غزة: الورقة اللقيطة في لعبة تقاطع طهران / تل ابيب - جورج أبو صعب

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 15, 2023

خاص- الكلمة أونلاين
جورج أبو صعب

من يتابع التطورات خلال الايام القليلة الماضية وحتى ساعات نهار امس في قطاع غزة ينتابه شعور بوجود اوركسترا رقص مزدوج على قبور الفلسطينيين بين طهران وتل ابيب .
انه تقاطع مصلحي مميت يجتاح القطاع الضحية ويدفع الفلسطينيين ثمن مواجهة لم يريدوها الا مرغمين بفعل وجود وكلاء ايران في القطاع والتطرف اليميني في تل ابيب .
قطاع غزة بات الورقة التي تبحث عن نسبها بعدما اختلطت الانساب بالتبعيات الايرانية بالاجندات الاقليمية المتداخلة روسيا وصينيا واميركيا وتركيا وسوريا ، فبات اللعب على المكشوف واهم ما هو مكشوف حسابات طهران بعد بداية التطبيع مع المملكة العربية السعودية ومن خلالها مع العرب .
فقطاع غزة يدفع اليوم ثمن التطبيع الايراني العربي من ناحية الايرانيين الذين وبعدما انطلق قطاع التطبيع مع العرب تيقنت القيادة الايرانية بانتهاء دورها التدميري في البلدان العربية اقله مرحليا فراحت تبحث عن صراع بديل يبقيها ومشروعها موجودا من بوابة الصراع مع اسرائيل .
طهران التي ارادت دورا اقليميا وجوديا لها انعشت اللعبة القديمة فيما يعرف بالمواجهة المفتوحة مع اسرائيل وقد لاقتها من الطرف الاسرائيلي حكومة يمينية متطرفة وطروحات مدمرة من شأنها تغذية الدور الايراني الجديد او القديم المتجدد .
بذلك سعت طهران عبر الجهاد الاسلامي لاحياء الصراع مع اسرائيل وعادت ادبيات الخطاب الرسمي الايراني الصادر من المرشد في اعلى الهرم الى الرئيس الايراني الى قادة الحرس الثوري الايراني وبذلك يضمن النظام امرين اساسيين :
الاول : استمرار اجندته الاقليمية واستدارة الصراع من صراع ضد العرب الى عودة الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني .
الثاني : افهام الغرب وبخاصة الولايات المتحدة انه لا يزال لاعب اساسي وخطير في المنطقة وعلى الحدود مع اسرائيل حيث تشكل ايران خطرا عليها من لبنان والجولان وغزة عبر وكلائها .
وهذه الاستراتيجية تفسر عودة السخونة الى تلك المحاور حيث من حوالي شهر حصل اطلاق صواريخ من جنوب لبنان تكشف عنه وجود تنسيق مباشر وقوي بين حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي وبالامس من خلال ابداء امين عام حزب الله استعداده اثناء تناوله الوضع المتفجر في غزة للتدخل لمساعدة الفصائل الفلسطينية في غزة .
خلال الربيع العربي كما سمي آنذاك ركزت ايران على دول المنطقة لمصارعة مصر والامارات والمملكة العربية السعودية من بوابة اليمن والبحرين من بوابة الوجود الشيعي الموالي والذي تسبب بتدخل درع الخليج لحسم الموقف في المنامة لصالح النظام الملكي الموالي للرياض .
واحكمت ايران خلال تلك الفترة قبضتها على كل من لبنان وسوريا والعراق عبر ميليشياتها ووكلائها المحليين .
انتهت هذه المرحلة وتمت التصالحات بين طهران ودول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وانتقلت اولويات ايران تجاه العرب من الصراع الى كيفية الاستفادة الاقتصادية والتجارية والمالية من العرب : وزير المالية السعودي محمد الجدعان صرح منذ ايام عن وجود الكثير من الفرص للاستثمارات السعودية في الجمهورية الاسلامية في ايران .
بالتزامن استقبل رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد امين المجلس الاعلى الايراني للامن القومي علي شمخاني يرافقه حاكم مصرف ايران المركزي ما يؤشر الى بدء قطف ايران لتلك الاستثمارات الخليجية التي تحتاجها ايران الغارقة في عزلتها الدولية وعقوباتها الغربية وازماتها الداخلية لا سيما على مستوى الشارع الذي لم يعد مقتنعا برواية القيادة الايرانية بمحاربة اسرائيل بعدما رأى الرأي العام الايراني السنوات الاخيرة تهدر ثرواته وقدراته في محاربة دول عربية وانظمة عربية وخليجية بدل محاربة اسرائيل وتحرير القدس .
لذا قررت القيادة الايرانية التصالح مع الخليج والعرب لاستغلالهم اقتصاديا وتجاريا وماليا وتصويب بوصلة الاستهداف باتجاه اسرائيل لمحاولة اعادة كسب الشرعية الشعبية المفقودة .
طهران ترزح تحت ثقل الضربات الاسرائيلية التي تعرضت لها في سوريا ولا تزال وحتى في الداخل الايراني سواء بالهجمات السيبرانية او بعمليات اغتيال قادة عسكريين وامنين من الحرس الثوري الايراني وعلماء النووي داخل ايران ومع ذلك اهملت الى الان الرد على اسرائيل والدخول في مواجهة معها مفضلة مقاتلة الدول العربية وتهديد الامن القومي العربي ما شجع دول عربية على التطبيع مع اسرائيل لحماية نفسها من الخطر الايراني وهذا ما انعكس سلبا على استراتيجية طهران التي لا يمكنها تحمل التطبيع العربي مع اسرائيل ومن اهداف تطبيعها مع الخليج والعرب انهاء اي امل بتطبيع عربي جديد مع اسرائيل .
وبما ان التطبيع السعودي مع اسرائيل هو اكثر اعمال التطبيع التي تقلق طهران فقد توجه التركيز الايراني على مسابقة اسرائيل في انجاز تطبيعها مع الرياض قطعا للطريق امام تل ابيب .
واشنطن التي دخلت منذ فترة على خط المساعدة في انجاز التطبيع السعودي الاسرائيلي سواء عبر زيارة السيناتور الجمهوري لاندسي جراهام او مستشار الامن القومي الاميركي جاك سوليفان مؤخرا ، ضغطت ولا تزال تضغط على الرياض لانجاز التطبيع مع اسرائيل ولذلك تصدت ايران لتلك المحاولات بتفجير الوضع في قطاع غزة لقطع اي امل بهذا التطبيع .
من هنا اصبحت غزة نقطة تقاطع والتقاء لمصلحة ايران واسرائيل اليمينية المتطرفة :
فبموازاة مصلحة ايران بمصالحة العرب باستخدام قطاع غزة لابعاد السلام بين العرب واسرائيل نجد حكومة اسرائيل اليمينية المتطرفة تستغل غزة لمصالحة العرب باستخدام القطاع لمنع فرض السلام مع الفلسطينيين .
والمعلوم ان وزير الامن القومي الاسرائيلي المتطرف بن غفير اشترط مؤخرا وعلنا على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تنفيذ اجندته اليمينية المتضمنة شن عملية عسكرية في الضفة وسن قانون اعدام الاسرى واقرار التعديلات القضائية التي قسمت اسرائيل مؤخرا ولا يزال الرأي العام الاسرائيلي منقسما حول هذا القانون .
هكذا تتقاطع المصلحتين الايرانية والاسرائيلية في قطاع غزة المنكوب وكأنه اللقيط الذي يبحث عن ابوته الاصلية الضائعة بين اجندتين جهنميتين يغيب عنها الصالح الفلسطيني فيما يدفع الانسان الفلسطيني الفاتورة الاكبر كل مرة .


جورج أبو صعب- المستشار القانوني للسفارة الفرنسية في قطر / المستشار القانوني لمفوضية الاتحاد الأوروبي في قطر