اللبناني وحياة الحرمان: وداعا للحلويات واللحوم

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 1, 2023

أرخى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بظلاله على مائدة رمضان، من لحوم وخضراوات وحلويات، ودخل لبنان حقبة التهديد الحقيقي للأمن الغذائي، ولم يعد لدى المواطن قدرة على تأمين متطلباته كافة، فقد أصبح يعمل جاهداً لتأمين ما أمكن من غذاء ولباس وعلاج واستشفاء.

في طرابلس (شمال)، تقودنا الجولة إلى "سوق العطارين" حيث يتجول المواطنون بحثاً عما يلائمهم من أسعار، ولن يستغرق المراقب طويلاً حتى يستنتج أن السلوك الاستهلاكي للمواطن اللبناني قد تبدل وتحول من مرحلة "الإفراط في تدليل النفس" إلى حياة التشف أو ربما الحرمان.

وبحسب منصة Food Security حل لبنان في المرتبة الأولى عالمياً في مستوى التضخم وارتفاع أسعار الغذاء، وشهدت الأسعار زيادة بمعدل 139 في المئة بين فبراير (شباط) 2022، والفترة نفسها من العام الحالي 2023، وسبق زيمبابوي والأرجنتين وإيران وتركيا ومصر.

وترافق كل ذلك مع تراجع كبير في القدرة الشرائية، وشكل سعر صرف الدولار عاملاً ضاغطاً على حياة المواطنين، ففي فبراير 2022، كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يساوي 20600 ليرة لبنانية، وبعد عام، تجاوز سعره عتبة 100 ألف ليرة لبنانية، فيما سجل في مارس (آذار) الحالي 110 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد.

وإذا ما قارنا دخل العائلة اللبنانية، مع ما تنفقه على الطعام شهرياً، سنجد فجوة مالية كبيرة، فعلى سعر منصة "صيرفة" 90 ألف ليرة لبنانية، تتراوح أجور موظفي القطاع العام في لبنان بين 30 و100 دولار أميركي، في وقت أشارت قاعدة بيانات "فيتش" تنفق العائلة اللبنانية 240 دولاراً أميركياً شهرياً.

ثورة "الفتوش"

تشكل سلطة "الفتوش" (مؤلفة من خضراوات موسمية) مؤشراً أساسياً لارتفاع كلفة الحياة في لبنان، فهو طبق "الحد الأدنى" لمائدة رمضان، وبحسب تقرير "الدولية للمعلومات" ارتفعت كلفة صحن الفتوش في 2023 بزيادة مقدارها 245 في المئة عن العام السابق، كما ارتفعت أسعار الخضراوات بين رمضان 2022 ورمضان 2023 بنسبة 100 في المئة لأسعار الخيار والبندورة، و600 في المئة بالنسبة لزيت الزيتون، إضافة إلى 1150 في المئة في ما يرتبط بالبصل، والحامض 400 في المئة، والخس 167 في المئة، والبصل الأخضر 300 في المئة، والبقدونس 115 في المئة.


اللبنانيون يهبطون درجات على السلم الاجتماعي
تجدر الإشارة إلى أن أسعار الخضراوات خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان، شهدت ارتفاعاً كبيراً، وفاقت، بالتالي، النسب التي قدمتها الدراسات الميدانية التي اعتمدت عشية رمضان مؤشراً للارتفاع.

وسلط مرصد الأزمة في "الجامعة الأميركية" الضوء على سبب الارتفاع الحاد في كلفة الإفطار الأساسي لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص إذ تخطت ستة ملايين ليرة لبنانية يومياً (نحو 56 دولاراً).

سوق الخضراوات

ورفض نقيب تجار سوق الخضراوات في الشمال عزام شعبو تحميل المزارعين والتجار مسؤولية ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه، عازياً السبب لارتفاع كلفة نقل البضائع وأسعار المحروقات، وحمل المسؤولية للسلطة السياسية "التي لم تتخذ الإجراءات لفرض الاستقرار في سوق الصرف".

كما لاحظ تجار سوق الخضراوات تراجعاً في نسبة بيع الخضراوات بسبب عدم مقدرة المواطنين على شرائها، وتروي صاحبة أحد المحال التجارية في زغرتا (شمال) أن سيدة جاءتها لشراء الخيار، وعندما أدركت سعره، طلبت شراء حبتين فقط "فما كان مني إلا أن أضفت لها الكمية على سبيل الهبة".

وجزم شعبو أنه "لولا فتح باب الاستيراد من سوريا لكانت الأسعار ضعف ما هي عليه في لبنان حالياً". ولفت إلى أن 60 في المئة من الخضراوات الموجودة حالياً تأتي من سوريا، وعلى وجه التحديد الخيار والبندورة، كاشفاً عن استغناء كثيرين من المزارعين عن استثمار أراضيهم بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج.

وعن سعر البصل المرتفع جداً حالياً في الأسواق قال شعبو "البصل يتم استيراده من الخارج بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وحالياً لم يبدأ موسم قلع البصل في سهل عكار (شمال) وسهول لبنان، لذلك لا وجود لإنتاج محلي، وهناك اعتماد على ما يأتي من مصر"، مبشراً بتراجع سعر البصل قريباً مع بدء الإنتاج المحلي.

وداعاً للحلويات واللحم

ويجد اللبناني صعوبة بالتكيف مع الواقع الجديد، وليس من قبيل المبالغة القول إنه "عصر الحرمان"، فالموظف الذي لا يتجاوز دخله 100 دولار، كيف له شراء قائمة السلع المدولرة بالكامل، وبعيداً من أسعار المحروقات، إذ يبلغ متوسط سعر صفيحة البنزين 18 دولاراً، وعبوة الغاز حوالىفإن الحلويات باتت جزءاً من الحلم، وتتراوح أسعارها بين 14 و21 دولاراً لكل كيلوغرام، ما دفع كثيرين إلى "مقاطعة" تلك الحلويات، ليس لعدم رغبة فيها، وإنما لعدم القدرة على شرائها، وبناء على ما تقدم، سعت بعض المحال إلى إنتاج حلويات منخفضة الكلفة "بما يتناسب مع قدرات الطبقة الشعبية" مع استبدال بعض المكونات التي تدخل في صناعة الحلويات.

وعلى مقلب اللحوم، يشترك أصحاب محال اللحوم والزبائن بالشكوى، فسعر كيلوغرام لحم البقر الطازج يتخطى 11 دولاراً، أما سعر كيلوغرام الدجاج فلا يقل عن خمسة دولارات، ما دفع شريحة كبيرة من المواطنين إلى استبدالها باللحوم المثلجة المستوردة من الخارج.

بشير مصطفى


اندبندنت عربية