طريق الحرير الصيني.. مخاوف من "فخ الديون" وعقبات قد تؤدي لـ"فشل المبادرة"

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 29, 2023

قدمت الحكومة الصينية قروضا مالية ضخمة لحكومات في آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتم توجيه غالبية تلك الأموال لدول تشكل قسما من مبادرة "الحزام والطريق"، مما زاد من نفوذ الصين العالمي بعدما أصبحت واحدة من "أكبر الدائنين" في العالم، ويكشف خبراء لموقع "الحرة" عن أسباب تقديم بكين تلك القروض وتداعياتها على اقتصادات تلك الدول، وتوقعاتهم بشأن نجاح المشروع الصيني من عدمه.

إنقاذ مالي لدول "الحزام والطريق"
أظهرت دراسة نشرت، الثلاثاء، أن الصين أنفقت 240 مليار دولار على الإنقاذ المالي لما يصل إلى 22 دولة نامية بين عامي 2008 و2021 وأن المبلغ زاد في السنوات القليلة الماضية مع مواجهة مزيد من الدول لمصاعب في تسديد القروض التي أُنفقت على البنية التحتية لمبادرة "الحزام والطريق" أو ما يعرف بـ"طريق الحرير الجديد".

وأشار التقرير الذي أعده باحثون من البنك الدولي وكلية كنيدي التابعة لجامعة هارفارد وإيد داتا ومعهد كيل للاقتصاد العالمي إلى أن ما يقرب من 80 بالمئة من قروض الإنقاذ كانت بين عامي 2016 و2021 ومعظمها لبلدان ذات دخل المتوسط بما في ذلك الأرجنتين ومنغوليا وباكستان.

وقدمت الصين قروضا بمئات المليارات من الدولارات لتشييد البنية التحتية في البلدان النامية لكن الإقراض ينحسر منذ عام 2016.

وتوصلت الدراسة إلى أن قروض الصين للدول التي تعاني من مشاكل مع الديون ارتفعت من أقل من خمسة بالمئة من محفظة إقراضها الخارجية في عام 2010 إلى 60 بالمئة في 2022.

وتصدرت الأرجنتين القائمة إذ حصلت على قروض بلغت 111.8 مليار دولار تلتها باكستان التي حصلت على 48.5 مليار دولار ومصر 15.6 مليار دولار، وحصلت تسع دول على أقل من مليار دولار، وفقا لـ"رويترز".

تمويل صيني "غامض"؟
يشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن الأرقام المعلنة حول القروض الصينية المقدمة لدول العالم "تقديرية".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد أن حقيقة التمويل الصيني لدول العالم "غامض"، مرجعا ذلك في الغالب إلى "نقص البيانات وانعدام الشفافية".

ويقول عبدالمطلب "على مدى العقدين الماضيين أصبحت الصين مقرضا عالميا رئيسيا، حيث قدرت بعض الجهات القروض الصينية للعالم بنحو 2 ترليون دولار في عام 2022".

وقدمت الصين قروضا تقدر بنحو 148مليار دولار إلى 33 دولة أفريقية، أبرزها:

أنغولا 21.5 مليار دولار
إثيوبيا 13.7 مليار دولار
كينيا 9.8 مليار دولار
جمهورية الكونغو 7.42 مليار دولار
زامبيا 6.38 مليار دولار
الكاميرون 5.57 مليار دولار
وتعد جميع عمليات الإقراض هذه رسمية ومصدرها الحكومة الصينية، حسب عبدالمطلب.

ومن جانبه يؤكد الخبير في الشؤون الصينية، عامر تمام، أن سريلانكا، هي الدولة الأكثر استدانة من الصين وواجهت مشكلات عدة بسبب ديونها.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى باكستان التي تلقت قروضا بمبالغ كبيرة من بكين، حيث تدشن استثمارات كبيرة هناك وتبنى ميناء يفيد مبادرة الحزام والطريق، ما تسبب في تراكم الديون على إسلام آباد أيضا.

وشيدت الصين في باكستان سلسلة مشاريع بنى تحتية لتربط على طول طريق تجاري الساحل الجنوبي للبلاد بمدينة كشغار الصينية، وفقا لـ"فرانس برس".

وهذا المشروع المسمى "الممر الاقتصادي الصين- باكستان" يتضمن تشييد طرقات سريعة وسدود كهرمائية وإدخال تعديلات على مرفأ كوادر الباكستاني على بحر العرب.

ووافقت الصين هذا الشهر على إعادة جدولة قروضها لسريلانكا، ممهدة الطريق أمام الإفراج عن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 2,9 مليار دولار إلى الجزيرة الواقعة في جنوب آسيا.

ويتحدث تمام كذلك عن "ديون صينية متراكمة" على عدد من الدول الإفريقية جميعا تشارك في "مبادرة الحزام والطريق".

حلم الرئيس الصيني
في عام 2013، أطلق الرئيس الصيني، شي جينبينغ، مبادرة "الحزام والطريق".

وتقضي ببناء حزام بري يربط الصين، ثاني قوة اقتصادية عالميا، بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طرق بحرية للوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بحسب ما تقول بكين.

ويهدف المشروع إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وافريقيا وحتى أبعد من ذلك عبر بناء موانئ وسكك حديد ومطارات ومجمّعات صناعية.

وتقوم مبادرة الحزام والطريق الصينية على إقامة مشاريع بتريليون دولار لتحسين العلاقات التجارية عبر العالم من خلال بنى تحتية يفترض أن تتيح للعملاق الآسيوي الوصول إلى المزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاته.

واستثمرت شركات صينية أكثر من عشرين مليار دولار في مشاريع استثمارية مباشرة غير مالية في دول مبادرة الحزام والطريق عام 2021، وفق وزارة التجارة الصينية.

ويؤكد عبدالمطلب أن مبادرة الحزام والطريق جعلت الصين أكبر ممول لمشروعات البنية الأساسية في العالم.

وحققت الصين هدفها بربط العديد من دول العالم بالاقتصاد الصيني، وعلى جانب آخر حققت بعض الدول أهدافها بتوفير تمويل ممتد طويل الأجل لإقامة مشروعات البنية الأساسية، حسب الخبير الاقتصادي.

من جانبه يصف تمام المبادرة بالحلم الذي يسعى الرئيس الصيني لتحقيقه، والتي تمثل الشكل الجديد للنظام العالمي الذي تسعى الصين لتشكيله حسب رؤيتها الخاصة.

وتسعى بكين للترويج لبضائعها ولديها فائض مالي تحاول استثماره في مشاريع بنى تحتية تساهم من خلالها في نقل البضائع الصينية من وإلى تلك الدول، وكذلك نقل المواد الخام من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا إلى الصين لإعادة تصنيعها مرة أخرى، وفقا للخبير في الشؤون الصينية.

دبلوماسية "فخ الديون"
يواجه المشروع الصيني الذي انضمت اليه أكثر من 150 دولة، بحسب بكين، انتقادات على الصعيد الدولي بسبب المديونية الخطيرة التي يشكّلها على الدول الفقيرة.

والقروض الصينية غامضة ونسبة الفائدة عليها تصل إلى 5 بالمئة في المتوسط، مقابل 2 بالمئة لفوائد صندوق النقد الدولي.

ولذلك ينظر الخبير الاستراتيجي، العميد ناجي ملاعب، لـ"الحزام والطريق" على إنه "مشروع دبلوماسية ناعمة" يهدف في النهاية للهيمنة على سياسات الدول المشاركة.

ويتحدث ملاعب لموقع "الحرة" عن خطوات الهيمنة السياسية والتي تبدأ بالتنمية وصولا إلى قروض طويلة الأجل ليتم التحكم باقتصاد البلد وبالتالي الهيمنة على سياسته وضمه إلى محور مغاير للاتجاه الحالي للدول الغربية.

ويتطرق الخبير بالشؤون الصينية لنفس النقطة، ويقول إن الصين تعتمد منذ سنوات على "الدبلوماسية الاقتصادية" وتعزز قوتها من خلال الاقتصاد والاستثمارات بدول الحزام والطريق، وبذلك تمكنت بكين من "تحقيق نفوذ بتلك الدول".

من جانبه يتحدث عبدالمطلب عن مشكلة تثير تخوفات البعض، وتتعلق بـ"استيلاء الصين" على هذه المشروعات حال عدم قدرة الدول المقترضة على سداد أقساط وفوائد الدين المستحقة عليها في المواعيد المقررة.

فوائد اقتصادية أم أهداف سياسية؟
يرى عبد المطلب أن هناك "أهداف مزدوجة للمشروع الصيني"، فهو في مجمله مشروع اقتصادي، لكن بالتأكيد له أهداف سياسية أيضا.

ويستشهد الخبير الاقتصادي بدراسات وتقارير تتحدث عن طموح الصين لتكون القوة العظمى الأولى على مستوى العالم، أو على الأقل الثانية عالميا خلف الولايات المتحدة.

ويقول "صحيح أن القوة الصينية لا ينكرها أحد، لكنها تظل قوة وهمية".

ويتفق مع الطرح السابق ملاعب، والذي يرصد ملامح تشكل "تحالف مغاير للغرب" يجمع روسيا والصين وإيران وقد تنضم إليها دولا أخرى، ويستشهد في حديثه بموقف بكين وطهران من الحرب في أوكرانيا.

ويتوقع الخبير الاستراتيجي أن يكون هناك تعاون روسي إيراني بتأمين طريق شمال جنوب وصولا للمحيط الهندي، وتستفيد منه الصين بتلافي استخدام الممر الإجباري لسبعين في المئة من تجارتها عبر مضيق ملقا الواقع بين ماليزيا وإندونيسيا.

من جانبه يشير الخبير في الشؤون الصينية إلى مجموعة متنوعة من الأهداف والمآرب الصينية التي تقف خلف مبادرة الحزام والطريق، والتي تهدف في النهاية لـ"تشكيل نظام عالمي جديد".

ويستشهد في حديثه بتدشين الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي، تم افتتاحها في عام 2017، ويقول إن ذلك جاء في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهي بصدد إنشاء أخرى على الساحل الأطلسي في غينيا الاستوائية.

وتسعى بكين في الوقت ذاته لتدشين قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا على البحر الأحمر، وبالتالي هي تدعم التواجد الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي بدول الحزام والطريق، حسب تمام.

هل تنجح مبادرة "الحزام والطريق"؟
يرى عبدالمطلب أن هناك العديد من العقبات التي قد تواجه تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق" أبرزها:

استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية
الأزمات المالية التي يمر بها العالم واحتمالات تطورها لتطال الاقتصادي الصيني نفسه
استمرار تداعيات جائحة كورونا وتحورات الفيروس أو احتمالية ظهور مرض جديد
ويتحدث الخبير الاقتصادي عن أن تلك الأزمات قد تؤثر سلبا على الداخل الصيني، ويقول إن "نموذج النمور الآسيوية ليس بعيدا عن الصين".

ويشير تمام إلى عوائق جديدة لتنفيذ المبادرة وهي:

ارتباطها بـ"شخص الرئيس الصيني" وليس الدولة الصينية
الضغوط الغربية لعدم المشاركة في "الحزام والطريق"
صعوبة استمرار تمويل المبادرة في ظل ظروف وأوضاع اقتصادية عالمية مضطربة
تأثير الدعم الذي تقدمه بكين لدول الحزام والطريق بشكل أو بآخر على الاقتصاد الصيني
عدم تحقيق المبادرة العائد المرجو منها بالنسبة للصين حتى الآن
قد يتم إعادة التفكير في جدوى الدفع بمبالغ مالية طائلة في المبادرة
عدم تعامل الحكومات الفاسدة ببعض الدول المشاركة في المبادرة بشفافية مع الأموال التي تقدمها الصين للاستثمار في مشاريع البنية التحتية
أما ملاعب فيرى أن دول الغرب سوف تتصدى للمبادرة التي يصفها بـ"المد الصيني البري والبحري" الذي يقلق المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

ويستشهد في حديثه باجتماع مجموعة الدول السبعة في منتصف العام الماضي، حيث تقرر جمع 600 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتمويل البنية التحتية المطلوبة في البلدان النامية وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 200 مليار بهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق، وفقا للخبير الاستراتيجي.

وحسب ملاعب فإن مصير التقدم في المشروع بات مرتبطا بخطوات الصين المستقبلية تجاه قضية تايوان كذلك.

وائل الغول - الحرة


الحرة