونص عم تسرقوا الناس " ، حيال هذا الاتهام من " الدولة " لم يرف جفنٌ من " دولة الآخرين" الأقتصادية التي بالتكافل والتضامن مع وزير الاقتصاد السابق ، راوول نعمة ، هرَّبت أموال الدعم إلى الخارج ، هذه الأموال التي تجاوزت السبعة عشر مليار دولار.
و"دولة الآخرين " لا تقتصر على قطاع الأغذية، منذ يومين نقيب الصيادلة الذي منذ وصوله على رأس النقابة وهو يكافح " باللحم الحي " كارتيلات تهريب الدواء ، دق ناقوس الخطر متحدِّثًا عن الخشية من انهيار قطاع الصيدليات بسبب " تجَّار الشنطة" الذين يحلون محل الصيدليات الشرعية ، وبالتزامن وبالتوازي ، كَشِف النقاب عن حقنٍ مزوَّرة من شأن استعمالها أن تسبِّب عوارض تقود إلى الوفاة . هنا يُطرَح السؤال : اين تفتيش وزارة الصحة ؟ هل وصلت " دولة الآخرين " إلى القطاع الصيدلاني ؟ هذا لا يعني إغفال الدور الكبير لوزير الصحة الدكتور فراس الأبيض منذ مسؤوليته الكبيرة منذ زمن كورونا ، لكن البيروقراطية في وزارة الصحة تكبل يديه بعض الشيء .
تاريخيًا في لبنان ، هناك نوعان من الأسلاك لا يعرفان الطريق إلى المحاكم : سلك رجال الدين وسلك رجال الأمن . أضيف إليهما أخيرًا ، سلك رجال الاقتصاد والأعمال، هؤلاء يشكِّلون اليوم " دولة الآخرين " الذين يشلَّون البلد بدلًا من إنعاشه ، ولتبييض سمعتهم ( على طريقة تبييض الأموال ) يتسابقون إلى الصدارة في مقاعد المجالس الرسمية والخاصة والهيئات الاقتصادية وفي الصالونات الديبلوماسية، من دون أن يتكلَّف أحد عناء سؤالهم عن " جرائمهم " المالية والاقتصادية في حق الناس .
طالما هؤلاء سيبقون في الواجهة ، من دون أن يُشاهَد أي منهم وراء القضبان، فستبقى الاستباحة قائمة ، ف" دولة الآخرين" أي الدولة العميقة ، ليس بالضرورة أن يكون رجالاتها في السلطة ، بل لديها " رجال " يمونون على رجال في السلطة ، مَن يريد أن يتعرَّف أكثر ، ليفتَح ملف
" سوليدير " والواجهة البحرية (Sea Side) ومَن هُم المنتفعون منها ، وعلى رأسهم ع.خ. ومَن يدور في فلكِه ممن يتبوَّأون مناصب رسمية وغير رسمية، في المجالات الأقتصادية والتجارية ، وبعضهم " طوَّر طموحاته" بالتزامن مع تطوير " البزنس" ، فأسس حركات ظاهرها إنمائي ومضمونها سياسي .
حيال كل ما تقدَّم ن لا يسع المراقب سوى القول : " فالِج"، إن " دولة الآخرين " تتجذَّر أكثر فأكثر ، في انتظار مَن يجرؤ على قلعها من جذورهان هل مسموح للشعب اللبناني أن يرفع منسوب أمنياته إلى هذا الحد ؟