بشارة شربل- "جبهة" لمواجهة الانقلاب... بدل البيانات والتمنيات

  • شارك هذا الخبر
Saturday, January 28, 2023

أردأ ما يمكن أن يصاب به الجسم القضائي انقلابُ المولجين كشف الحقيقة وإحقاق الحق، وتبرير فعلتهم باجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان. وإذ نفهم أن المدعي العام ممثلٌ لسلطة، شاء سوء طالع لبنان أن تكون مجرمة وغاشمة، فمؤسف انه لا يملك إزاءها استقلالية رأي وإرادة حرة وبداهة التزام جانب الضحية. وهو ما جعل التحقيق بجريمة العصر ينحى الى مجهول ويؤكد ما رفضنا تصديقه عن أن "أم الشرائع" صارت "أم الجرائم" وأمثولةً عالمية في "تبييض" القتل الجماعي والفردي ونموذجاً لسيادة شريعة الغاب.

ما جرى ضد المحقق العدلي ليس استباقاً لـ"أم الشوارع" ولا خشية من سيلان دماء، بل جريمة إضافية موصوفة مكتملة الأركان. ذنبُ طارق البيطار أنه قرر التحقيق في كارثة النيترات في ظل "منظومة فاسدة" تعودت أن يبقى هذا النوع من الملفات خالياً من الأوراق وأن تذهب دماء الأبرياء هدراً. وهي قررت سلفاً تعميم الارتياب بالتحقيق ومواجهة أي سطر يخطه في سجل البحث عن الأسباب والأشخاص بكل ما أوتيت من موارد القوة الناعمة أو العنف العاري.

كل ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية تفاصيل، همُّها إغراق الناس في التقنيات. ويسهم في تعميمها جهاز المنظومة نفسها الذي شكك بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولا عجب أن تدافع امتداداته السياسية والإعلامية بشراسة عن فاسدي النظام المصرفي وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان. فالمنظومة كلٌ لا يتجزأ، لدرجة أن أركانها وأذنابها يخشون الحقيقة في تفجير 4 آب لئلا ينسحب نهج القصاص العادل على سُرّاق الودائع وناهبي المقدرات والمال العام والفاسدين في كل مجال.

من "إيجابيات" الانقلاب القضائي أنه نزع القناع عن سلاح في يد المنظومة أخطر من الرصاص. كان متستراً بالوحدة المصطنعة فصار مفضوحاً وشريكاً في الارتكاب. هكذا خرج الانقسام من كونه سياسياً بين أطراف وأحزاب وطوائف ومذاهب ليصير بين مناصرين للإجرام أو متواطئين في تركيب الغطاء، وبين رافضين لمبدأ الجريمة من الأساس ومطالبين بالمحاسبة، ليس لبلسمة الجراح فحسب بل أيضا لإرساء دولة القانون واحترام المؤسسات.

معركة البيطار ليست تقنية ولا قضائية بحتة. هؤلاء الذين يناقشون بمواد القانون والصلاحيات أو بقضية الموقوفين وتوقيت الإفراج يجهلون بوصلة الصراع أو يحرفون الأنظار عنها. إنها معركة قيم الحرية والعدالة التي هي في أساس لبنان ولا مبرر لصيغته ولا لوحدته من دونها. لذلك فإن مواجهة الانقلاب الخطير تتطلب تجميع كل القوى السياسية والشعبية المؤمنة بدولة القانون وواجب محاسبة الإجرام، ولا يجوز أن تبقى مقتصرة على الإعلام والبيانات وميوعة من يعتبرون القرف وتوزيع المسؤوليات بالتساوي ذروة الحكمة وسيّد الأحكام.

إن تشكيل جبهة وطنية عريضة لمواجهة "الإفلات من العقاب" هو مهمة وطنية لا تقل أهمية عن فرض الالتزام بالاستحقاقات الدستورية... ذلك ان الانقلاب لا يواجه بالعرائض والتمنيات.


نداء الوطن