الدولة العميقة ونواة كونفيدرالية تنسف الكيان اللبناني- فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 1, 2022

كتب المحامي فؤاد الأسمر:

من أسوأ غرائب مجتمعنا السياسي المهترئ هو التبجح والمحاضرة بالعفة الوطنية من قبل الذين أسقطوا مفهوم الدولة وأقاموا كونتوناتهم ودويلاتهم الخاصة، وتحديداً من قبل أركان الدولة العميقة.
فالدولة العميقة Deep State أو الدولة المتجذرة مفهوم شائع يُستخدم لوصف أجهزة حكم غير مُنتَخَبة تتحكم بمصير الدولة، وهي تختلف من دولة لأخرى، كوكالة الأمن المركزي والأيباك واللوبيات في الولايات المتحدة الأميركية، والجيش وكبار رجال الأعمال في مصر وتركيا، والحزب الالهي ومافيا الطوائف الذين يتحكمون بمختلف مفاصل القرار في لبنان.
ففي لبنان يرفض الحزب الالهي الاعتراف بالدولة اللبنانية أصلاً وهو غير مسجل في سجلاتها وغير خاضع لرقابة أجهزتها، وقد أقام دويلاته الخاصة به وعددها ثلاثة، الأولى في جبل لبنان وتحديداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، والثانية في بعلبك-الهرمل والثالثة في الجنوب.
ومن المهم التوقف عند أركان وعناصر هذه الكونتونات الثلاثة التي لها عاصمتها وهي حارة حريك، ولها حدودها ونطاقها الجغرافي الذي يُمنع على السلطات اللبنانية دخوله دون إذن الحزب. ولها مطارها ومرافئها وأنظمتها الخاصة، وجيشها وسلاحها المتفوق وأجهزتها الأمنية، وأيضاً مؤسساتها السياسية والادارية والاجتماعية والتربوية والدينية، ولها اقتصادها ومصرفها المركزي وماليتها الخاصة، وهي التي ترسم وتبني سياستها وعلاقاتها الدولية المستقلة وحتى المتناقضة مع سياسة الدولة اللبنانية.
والأهم من كل ذلك لها تبعيتها المطلقة للولي الفقيه ولمرجعية قم وطهران الأمر الذي يجعلها دولة مستقلة خارجة عن الدولة اللبنانية.
وذلك دون إغفال شبه دويلات أخرى تمتد على نطاق ونفوذ بعض الزعماء والمرجعيات ومنها شبه كونتون الجبل (ضمن الشوف وعاليه) المنظم جيداً والذي يتمتع بالاكتفاء الذاتي، وكونتون جبل محسن ذات التبعية المباشرة للنظام السوري.
الى بعض مناطق عكار وطرابلس، ذات الخصوصية التاريخية أصلاً، حيث تتنامى فيها العصبيات والعداء المستحكم لمؤسسات الدولة، وذلك مقابل التمدد التركي داخلها مما يهدد انتماءها للبنان.
علاوة على مخيمات اللاجئين والنازحين بظروفها وتبعيتها وديموغرافيتها المخيفة والتي تشكل قنابل موقوتة معدة للإنفجار في أية لحظة.
ليس بالضرورة، من حيث المبدأ، أن تكون الدولة العميقة سيئة تجاه الدولة الشرعية، لا بل يمكن أن تشكل مصدر قوة وتطور لهذه الدولة وذلك على نقيض الدولة العميقة في لبنان التي ترفض قيام دولة شرعية قوية وفاعلة. لا بل إنها ضد أي مشروع أو رؤية تنهض بلبنان وبمؤسساته وتعيد له كرامته وازدهاره.
إن الدولة العميقة في لبنان هي كالجسم السرطاني الذي يأكل كيان الدولة الدستورية القائمة، وإن واقعها الحالي يقود حكماً الى إحدى النتيجتين، لا ثالث لهما : -إما انهيار وتلاشي الدولة اللبنانية لتحلّ محلها كونتونات متعددة ذات تبعيات أجنبية مختلفة.
-وإما اعادة نهوض الدولة اللبنانية من خلال سياسة وطنية جامعة تعيد ترتيب الدولة الشرعية وتؤسسها من جديد على دعائم وطنية متينة وصلبة وتقضي بالنتيجة على هذه الكونتونات.
يبقى على اللبنانيين مسؤولية اختيار مصيرهم ومستقبلهم.
فماذا سيكون القرار؟ وهل سيبقى اللبنانيون أسرى القرارات والمشاريع المعلبة خارجياً أم ستنتفض كرامتهم الوطنية وتحثّهم، ولو لمرة واحدة، على اتخاذ قرار صُنع في لبنان؟