الأمم تَنتَحِر ولا تُقتَل... بقلم فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, November 26, 2022

كتب المحامي فؤاد الأسمر:

"الأمم تنتحر ولا تُقتَل" خلاصة انتهت اليها دراسات وأبحاث أرنولد توينبي أهم فلاسفة ومؤرخي القرن العشرين، الذي اعتبر أن كل أمة أو دولة تواجه عدداً من التحديات، وبحسب سعيّها ونجاحها في مواجهة هذه التحديات تكون قابلة للتطور والازدهار، وإلا فإن تقاعسها يشكل الانتحار المفضي الى زوالها.
فالمجتمع السياسي هو كجسم الإنسان الذي تصيبه أمراض مختلفة، فإما أن يواجهها بجدية وينتصر بالحياة وإما أن يستسلم لها مرتكباً بذلك الانتحار المفضي للموت.
بعد مرور قرن على اعلان لبنان الكبير، عرف خلاله النجاح والازدهار على يد عمالقة الفكر والسياسة والوطنية، ومن ثم عانى التخبط والتدهور وصولاً الى حرب العام ١٩٧٥ واحتلالين سوري واسرائيلي أعقبتهما هجمة فارسية عاتية، نقف اليوم بمواجهة تحديات خطيرة عديدة أهمها: الفساد والزبائنية - تلاشي وانهيار المؤسسات- الانقسام الحاد بين محور الممانعة والمحور السيادي- أزمات النازحين واللاجئين وتأثيرات النزاعات الاقليمية وتجاذباتها على لبنان.
بالمقابل، وبدلاً من مواجهة هذه التحديات بحكمة ووطنية، إذ بمسؤولينا الاقزام يغرقون بفسادهم العاهر ونهبهم المال العام وتكالبهم على السلطة، متذرعين، تغطية لآثامهم، بلغة العجز والافلاس وتخوين الآخرين وتقاذف المسؤوليات وبإثارة الأحقاد والعصبيات وشرذمة الشارع. وقد وصلت بهم الخيانة العظمى الى الإمعان بنحر الوطن عبر افراغ مؤسساته الدستورية وتعطيلها كلياً على قاعدة "أنا أو لا أحد".
إن ما يرتكبه حكامنا عديمي الكرامة والمسؤولية هو الانتحار المفضي الى زوال الكيان اللبناني، وزوال القيّم والحضارة التي عمَّرَت آلاف السنين بسواعد ابنائها ودماء شهدائها، وذلك لمصلحة ثقافة وهوية جديدتين، تتربصان بنا، ومختلفتين تماماً عن ثقافتنا وهويتنا اللبنانية الأصيلة.
والأكثر أسفاً هو مشاركة الشعب بعملية الانتحار هذه من خلال هجرة وفرار جماعي من لبنان، من جهة، ومن جهة ثانية عبر تراخي فئات كبيرة من اللبنانيين عن المساءلة والمحاسبة سواء بفعل لامبالاتهم او بفعل اليأس والقنوط أو بفعل تبعيتهم كقطيع مهلل ومصفّق للزعيم الدجال.
فهل من أمل بصحوة تستحث اللبنانيين على الوعي والتحرك للتغلب على هذه التحديات، فينهض لبنان من جديد ويستعيد خفق الحياة الحرة الكريمة؟ أم أن عملية الانتحار هذه حتمية وقد أصبحت في مرحلة الاجهاز النهائي على الهوية والكيان؟