د.مصطفى علوش- عن تهافت المعارضة في لبنان والحزب المنتصر دائماً!

  • شارك هذا الخبر
Saturday, December 10, 2022

«من ذا يناويك والأقدار جارية بما تشائين والدنيا لمن قهرا إذا ابتسمت لنا فالدهر مبتسم وكشرت لنا عن نابه كشرا لا تعجبن لملك عزّ جانبه لولا التعاون لم تنظر له أثرا» (حافظ إبراهيم)


في أيام الاحتلال البريطاني لمصر، إنتشرت رواية عن أنّ العمال المصريين الذين كانوا يعملون في خدمة الشركات المحمية من الاحتلال، كانوا لا يتوقفون أثناء عملهم عن كيل الشتائم والتهكمات المصرية الطابع للضباط البريطانيين المولجين بالمراقبة والردع. لكنهم كانوا يقومون بعملهم بنحو عادي. هنا أتى أحد الوشاة وقال للضابط، إنّ العمال يشتمونه بنحو معيب كلما مرّ أمامهم، فأجابه أنّه عالم بكل ذلك، «لكن المهم هو أن يقوموا بالمطلوب منهم، وليشتموا كما يحلو لهم، فالشتيمة تنفّس عن حقدهم ولا تؤذينا، طالما أنّ الشغل ماشي كما نريد».



منذ أيام، وبينما كنت أتابع نشرات الأخبار، لاحظت أنّ هناك مجموعات سيادية عدة في لبنان، فشل معظم أفرادها في الدخول إلى مجلس النواب، فألّفت مجموعات نخبوية للذود عن السيادة، أي رفض منطق أن يكون هناك سلاح غير السلاح الشرعي على الأراضي اللبنانية. والمعني بهذا حصرًا هو «حزب الله» طبعًا، ووصل البعض، وعن منطق، إلى وصف الوضع القائم بأنّه «احتلال إيراني» للبنان، وهذا الطرح مدعم بقرائن حقوقية ودولية.




من جهة أخرى، فقد دخلت مجموعات من النواب إلى البرلمان بمختلف الأحجام، بشعار سياسي صارم يدور حول استعادة السيادة، ومع ذلك، فالمفارقة هي أننا لم نسمع بعد الدخول الظافر إلى مجلس النواب أي كلام داخل الجلسات بخصوص السيادة. قد يكون الجميع يسعون إلى التهدئة في ظلّ الظروف الصعبة الاقتصادية والاجتماعية، وربما أنّ الجميع استنتجوا انّ المواطنين لا يهمّهم اليوم إلّا البحث في كيفية الخروج من النفق المظلم في كل نواحي حياتهم. وبصراحة، فقد نجح الوضع والغوغاء في تغطية السبب الأهم للتدهور الحاصل في حياة الناس وانهيار الدولة، وهو وجود الاحتلال. وبالتالي، فإنّه سيبقى من التفاهة أن نذهب الى علاج النتائج من دون علاج الأسباب. فالمنطق الطبي يقول انّ الأولوية في أي عمل جراحي طارئ يستند إلى وقف النزيف أولًا، ومن ثم البدء بإصلاح الأعضاء، وحتى أنّه يمكن تأجيل بعض الإصلاح لفترة يستقرّ فيها المريض بعد وقف النزيف. من هنا، فإنّ وجود الحزب كوكيل للاحتلال يعني استمرار الاستنزاف، وبالتالي فلن ينفع أي إصلاح في إعادة التوازن، لا إلى الاقتصاد ولا للسياسة ولا للأمن. ولا ينفع بالتأكيد الجدل القائم حول انتخاب رئيس للجمهورية، طالما أنّ الحكم سيبقى مرهونًا للحال الشاذة التي أوصلت البلاد إلى الكارثة الحالية التي لم تصل بعد إلى حضيضها، ولولا حنية بعض اللبنانيين المهاجرين على أهاليهم، لشهدنا الكوارث هائمة في الشوارع والطرق.




صحيح انّ الفساد والتهرّب الضريبي والصفقات المشبوهة، هي من العناصر الأهم في الإفلاس، لكن استحالة الحلول اليوم أساسها ضرب إمكانية أي نهوض للاقتصاد، في ظلّ استمرار السيطرة على لبنان على يد وكلاء إيران وتحكّمهم بالأمن وبالعلاقات الدولية. ولا يفيد بالتأكيد التلهّي بتسجيل النقاط بين التيار العوني ورئيس الحكومة، ولا يهمّ من كسب النقاط، في حين أنّ الدولة بمجملها ساقطة منذ زمن بالضربة القاضية.



لكن، ومع ذلك، ومع اقتناعي بحسن نية المعارضين من شخصيات وأحزاب، بعضها خارج البرلمان ومعظمها في داخله، فإنّ حسن النيات لا يكفي، لا بل قد يكون مفعوله عكسيًا على صعيد تحقيق الأهداف، إن لم تتمكن كل تلك القوى من تجاوز فرادتها وشخصانية أفرادها وهيئاتها، لتتحول قوة موحّدة وفاعلة برلمانيًا ونخبويًا ثم شعبيًا، ومن بعدها يمكن للكلام المبعثر أن يتحول عملًا فاعلًا محليًا ودوليًا لتغيير المعادلة القاتلة المبنية على الثلاثي الخشبي: شعب وجيش ومقاومة. من هنا، فلطالما يبقى الشغل ماشي كالعادة، فلن يتأثر الحزب بالكلام المبعثر الذي يهجوه ويهجو سلاحه، لكون لا شيء سيتغيّر، وأنّ هذا الكلام مجرد فشة خلق ليس إلّا، ليقول البعض إنه أدّى قسطه للعلى. هذا الكلام المبعثر والمهدور قد يفيد الحزب في بعض الأحيان، ليبدو بمظهر المتعالي عن الصغائر، وقد يساعده في تصليب جبهته الداخلية، طالما أنّه لم يصل لمرحلة تنتج انقلابًا نوعيًا في المسار الذي أصبح بديهيًا للأمور.




منذ أيام، وخلال زيارتي لمعرض الكتاب في بيروت، أتاني شاب محترم، هو تلميذ طب في الجامعة الأميركية، وسألني عن كتاب معروض باسمي هو «حزب الله كما رأيته»، متسائلًا عن مدى موضوعية الكتاب في طرح القضية طالما أنني أجاهر بالعداء للحزب. أهديته الكتاب قائلًا إنّ عليه هو أن يحكم على الموضوعية. ثم قال إنّه ينتمي للحزب وقناعته أنّ نهجه لا بدّ صحيح، لأنّه منتصر دائمًا، فلا جدوى من المعارضة. فقلت له إنّه شاب، ويسعدني أن أرى بعض الشباب ملتزمًا بفكرة يدافع عنها، لكن إن كان الحزب على حق فيعني أنّ المنطلق الأساسي على حق، فلِمَ لجأ هو إلى الشيطان الأكبر ليتعلّم في جامعاته بدل الذهاب إلى طهران مثلًا لينهل من المصدر؟ أما عن الانتصار، فقد احتلت النازية كل أوروبا وانتصرت لفترة من الزمن، فكان من الطبيعي ان تعتبر الشبيبة النازية أنّ الفوهرر على حق وهو يتنزه في الشانزليزيه فرحًا بعد احتلال باريس، لكن ما الذي حصل بعدها؟ وعندما كان نصف العالم في المعسكر الشيوعي، كان رأي الشبيبة الشيوعية أنّها على حق أيضًا! ثم قلت إنّ النصر شيء والحق شيء آخر، وما علينا إلّا ترقّب النهاية. فلو كانت فكرة ولاية الفقيه حقيقة مطلقة، لما خرج الناس اليوم لتحدّيها.



فللمعارضين المتفرّقين في لبنان، توحّدوا في انتظار اللحظة التاريخية، بدل التهافت في العراضات المتفرقة، حتى تحدثوا الفارق، بدل أن تؤخذوا اليوم بالمفرّق.