خاص- هل أصبح المسيحيون في لبنان خارج دائرة القرار؟ - بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 26, 2023

خاص- الكلمة أون لاين

بولا أسطيح

استفز قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي القسم الاكبر من القوى السياسية المسيحية لكن ما استفزهم اكثر طريقة اتخاذ القرار. هذه القوى كما كل فرقاء الداخل وعلى الارجح الخارج يدركون منذ مدة ان القرارات في لبنان ومنذ شغور سدة الرئاسة تتخذ وفق هذه الآلية. آلية تقول بزيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مقر اقامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليتخذ الرجلان كل القرارات المفترض ان تمر عادة اما عبر الحكومة او مجلس النواب. قد لا يُلام الرجلان طالما حججهما قوية لاختصار السلطة بهما، وابرزها ان القوى المسيحية الفاعلة هي التي تعطل عمل مجلسي الوزراء والنواب للضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية. مرة جديدة تنقلب خطط المسيحيين عليهم. فبدل ان يكونوا يتصدون لتجاوزهم في السلطة من خلال عدم السماح بمواصلة الحكومة ومجلس النواب عملهما كأن شيئا لم يكن في ظل شغور سدة الرئاسة، تراهم يدفعون من حيث لا يدرون لاختصار الثنائي بري- ميقاتي السلطة بشخصيهما. وليس موضوع تأجيل التوقيت الصيفي الا قضية ثانوية مقارنة بالقضايا الاستراتيجية التي يقرر فيها الرجلان وبخاصة تلك المالية، في بلد يشهد انهيارا متواصلا منذ العام ٢٠١٩ بغياب اي خطة لوقف هذا الانهيار والبدء في مسار النهوض. اذ يكون ساذجا من يعتقد ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتحكم وحده بالاستراتيجيات المالية المعتمدة ويقرر من دون الرجوع لاحد التدخل لخفض سعر الصرف او تثبيته عند حدود معينة.

ويُتقن الثنائي ميقاتي- بري الذي لا شك يحظى بغطاء كامل من حزب الله والى حد كبير من رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط العمل على استيعاب النقمة المسيحية حين تكبر، بحيث يتجنب بري مثلا دعوة مجلس النواب للانعقاد رغم تيقنه من قدرته على ضمان حضور 65 نائبا يؤمنون نصاب الجلسة. لكنهما متى ارادا. لا يترددان بالتفاخر بامساكهما بزمام السلطة، وتسريب الفيديو الاخير الشهير من عين التينة خير دليل.

ولا تمتلك القوى المسيحية حاليا الا سلاح الاعتراض وفي افضل الاحوال التعطيل لمنع امساك باقي القوى بكامل السلطة. لذلك كان القرار المعلن القواتي- الكتائبي التصدي لاي محاولة لفرض رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئيسا من خلال تعطيل نصاب جلسة انتخابه، وهو قرار قد لا تتردد قيادة "التيار الوطني الحر" باتخاذه في حال لمست توجها جديا في هذا المجال.

لكن تأثير هذه القوى مجتمعة في الملف الرئاسي يبقى محصورا بالتعطيل طالما هي غير قادرة على التفاهم في ما بينها على اسم مرشح معين تُلزم باقي القوى فيه كما يحصل في انتخابات رئيس البرلمان حين تكون الكلمة الاولى والاخيرة للشيعة فيه وتعيين رئيس الحكومة حيث الكلمة الاساس دائما للسنة. ولعل البطريرك الماروني بشارة الراعي للرياضة الروحية والدعاء للتصدي للازمة الرئاسية اكبر دليل على ان اي اتفاق بين القادة الموارنة على هذا الملف بات يتطلب اعجوبة حصرا!

ويترقب المسيحيون بقلق ما سيتفق عليه الايرانيون والسعوديون حين يحين موعد البت بالملف اللبناني، ففيما تخشى المعارضة وعلى رأسها "القوات" اتفاقا على انتخاب فرنجية ما قد يضطرها بتمنيات من الرياض على تأمين نصاب الجلسة، يراقب رئيس "الوطني الحر" بقلق اكبر اي تفاهم خارجي يُدرك انه ايا كان الارجح سيكون على حسابه، علما انه لا يزال بعتبر نفسه ممسكا بورقة اساسية هي ورقة تأمين النصاب والغطاء المسيحي لاي مرشح في حال اعتراض "القوات" عليه.

وتعتبر مصادر مواكبة عن كثب للحراك المسيحي ان "المسيحيين كعادتهم يكابرون ويخطئون حساباتهم وهناك من هم دائما في المرصاد للاستفادة من هذه الاخطاء لتحسين موقعهم"، لافتة الى انه "ومع كل التحديات الوجودية التي يواجهونها الافضل لهم التمسك بالنظام الحالي والضغط لتطبيق اتفاق الطائف كاملا اما التهديد والوعيد والدعوات للتقسيم وغيره انما ستنقلب عليهم. قبل الاتفاق الايراني- السعودي كانوا قادرين على ان يكونوا محطة تواصل وتلاقي بين السنة والشيعة ومختلف المكونات المتصارعة. ما بعد الاتفاق يُخشى ان يضمحل دورهم اكثر في حال لم يكونوا اذكياء كفاية في تحليل دقيق للمرحلة لوضع خطط تضمن وجودهم وتعزز دورهم لا تضعهم خارج دائرة القرار في البلد.. فهل من يتعظ قبل فوات الاوان؟!".