"شبح الانهيارات"... هذه المباني مهددة!

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 27, 2022

كتبت لينا فخر الدين في "الأخبار":


7 قرارات اتخذها مجلس الوزراء خلال 22 عاماً لم ينفّذ أي منها لمعالجة ملف «مشروع مزهر السكني» في منطقة الناعمة، الذي انهار فيه اثنان من مبانيه عام 2000. ورغم أن التقارير الهندسية أتت متضاربة بشأن تكلفة الهدم أو الترميم والتدعيم، إلا أنّها أجمعت على أن معظم المباني الـ 25 فيه، والتي تضم أكثر من 500 شقة، غير صالحة للسكن.

عام 2013، بعد 13 عاماً على انهيار مبنيين متلاصقين في «مشروع مزهر السكني» في بلدة الناعمة ما أوقع تسعة قتلى وعشرات الجرحى، ضربت الدولة على صدرها واعدةً بإخلاء المشروع وهدم مبانيه أو ترميمها على نفقة صاحبه وفيق مزهر الذي تمت ملاحقته قضائياً وحُجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة تأميناً لحقوق مالكي الشقق، إلا أن ذلك لم يحصل. ويقطن اليوم في الشقق المهدّدة بالانهيار أكثر من 100 عائلة، معظمها من عشائر العرب ومن النازحين السوريين، تركوا لمصيرهم، رغم انهيار سقف إحدى الشقق العام الماضي، وانهيار سقف آخر قبل أيام ما أدى إلى وفاة رضيعة سورية في عامها الأول. في حين تعجز البلديّة عن إخلاء الشقق في العقار الذي تهاوى سقفه لعدم توافر بديل لقاطنيه، على ما يقول رئيس بلدية الناعمة - حارة الناعمة زاهر مزهر.

كان القرار الأول لمجلس الوزراء فور انهيار المبنيين عام 2000 هو إخلاء المباني حفاظاً على السلامة العامة، إلا أن أحداً من المعنيين لم يجرؤ على تنفيذه. فتمّ إخلاء بعض المباني قبل أن يعود إليها قاطنوها بعد أشهر. وزراء الداخلية المتعاقبون تصرفّوا كما فعل الوزير محمد فهمي الذي أرسل إلى مجلس الوزراء كتاباً يشير فيه إلى أنه غير قادر على تقديم المؤازرة الأمنية لبلدية الناعمة - حارة الناعمة «نظراً للحساسيّة الأمنية»، بعدما تحوّلت المباني إلى بؤرة لمطلوبين وتجّار أسلحة وتجّار مخدرات ومتعاطيها، وفق ما يؤكد بعض أهالي المنطقة. في حين ينفي رئيس البلدية السابق وعضو المجلس البلدي الحالي شربل مطر ذلك، مؤكداً لـ «الأخبار» أنه «بسبب تكرار الحوادث الأمنية وعمليات إطلاق النار في المشروع صار البعض يقول إن هناك حساسيّة أمنية، لكن لا بؤرة أمنية إذا قامت الدولة بواجباتها»، مشيراً إلى أنّ البلدية «تابعت الموضوع على مدى سنوات وأرسلت كتباً إلى المعنيين بأنها غير قادرة مادياً ومعنوياً على معالجة هذا الملف، لكن أحداً لم يتحرّك».

وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أكد لـ«الأخبار» أنه قادر على تأمين المؤازرة الأمنية للبلدية لإخلاء المباني فوراً، مشدداً على «أنني لن أتحمّل وزر أي ضحية قد تسقط جراء انهيار المباني». ولذلك، هو دعا إلى اجتماعٍ اليوم مع محافظ جبل لبنان محمّد المكاوي ورئيس بلديّة الناعمة - حارة الناعمة وبعض المعنيين لبحث الملف.

سماسرة وتنفيعات
«حماسة» مولوي، لا تنطبق على مسؤولين آخرين تعاملوا دوماً مع هذه القضيّة باعتبارها «فرصة استثمارية»، مع تضارب تقارير قدّمتها شركات متخصّصة التي كلفها مجلس الوزراء درس الأمر منذ انهيار المبنيين. ففي نيسان 2001، رفعت شركة «لاسيكو» تقريراً إلى مجلس الإنماء والإعمار يفيد بأن كل مباني المشروع تحتاج إلى تدعيم بكلفة 1.8 مليون دولار من دون الإشارة إلى وجوب الهدم. في حين رفعت «شركة خطيب وعلمي» إلى مجلس الوزراء تقريراً مختلفاً أوصى بهدم كافة المباني باستثناء 4 منها يمكن تدعيمها من دون أن تحدّد القيمة الإجمالية للمشروع.
وبدل أن يكلّف مجلس الوزراء شركة ثالثة، طلبت الهيئة العليا للإغاثة من الاستشاريين (خطيب وعلمي ولاسيكو) دراسة حل موحّد أفضى إلى تصوّر تبلغ كلفته 4.325 مليون دولار لجعل المباني صالحة للسكن، والأنكى من ذلك أنها كلّفت «خطيب وعلمي» الإشراف على أعمال التدعيم قبل أن تتحوّل الشركة في قرارات المسؤولين المتلاحقة إلى مقاول تنفيذي للمشروع!

ولم يكن ينقص التقارير المتضاربة إلا دراسة قام بها مجلس الإنماء والإعمار في 2006، قضت باستملاك الدولة مشروع مزهر السكني مقابل 15.2 مليون دولار.
في 2001، أصدر مجلس الوزراء قراره بالحجز على أموال مزهر المنقولة وغير المنقولة وإلزامه توقيع سند دين لصالح الهيئة بقيمة 3.745 مليون دولار وتسليمه سندات الملكية لكامل العقارات المسجّلة باسمه والسندات المحرّرة من الشارين لصالحه، مقابل قيام الهيئة بأعمال الترميم والتدعيم المطلوبة للمشروع. في آب 2003، وافق مجلس الوزراء على اقتراح الهيئة العليا للإغاثة تأمين اعتماد بقيمة 3.5 مليون دولار لتدعيم المباني على أن ينقل الاعتماد من احتياطي الموازنة العامة لعام 2003 إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء - الهيئة العليا للإغاثة. لكن، لا أحد يعرف أين صُرفت هذه الأموال، على اعتبار أن ضربة واحدة لم تنفّذ في المشروع، تماماً كما رفضت الدولة عرض صاحب المشروع بأن يقوم بعمليات الترميم والتدعيم مقابل فك الحجز عن المباني مبنىً مبنى لهدمها وإعادة بنائها أو ترميمها وإعطاء الحقوق للمالكين، على ما يؤكد مزهر لـ«الأخبار».


الدولة تطوي الصفحة وتفتحها
هكذا طوت الدولة اللبنانية الصفحة عام 2003 ونامت القضيّة قبل أن تستفيق عام 2021 عندما انهار سقف أحد المباني. حينها، أخلت بلدية الناعمة - حارة الناعمة المبنى وسلّمت قاطنيه شيكات صادرة من الهيئة العليا للإغاثة كبدل إيواء لمدّة 6 أشهر، ووعدت الهيئة ببدء أعمال التدعيم فور الإخلاء، إلا أنها لم تنفّذ لعدم رصد الأموال اللازمة، فعاد الكثير من السكان إلى المباني أو قام المالكون بإعادة تأجيرها، وكأن شيئاً لم يكن! كما أرسلت الهيئة كتاباً ثانياً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء أفادت فيه بوجود مبنى مهدّد بالانهيار في المشروع مشيرةً إلى رفض السكّان الإخلاء. وضمّنت كتابها دراسة جديدةً قامت بها شركة خطيب وعلمي مع شركة ثانية ليتبيّن أنه يمكن تدعيم وترميم المبنى مقابل 850 مليون ليرة لبنانية. رمت الشركة «رقمها» بطريقة ارتجالية ضاربةً بعرض الحائط الدراسات السابقة التي قُدّمت إلى مجلس الوزراء، لترتفع قيمة التدعيم من 5 ملايين دولار إلى 87 مليوناً! علماً أن الدراسة استندت إلى الكشف على المبنى المهدّد بالانهيار، وقدّرت المبلغ عبر إسقاط الكشف على المباني الأُخرى. وأكدت الهيئة في كتابها أن المبلغ يفوق موازنتها، فقرّر مجلس الوزراء في 24 كانون الثاني الماضي، تكليف لجنة وزارية درس الأمر ورفع اقتراحاتها لمعالجة هذه القضيّة بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار.
صحيح أن مجلس الوزراء قد أرفق قراره حينها بأن تنعقد اللجنة بـ«السرعة القصوى حفاظاً على السلامة العامة»، إلا أن اللجنة حتى اليوم لم تنعقد، رغم موت طفلة، ورغم شبح الانهيار الذي يخيم على المشروع.