ناشونال انتريست- وسط تحديات اقتصادية وجيواستراتيجية حاسمة.. أي مستقبل للصين ورئيسها؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 22, 2022

يتسم الرئيس الصيني شي جين بينج بقدرة هائلة على التكيف والمناورة والقدرة على التعامل مع مختلف الظروف والملابسات . ولا شك أن أول رحلة خارجية له بعد تفشي جائحة كورونا للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان كانت بمثابة دلالة على ثقته في وضعه السياسي في البلاد.

وقال برايان دبليو كاج الخبير الاستخباراتي للحكومة الأمريكية المتخصص في شؤون شرق آسيا في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن شي جين بينج، رئيس الحزب الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية يواجه تحديات متعددة لقيادته، حيث يتعرض الاقتصاد الصيني إلى أكبر أزمة في عقود، بما في ذلك سوق الإسكان التي تعاني من قدرات مفرطة ومستويات دين غير مسبوقة تتسبب في تراجع الاستثمارات الخارجية وقطاع مصرفي مهتز نتيجة لعدم يقين الشعب في حماية رأس ماله.

وأوضح كاج أن تعزيز شي لسلطته السياسية على كل مستويات الحزب والدولة أثار حالة من الاستياء بين طبقة النخبة، خاصة في الفترة السابقة للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. وقد كانت الكوادر البارزة في الحزب تسرب استياءها من قيادة شي في الأشهر الأخيرة، حيث يشعر الكثيرون بالقلق إزاء قيام شي بتقويض مبدأ القيادة الجماعية الذي يتراجع بالفعل. كما تكثر المخاوف الأمنية حيث تواجه الصين انتقادات من دول غربية بسبب تجاوزاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي ودول المحيط الهادئ.

كما أن فرض القيود على صادرات قطاع أشباه الموصلات الصيني وتقويض علاقات التعاون مع صناعات الدفاع الصينية قد وجها بشكل مؤقت ضربة لرغبة الصين في تنفيذ سياستها لتحقيق الاندماج المدني العسكري. وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يوجد صراع واقعي على القوة من النخبة أو أي مظهر لمجموعة سياسية منظمة داخل الصين يمكن أن تواجه حكم شي الراسخ بجدية.

وقد تسبب الإغلاق بسبب جائحة كوفيد19- في اضطرابات كبيرة لعمليات الشركات وقطاع الإسكان. وبدوره أعلن بنك الصين الشعبي مؤخرا عن خفض لمعدلات الفائدة لتحفيز النمو في الوقت الذي تشهد فيه بقية دول العالم جهودا مضنية لزيادة معدلات الفائدة لمواجهة التضخم.

واعتبر كاج أنه في الوقت الذي تضرب فيه العقوبات الاقتصاد الروسي وتتسبب في تعقيد اتفاقيات التجارة عبر منطقة أوراسيا، يصبح اليوان الصيني بديلا جذابا للدول التي تسعى إلى تقليص استخدامها للدولار الأمريكي. وبما أن اليوان لا يعمل بنظام التعويم الحر للعملة، فإن بنك الصين يحدد معدل تكافؤ مركزي يسمح للحكومة الصينية بالتلاعب بقيمته كيفما تشاء. وثقة الصين في عملتها قوية وقد سلطت تقارير صدرت مؤخرا الضوء على قرار روسيا والصين باستخدام عملتهما المحليتين لتجارة الطاقة بينها.

وعلى الرغم من أن اليوان لا يزال خلف الدولار الأمريكي من حيث الاستخدام العالمي، فإن عدم اعتماده كعملة احتياط رئيسية يمنح بكين مرونة كبيرة لخفض قيمة اليوان وفقا للتحديات الاقتصادية العالمية وأي تطورات جيوسياسية سلبية. لقد خضعت مبادرة الحزام والطريق الصينية والمشروعات المرتبطة بها مثل مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي للتدقيق بسبب الرسائل العامة التي وجهتها الدول الغربية بشأن نموذج الاستثمار الأجنبي القائم على الديون في الصين والافتقار إلى آليات للشفافية والأهداف الأمنية الإصلاحية.

ومع ذلك، إذا أخذنا ما يقوله الحزب الشيوعي الصيني حرفيا، فإن هذه المخاوف لا تشكل مصدر قلق كبير لشي. فهو يواصل استغلال مبادرات المجتمع ككل لتوسيع نطاق نفوذ الصين والاستثمار في الخارج، خاصة في الدول النامية التي تعاني من إنعدام الأمن السياسي والاقتصادي. وتظهر حالة سريلانكا المدى الذي يمكن أن تصل إليه الصين لاستغلال قوتها لضمان استثمارتها الخاصة بمبادرة الحزام والطريق في الخارج.

وأشار كاج إلى أن المكائد السياسية للحزب الشيوعي الصيني دائما ما تتسبب في إثارة بعض العناوين التي تركز على تكهنات بشأن وجود صراعات بين النخبة على القيادة وراء الكواليس. ويثير المؤتمر العشرين للحزب الشائعات عن وجود استياء بين النخبة فيما يتعلق بإضفاء شي طابعه الشخصي على مؤسسات الحزب والدولة .

لقد وضع شي نفسه كمحور الحزب الشيوعي الصيني ودستور الصين. ومع ذلك، هناك حقيقة يتعين على الباحثين والمراقبين للصين إدراكها وهي أنه لا توجد قاعدة معارضة منظمة ومتماسكة يمكن أن تتحدى الزعيم الأعلى شي بشكل منطقي. لقد تعامل شي بحكمة من خلال الاحتفاظ بأعضاء فصائل منافسة في الحزب الشيوعي الصيني في مؤسسات حزبية مهمة، مثل اللجنة الدائمة للمكتب السياسي واللجنة المركزية، وفي الوقت نفسه أضعف سلطاتهم السياسية المحتملة من خلال ترقية مرشحيه المفضلين في الهيئات نفسها.

وأضاف كاج أن شي يرغب في الاحتفاظ بغطاء الوحدة والقيادة الجماعية داخل الحزب لكي لا يتمكنوا من تشكيل أي خطر وجودي عليه. ويدرك شي أنه يحتاج بيروقراطية تتمتع بالكفاءة لكي يحكم، وأن تسليم القيادة في المناصب الدنيا والمتوسطة يفيد قدرته على الحكم الفعال. وقد أكدت مشاركته في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان بأن شي لا يشعر بالقلق بشأن حدوث انقلاب داخل الحزب.

وأخيرا، يوفر الجهاز التكنولوجي والأمني الواسع للصين لشي خيار الملاذ الأخير لحمايته من أي معارضه لوضعه. ويهدف نظام المراقبة الشامل ” العيون الثاقبة” إلى التحكم بشكل كامل في الشعب الصيني تحت إشراف الشرطة وأجهزة الاستخبارات. كما أن الحزب يراقب أعضاءه في الداخل والخارج ليوفر لشي وأنصاره نظام تحذير في وقت مناسب بالنسبة لأي إشارة على وجود معارضة.

وبمجرد وصول شي إلى منصبه، قام بتنفيذ حملات ضد الفساد أسفرت عن تطهير الحزب من أكثر من خمسة ملايين من الأعضاء بتهم جرائم ضد الدولة. لقد كان شي مدركا تماما لممارسات البيروقراطية الصينية القائمة منذ فترة طويلة المتمثلة في التورط في الفساد للتعويض عن الرواتب المنخفضة ونجح في اجتثاث الفساد وسجن المعارضين السياسيين المحتملين. لقد كانت الحملات ضد الفساد أداة مهمة لتعزيز سيطرة شي الأيديولوجية على الحزب والشعب، حيث يخترق فكر شي جين بينج المناهج الدراسية وقطاع الأعمال وحتى تطبيقات الهواتف الذكية.

واختتم كاج تقريره بالقول ” مع دخولنا في عصر من عدم الاستقرار العالمي والأزمات المتنوعة، وفي مواجهة حدوث أمر طارئ محتمل في تايوان وخطر إندلاع حرب أكثر اتساعا مع روسيا، فإن الحزب الشيوعي الصيني قد يتعرض لمعارضة أكبر في الداخل إذا لم يحاول تخفيف المخاوف الاقتصادية والسياسية للشعب. وبالإضافة إلى ذلك فإن، هناك شيء واحد سيظل واضحا على المدى القريب والمتوسط وهو أن شي لن يبرح مكانه وأنه لا يخشى استخدام القوة الكاملة للدولة الأمنية لضمان مكانه على رأس الحزب الشيوعي الصيني وكل المجتمع الصيني”.


د.ب.أ