خاص- يومٌ في دير الصليب - مارينا عندس

  • شارك هذا الخبر
Monday, November 28, 2022

خاص- الكلمة أونلاين
مارينا عندس

كلماتٌ لا تعدّ ولا تحصى، نعتاد تكرارها يوميًا عن قصد أو غير قصدٍ، تُسيء إلى كل شخصٍ ذوي إعاقة.
"حرام، الله يعينو، نشكر الله خلقة كاملة نعمة زايدة، متل الأطرش بالزّفة، معاق ما بيفهم، إرادة صلبة..."وأخرى لا أريد ذكرها على قدر ما هي مُسيئة على قدر ما اعتدنا قولها للأسف في مجمعاتنا.
لن أتكلّم هنا عن الأخطاء التي يرتكبها إعلامنا بحق الأشخاص ذوي الإعاقة، لأنّ انتهاك الخصوصيّات والإحراج وعدم المهنيّة في طرح الأسئلة والتقاط الصّور المغلوطة، تعوّض بما فيه الكفاية عن فكرتي.
ولكن، أودّ أن أتكلّم قليلًا عن نظرتنا حول هؤلاء الأشخاص الذين لا يفرقون عننا بأي شيء، سوى بعدم دمجهم في مجتماعتنا. هم ليسوا أبطالًا ولا "مثيرون للشفقة" كما يرونهم البعض. هم فقط بحاجةٍ لدمجهم في المجتمع، كونهم من المجتمع على أيّ حال!
السيء هو عدم دمجهم في عاداتنا وطقوسنا ويومياتنا ومدارسنا وجامعاتنا ووظائفنا...بل تخصيص أماكن لهم، للرّعاية والحضانة تُبعدهم كلّ البعد عن ناسهم وأهلهم. لكنّ الأسوء، هو نبذهم وتركهم حتّى من دون دعمٍ ماديٍ أو معنويٍ، كحال مستشفى دير الصّليب.

إذا أردتُ توصيف المشهد كما هو، لأخبرتكم أنّها دويلة ضمن دولة، أو مجتمعٍ مصغّرٍ عن مجتمعنا في الخارج.
في مستشفى دير الصّليب، ترى الرّسام والنّحات والفنّان، ولاعب البيسبول، والكسول والنّشيط والموسيقي والتّائه والكريم والبخيل. وترى أيضًا التي تهتمّ بتسريحة شعرها وتصفّفه في صالونٍ خاصّ للسيّدات، وتلك التي تُحيك الصّوف، والأخرى التي تحبّ القراءة والكتابة. وأخريات تفضّلن الجلوس والصلاة.
لاحظتُ أيضًا أنّ بعض الرّجال تحبّ غسيل الثّياب وكويه. كما أنّ هنالك من هم ملحدون، أو من لا يحبّون الصلاة، والبعض الآخر ينتظرون وقت القداديس بفارغ الصّبر.
الحرّية المطلقة موجودة، والاحترام موجود. والكرامة موجودة. لكنّ الدّولة غائبة!

جائحة كورونا أنهكت الوضع داخل المستشفى
لا شكّ أنّ انتشار وباء كورونا (أو ما سمّي بكوفيد 19) ساهم في تدهور الوضع المعيشي والبيئي والصّحّي، وأيضًا الاقتصادي. ولكن، ما زاد الطّين بلّةٍ، هو وضعنا اليوم. فمنذ عام 2019 حتّى يومنا هذا، المصاريف تكدّست والمجاعة ازدادت والصّعوبات تراكمت. فكيف نرى المشهد من مستشفى دير الصّليب؟ وأين هي من كل هذا الأمر؟
مع أزمة الدّولار وانهيار العملة الوطنيّة، ازدادت أسعار السّلع وانخفضت المبيعات، وتراجع السّوق المحلّي وبما فيه من أدويةٍ ومستلزماتٍ طبيّةٍ واستشفائيّةٍ، وارتفعت أسعار اللّحمة والدّجاج والقهوة وفواتير المياه والكهرباء..وحدّث ولا حرج!
نلاحظ، أنّ العديد من الأشخاص الموجودين في المستشفى، لديهم بعض الأمراض الجسديّة منها والنّفسيّة. لكن، نلاحظ أيضًا، أنّ العديد منهم شُفي تمامًا من مرضه وأخذ أدويته بانتظامٍ. ولكن، فور خروجه إلى المجتمع، يلاحظ المريض أنّ مكانه الأساسي كان حاضنًا له أكثر، خصوصًا من ناحية الحنان والمعاملة اللّطيفة وتأمين الأدوية والطّعام الصّحي المُنتظم لهُ.
والمُسيء جدًا، أنّ بعض الأهالي يتركون أطفالهم من دون رعايةٍ واهتمامٍ، أو من دون أيّ دعمٍ ماديٍ أو معنويٍ، وهذا ما يؤثر سلبًا على الوضع الماديّ داخل المستشفى. وهنا يكمن السّؤال:" كيف يتم تأمين الكهرباء والمستلزمات الطّبية والأدوية والطّعام لمن في المستشفى؟ الجواب هو العناية الالهية!".
وأيضًا، كلّ مريضٍ بحاجةٍ إلى 13 حبّة دواء لكلّ وجبة طعامٍ. والمؤسف أنّ ما من أحدٍ يُبالي. والجميع يعرف أنّ الأدوية قد حلّقت أسعارها وإن وجدت، تحديدًا مع انهيار العملة الوطنبية وارتفاع قيمة الدّولار.

وفي حديثها للكملة أونلاين، أكّدت مديرة ورئيسة مستشفى الصّليب للأمراض العقليّة والنفسيّة الأم جانيت أبو عبد الله، أنّ أزمة كورونا "هدّت حيلنا"، أصيب 900 مريض بأوّل فترة كورونا، وذلك بسبب الزيارات والموظفين. والصّعوبة كانت في تأمين المستلزمات الطبية لذلك اضطررنا أحيانًا لنقل مرضانا الى مستشفيات في الخارج، ولكن للأسف لم يستقبلونا.
معظمهم، عندما كانوا يعرفون أنّ مرضانا من دير الصّليب، حتمًا يرفضونا للأسف، حتى في الأيّام العاديّة، لأنها المستشفيات الخاصّة تخاف من مرضانا".
وتقول:" ليس هنالك توعية في المجتمع لقبول المريض العقلي. وهم لا يتفهمون أنّ المريض العقلي هو مريض مثل كل أنواع الأمراض. ومنذ بدء كورونا، المستشفى أغلقت أبوابها نحو8 أشهر من دون استقبال أيّ مريضٍ، وهذا ما أثّر على تدهور وضعنا الماديّ. لذلك، التجأنا للمساعدات ومنظمة الصّحة العالميّة ووزارة الصحة، لتأمين أبسط حقوقنا وحقوق مرضانا، لكنّ الوزارة أمّنت اللقاحات ولم تتعرّف على أمورٍ أخرى، والباقي تكفّلت فيه منظّمة الصّحة العالميّة".


كيف تأثرت المستشفى تحديدًا بعد الأزمة الاقتصاديّة؟
أشارت الأم جانيت أبو عبد الله، إلى أنّ الدّولة اللبنانية كانت قد اعترفت بأنّ المستشفى عام 1951 هي مستشفى تخصّصية للأمراض العقليّة والنّفسية. لتتحمّل من بعدها الجزء الأكبر من المسؤوليّة تُجاه المرضى وذلك عن طريق اتّفاقيّة كانت قد عُقدت بين الأبونا يعقوب والدّولة اللّبنانيّة. ومنذ ذلك الحين أصبحت مستشفى رسميّة للأمراض العقلية والنفسية في لبنان. وحتّى السّاعة، لا تزال المستشفى تحتضن مرضاها بكلّ محبّةٍ، تمامًا كما كان يفعل أبونا يعقوب، مكمّلةً رسالته.
وأضافت:" لن أخفي عليكي أنّنا لم نعد باستطاعتنا استيعاب الألف تختٍ كما في السّابق نتيجة الأزمة الاقتصاديّة وكورونا وكلّ مرٍّ يمرّ على لبنان. ولكن، نحاول قدر المُستطاع تأمين مُستلزمات كلّ مرضانا ورواتب موظّفينا. نحن نستقبل المتدرّبين من مجالاتٍ عديدةٍ ومنها: الطب وعلم النفس والمعالجة الفيزيائية والتمريض وذلك من عدة مستشفياتٍ في لبنان. صحيح أنّ الوضع كارثيّ لكنّ العناية الالهيّة لا تزال موجودة لانقاذنا".
وعن أزمة الكهرباء أردفت:" نحنُ لا يمكننا أن نتعايش كما مع من في الخارج، تحديدًا من ناحية التقنين، لأنّ بعض مرضانا بحاجةٍ إلى الاوكسيجين. ومن المعروف طبعًا أنّ المكنات تعمل على الكهرباء. لذلك، علينا تأمين الكهرباء 24/24 وإلّا سنخسر مرضانا".
وتتابع الأم جانيت:" وزارة الصّحة لن تسأل على الرّغم من أنّ وضعنا حرج جدًا. فمن أين سنؤمّن الدّواء والاستشفاء؟ ومن أين سنؤمن رواتب موظّفينا عندما يصبح الدّولار بـ50 ألف ليرة لبنانيّة؟".

أزمة المحروقات في الواجهة..
تحتاج مستشفى دير الصّليب، إلى 15 طن أسبوعيًا من المازوت، وآخر فاتورة تم دفعها من قبل المستشفى كانت 1090 دولار للطن الواحد، وذلك بالدولار الفريش.
وتسأل الأم جانيت:" هل تسمعون أيّ اتصالٍ من مساعدٍ أو مسؤولٍ أو فنانٍ أو مشهورٍ؟ كلا بالطّبع لأنّنا نحن نسمع فقط من يريد أن يجلب لنا مريض من دون ايّ مساعداتٍ. ونحن بطرقنا الخاصة كجمعية رهبانية نحاول التواصل مع الخارج للمساعدة. ولكن محليًا، أبدًا!!!".
وتؤكد:" كلّما ارتفعت تكاليف مولّدات الكهرباء والمازوت والبنزين، كلّما ارتفعت فواتيرنا يومًا بعد يومٍ، وكلّما ازدادت تكاليف فحوصات الدّمّ، ومعدّات مختبراتنا وبالتّالي قلّت الزّيارات النّشاطات التّرفيهيّة التي هي من حقّ مرضانا. لذلك، اذا اضطررنا أن نرسل المريض لأهله بسبب حالة صحيّة سنرسله حتمًا إذا لزم الأمر، لكن قليلون من يسأل عن مرضاهم. هم يغلقون الخطوط معتبرين أننا وحدنا من يتحمل مسؤولية المريض.
لا المستفيات تتحمل الأعباء المادّية، ولا الأهالي تسمعنا ولا الوزارة أو الدولة تسأل. نحن نعاني وحدنا من هذه الصعوبات. ورغم ذلك، نحاول دائمًا ترفيههم وأخذهم على الاقلّ مشوارين في السّنة الواحدة إلى مكانٍ جميلٍ، بالإضافة الى الحفلات والتّدريبات التّرفيهية والقداديس، علّنا نخفف قليلًا عن آلامهم. لو أردتم معرفة العيش المشترك، مستشفى دير الصليب نبذة عن هذه الثقافة".
وتُطالب:" من كل الأيادي البيضاء أن تساعدنا لألا نغلق أبوابنا لأنّ المرحلة صعبة جدًا، لدرجة أنّنا بُتنا نتقاسم ربطات الخبز".
وتُخبرنا الأم:" 3 أرغفة خبز يحتاج مريضنا يوميًا. نحن الآن نستوعب 800 مريض ولكل شخصٍ حقّه في الأكل. والربطة باتت بـ24 ألف ليرة لبنانيّة..تخيّلوا فقط فاتورتنا الشّهريّة لو أمّنا فقط الخبز!
وتختُم حديثها الأم جانيت:" نتّكل على العناية الإلهية لانقاذنا وانقاذ الآخرين الموجودين في أنطلياس، ودير القمر الذي يستقبل 300 امرأة ذات إعاقة، وشليفا كذلك الأمر 110 مريض، ومستشفى مار يوسف في الدّورة. كلها مؤسسات استشفائية طبية بحاجةٍ الى خطةٍ انقاذيّةٍ قبل أن نندم ونغلق أبوابنا".