ما وراء هجوم الحزب على وليد فارس..- بقلم توم حرب

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 6, 2022



و أخيرا بّق حزب الله البحصة، و هاجم الدكتور وليد فارس عبر صحيفته "الاخبار" لانه "يقف وراء مشروع المنطقة الحرة" تحت مظلة "تنفيذ مرحلي للقرار الدولي ١٥٥٩. و عنوَن هجومه الغير منتظر بشعار "حربجي" من خطاب الحرب الاهلية "مشروع أميركي: لبنان جديد بلا الشيعة!" و هو بالطبع يهدف الى اتهام اميركا بانها تريد "فصل الطائفة الشيعية عن سائر لبنان"، و اتهام الدكتور فارس بانه منظر المشروع و مهندس الدفع باتجاه تنفيذه في العاصمة الاميركية، و عواصم عربية و اوروبية. و بعد قرائة متأنية للمقال الذي وقعه "غسان سعود"، تبينت وقائع هامة وضّحت "ورطة" حزب الله الحالية، و اسباب فبركة هكذا مقال، و محتوياته المتناقضة، و بعض مصادره.

اولا في التوقيت: "مشروع المنطقة الحرة" طرح في الكونغرس في نهاية ربيع ٢٠٢١، عبر بعض اعضاء مجلس النواب، و قد تقدم به وفد من التحالف الاميركي الشرق اوسطي للديموقراطية و المجلس العالمي لثورة الارز، و كان مستشارهم الخبير الدكتور وليد فارس قد وضع مسودة المشروع هذا و تكلم عنه في الاعلام. ماذا دفع "باخبار الحزب" لكي تصحى من النوم بعد سنة و اربعة اشهر، و تبدأ بهجومها عل الولايات المتحدة و مواطنها الدكتور فارس؟ يعتقد المحللون في واشنطن ان الهجوم هذا مرتبط مباشرة بالانتفاضة الشعبية على النظام في ايران، التي تفجرت منذ اسابيع على اثر مقتل الشابة الكردية الايرانية مهسى الاميني، و التي تحولت الى موجة جارفة في كل انحاء ايران. و النظام خائف من خسارة مداخيل الاتفاق اذا تفجرت ثورة شاملة، لذا فان الحرس الثوري بدأ في التصعيد في كل الدول التي تسيطر عليها ايران من قصف كردستان العراق، الى نشر الصواريخ الى سوريا، الى التصعيد في اليمن، الى تهديد السياديين في لبنان لردعهم عن تحرير لبنان.

و واضح ان المشروع الاساسي الوحيد في لبنان هو تحرير اجزاء منه اولا، و هو المشروع الذي تقدمنا به الى الكونغرس في ٢٠٢١، و الذي انتجه الدكتورفارس. فقامت قيامة حزب الله بعد سنة و نصف، بطلب ايراني، و ركزت على "مشروع اميركي" و على مهندسه الدكتور فارس. الا ان "مقال الاخبار"، و هو من انتاج "الشعبة الاعلامية" يبدو متخبطا، غير جدي، و يذكرنا "بالصحف الصفراء" خلال الحرب، و بامكان المحللين ان يروا اكثر من "مُخبر" قد تم الاستعانة بهم لفبركة الFake News، و هو من الوزن الخفيف و الفكاهي ربما ان الافضل نشره في مجلة "الدبور" القديمة.

تبدأ بقرائة المقدمة فترى جهل الكاتب و المفبركين، في كل ما يتعلق باميركا و العمل السياسي فيها. "فيؤكد" سعود، على طريقة مطبل الحزب في سان فرانسيسكو، و الكاتب الشبح لجزء من هذه المقالة الشبه مضحكة، اسعد ابو خليل، ان "ملايين السواح يزورون مكتبة الكونغرس و بامكان اي شخص ان يستأجرها ليعقد اجتماع لمجموعة من الناس و يقول ما يشاء". و بذلك تحاول "اخبار الحزب" ان تنزع جدية المؤتمر من اجل المنطقة الحرة الذي عقد في نيسان الماضي في ذلك المبنى، بدعوة من اعضاء في مجلس النواب. سعود، الذي يبدو انه استنجد بامثال ابو خليل، مقتنع انه يمكن "استئجار" مكتبة الكونغرس و لم يفهم ان اية جمعية عليها ان تحصل على دعوة من اعضاء الكونغرس و لجانه، رغم انه ينبغي عليها ان تدفع ثمن الغذاء او العشاء او القهوة. فاي اجتماع في الLibrary او في اية صالة يكون باشراف او دعوة اعضاء. هذا اقل المعرفة في الولايات المتحدة. و لكن اعلاميو الحزب يخترعون القوانين الاميركية على "ذوقهم". و لكن "الاخبار" اضافت "خبرية" اخرى يهزأ منها حتى المراهقون في اميركا، فكتب سعود ان مكتبة الكونغرس "ليس تابعة للكونغرس" و كأن الناس جاهلة و كأن هكذا معلومات التي تُدرس في الصفوف الابتدائية في اميركا و في الصفوف التكميلية في سائر مدارس العالم، ليست موجودة على الانترنت. تصوروا لو كتبت "الاخبار" ان البيت الابيض لا علاقة له بالادارة! ربما يظن فريق التحريرفيها ان اللبنانيون لا يقرأون و لا يطْلعون، و هنالك مليون و نصف مليون لبناني اميركي تخرج معظمهم من الثانويات، و ربما عمل المئات منهم في الكونغرس نفسه. لمعلومات "الاخبار" فمكتبة الكونغرس هي جزء من حرم المؤسسة التشريعية و تعقد فيها الخلوات و المؤتمرات بدعوة من المشرعين، و لا سيما الغرفة الخاصة التي حجزتها المجموعة النيابية للبنان Lebanon Caucus، و التي يرأسها عضوي الكونغرس دارن لحود و داريل عيسى، و التي وضعوها بتصرف المؤتمر اللبناني الاميركي في نيسان الماضي، و شارك فيه اعضاء كونغرس، و مسؤولون من الادارة، و مراكز ابحاث، و شخصيات عامة و اعضاء في الجالية. اما حزب الله، فهو على لائحة الارهاب في اميركا و لن يدعى الى الكونغرس تحت اي عنوان، و هذا ما يغضب اعلامه و ابواقه. هذا لتصحيح "الروايات المركبة" التي تلفقها "الاخبار".

اما بالنسبة للمحتوى، فيبدأ سعود بتضييع حبره ايضا و دائما على توصيف للدكتور وليد فارس الذي بات الحزب و ايران "مهودسين" به على صعيد المنطقة. و يكتب سعود: "وبمعزل عما يصف وليد فارس (بترونيّ هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1990 وعمل لمصلحة الاستخبارات الأميركية)".
فارس من عائلة تعود جذورها الى البترون و لكنه نشأ و ترعرع في الاشرفية في بيروت. و هو ليس عميلا للاستخبارات الاميركية، بل استاذ محاضر في كليات الاستخبارات و في جامعة الدفاع الوطني التي يشرف عليها البنتاغون. و بعد ان تلى سيرته بتهكم- "(من «أمين عام» لمنظمة و«مستشار» للجنة و«خبير» ومحاضر جامعي وكاتب وصاحب إطلالات تلفزيونية شبه يومية و«ناصح» للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب)،" اضاف: "فهو لا يمل من تقديم مشاريع ومحاولة تسويقها في أروقة الكونغرس، وآخرها «المنطقة الحرة".

و يبدو سعود و من ورائه في الحزب غير مرتاحين لانجازات فارس في واشنطن، و غير مسرورين لان الاكاديمي من اصل لبناني له تأثير كبير في الولايات المتحدة. هذا ليس جديدا، فالحزب و محوره يهاجمون فارس منذ عشرين عاما دون هوادة، بدأً بامين عامهم السيد حسن نصر الله، في٢٠٠٥ الذي اخترع قصصا و روايات، مرورا باعلامييهم، وصولا الى اللوبي الايراني في الولايات المتحدة. منذ هندسة فارس للقرار ١٥٥٩ استراتيجيا حتى دفعه بمشروع المنطقة الحرة في ٢٠٢١، صحيح ان الدكتور فارس لم يهدأ من خطوة الى اخرى بهدف تحرير لبنان كمواطن اميركي من اصل لبناني، و لم يهدأ المحور الايراني من شن الحملات عليه دون هوادة.

و طلع علينا "السعود" بورقة صفراء منشورة "بالاخبار" الخمينية يفسر مشروع "المنطقة الحرة " على ذوقه فيكتب: "القضاء على حزب الله، من دون جدوى، تتفتق «عبقرية» لبنانيين من عملاء المخابرات الأميركية في واشنطن عن «معادلة» جديدة يجري التسويق لها: لبنان جديد تعبّر عنه المعادلة الرياضية التالية: لبنان = مسيحيون + سنة + دروز - شيعة! بدل رمي الشيعة في البحر، يمكن إقامة جدار عازل يفصل «لبنانهم» عن «لبناننا»!"

هكذا تفتح "الاخبار" هلوساتها بان المشروع هو اقامة لبنانين: واحد للشيعة، و آخر للباقي. بينما المشروع كما هو مسجل في الكونغرس هوخطة امنية لسحب ميليشيا حزب الله من مناطق لا تريدها، بل تريد الجيش فقط، تحت القرار ١٥٥٩. فارق كبير بين مشروع فارس والكذبة الخمينية الطائفية، التي تسعى الى تخويف الشيعة.

تكتب الاخبار: "و تدخّل (اميركي غربي)لأ يشمل جغرافياً المساحة التي كانت تشغلها متصرفية جبل لبنان، مع إضافة عكار شمالاً، واستثناء «الشاطئ الماروني» بين صيدا وبيروت. وفي المرحلة الثانية، يمكن ضم صيدا والدامور وعنجر وأجزاء من مرجعيون إلى هذه «المنطقة الحرة»"

ايضا يفشل اعلام الحزب بنقل الوقائع فيخلق Fake News. المشروع لا ينطلق من خارطة المتصرفية، فهو يضم بيروت (بلا قواعد الميليشيا في الضاحية)، و طرابلس و الضنية، و عكار، بالاضافة لجبل لبنان، لعدم وجود حواضن للحزب فيها. و قد فاجئ المشروع اعضاء الكونغرس نفسهم بدقته و بحرصه على فض اي اشتباك على الارض، وكنت حاضرا للاجتماعات في نيسان الماضي.

كتبت الاخبار عن "استحداث مطارين أحدهما في القبيات المارونية (وليس القليعات حيث مطار رينيه معوض)" بينما المشروع الذي قُدم يتكلم عن مطار "القليعات"، الموجود اصلا. "التطييف" في كل نقطع من المقال.

و يستمر الكاتب باختراع الاخبار فيكتب ان فارس قصد "حاصبيا" عندما تكلم عن مقاومة اللبنانيين للحزب «كما حصل في عين الرمانة وخلدة والشوف (المقصود حاصبيا، لكنه خلط بين المنطقتين طالما أن من يقطنهما هم أبناء الطائفة الدرزية!)."

كلا استاذ سعود، الدكتور فارس دقيق جدا، و لا يحلل طائفيا. عندما ذكر الشوف، هو قصد الشوف في ايار ٢٠٠٨،حيث خاض الاهالي، و بمعظمهم دروز، اهم معركة مقاومة ضد الاجتياح الميليشياوي منذ مقاومة الجيش للاحتلال السوري في معركة سوق الغرب في ١٩٨٩. و ما يعنيه ان المواطنين اللبنانيين كما برهنوا في الشوف، و خلدة، و عين الرمانة، قادرون على التصدي للحزب على الرغم من سلاحه و صواريخه. و هذا واقع بات يعرفه حزب الله و لكنه ينزعج عندما يشير اليه خبير كالدكتور فارس، و لا سيما في واشنطن.

و يخترع سعود كلاما و يكتب: "إنهاء أي دور للحكومة اللبنانية في ما يخص أمن الحدود مع إسرائيل."

بينما لم يذكر فارس اسرائيل في اي مكان في المذكرة. و يستمر بالاختراع: " فإن خطورة الطرح تكمن في وجود أفرقاء لبنانيين يشاركون وليد فارس أوهامه، ولا يقتصر الأمر على رئيس حزب القوات سمير جعجع، بل يشمل مرجعيات دينية وأمنية أيضاً، في ظل إدارات أميركية لا تمانع «تجربة أي شيء» طالما أن ليس لديها ما تخسره في البلد."

الاخبار تخلط شعبان برمضان من جديد. اولا فارس ليس رجل سياسي في لبنان، و لو مارس العمل السياسي فيه منذ ٣٥ سنة قبل هجرته. ثانيا الدكتور جعجع لم يدعم مشروع المنطقة الحرة، بل هو يعتبر ان الاولوية هي لانتخاب رئيس جديد للبنان. اما الادارات الاميركية فهي تستمع لاجهتها و للخبراء، و احدهم الدكتورفارس.

و لتوضيح الامر للبنانيين، و الشيعة منهم خاصة، مشروع المنطقة الحرة، عمل عليه الدكتور فارس، و لكنه بات مشروعا داخل الكونغرس راجعه الاعضاء، و الخبراء، و الاجهزة الاستخباراتية و العسكرية. و كما كانت الحال بالنسبة للقرار ١٥٥٩ في ٢٠٠٤، حتى و لو كان الدكتور فارس هو من هندس القرار في مضمونه و وضع استراتيجية ادخاله الى مجلس الامن، بات القرار ملكا للمنظمة الدولية و ليس ملكا لكاتبه. لذا فشروع المنطقة الحرة داخل الكونغرس بات مشروعا اشتراعيا اميركيا الآن. و لكن الاهم يبقى قبول الشعب اللبناني او اكثريته به. و هذا بتقديرنا ما يزعج حزب الله و ايران.

فالمسألة لم تعد وليد فارس ام لا. فهو قام "بشغله" في واشنطن و نيويورك في الماضي و اليوم. و لكن مبادراته دخلت مراكز القرار عبر دراساته، و اجتماعاته، و طلاته الاعلامية. اما الآن فالمبادرة هي بين يدي القادة السياديين في لبنان، و المسؤولين في اميركا و الغرب. و الحزب يخشى ذلك لانه يعرف تماما بان الشعب في لبنان يريد التحرر و يريد المشروع. من هنا يجهد الحزب لازدراء المشروع، و ربطه بشخص، و تغيير ملامحه، و اعتبارة "شغل استخبارات"، و محاولة تخويف الشيعة منه، واتهام الخليج و "الصهيونية" به، الى ما هنالك من تهبيط حيطان، لاخافة اللبنانيين.

لماذا؟ لان الشعب الايراني انتفض على نظامه، و يخشى حزب الله ان يننتفض الشعب اللبناني عليه ايضا.

توم حرب هو مدير تنفيذي للتحالف الشرق اوسطي للديموقراطية في وشنطن AMCD


للاطلاع على المقال اضغط على الرابط التالي:
https://al-akhbar.com/Politics/346301