نيويورك تايمز- بايدن أمام تحدي الحفاظ على وحدة أوروبا

  • شارك هذا الخبر
Sunday, June 26, 2022

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحليلا لمهمة الرئيس الأمريكي جو بايدن الجديدة في أوروبا، وهي الحفاظ على وحدة التحالف ضد روسيا وتحضير الحلفاء لحرب طويلة ضد الرئيس فلاديمير بوتين.

وفي تقرير أعده ديفيد إي سانغر، قال إن حلفاء الحرب ضد غزو روسيا لأوكرانيا كانوا يمنّون أنفسهم في شهر آذار/ مارس بالانتصار. ويبدو الآن أن الحفاظ على الوحدة ضد بوتين بات صعبا وهو ما سيحمله بايدن معه إلى قمة الدول السبع في العاصمة الألمانية برلين، وقمة الناتو في مدريد. وقال سانغر إن بايدن عندما التقى مع حلفائه الغربيين في أوروبا قبل 3 أشهر، كان العالم قد احتشد لدعم أوكرانيا، واكتشف الناتو فجأة أن له هدفا جديدا غير القديم، وهو احتواء روسيا، ففي الجو، كان هناك شعور بأن العقوبات ستنهك نظام بوتين، وشعورٌ بنصر قادم.

ويضيف الكاتب أن عودة بايدن إلى أوروبا جاءت في الوقت المناسب، ففي الوقت الذي انخفضت فيه صادرات النفط الروسية، إلا أن مواردها منه ارتفعت بشكل نسبي، والسبب هو زيادة أسعار النفط عالميا. وبعد تركيز الجهود العسكرية الروسية على الجنوب والشرق في أوكرانيا، بدأت موسكو تحرز تقدما بطيئا ولكنه مهم، أولا السيطرة على ماريوبول، واليوم على مدينة سيفيرودونيتسك في الشرق. وبناء على ذلك، يجب أن يحضّر بايدن حلفاءه لحرب طاحنة وطويلة، أو بتعبير جي أف كيندي، أثناء الحرب الباردة “نزاع الشفق الطويل”، وهو نزاع مفتوح لا ضوء فيه أو ظلام واضح.

كل هذا وسط صدمة في أسواق الطعام والطاقة وارتفاع معدلات التضخم بشكل لم يرَ منذ ستة أشهر سابقة. ويؤكد المسؤولون في البيت الأبيض، أن هذه الظروف لن تمنع بايدن من مواصلة الضغط على بوتين. وتشمل جهود الأسابيع الماضية التي تمت خلف الأبواب المغلقة، اتفاقياتٍ لمواصلة عزل موسكو. وقال جون كيربي، المتحدث السابق باسم البنتاغون، والذي انتقل إلى البيت الأبيض لتنسيق جهود توصيل أهداف بايدن للصحافيين، إن عليهم توقع إجراءات جديدة و”استهداف سلاسل التوريد الدفاعية ومواصلة ملاحقة التهرب من العقوبات”، في رسالة مبطنة للصين والهند، اللتين واصلتا شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة.

وقال كيربي إن روسيا بدأت تشعر بأثر العقوبات بعد أربعة أشهر من الحرب، مضيفا: “روسيا تعاني من مشكلة دفع السندات وهي تقترب من وضع تتخلف فيه عن السداد. ستزيد جهودنا من تشديد الضغط وتقييد الموارد المالية التي يحتاجها بوتين للحرب”. وسيعلن البيت الأبيض عن جهود جديدة لتقوية قدرات الناتو، بما في ذلك “مفهوم استراتيجي” جديد للحلف، غير القديم الذي كان يركز على دمج روسيا في أوروبا، والذي يبدو اليوم أمرا خياليا.

وسيكون المفهوم الإستراتيجي جزءا من سلسلة خطوات أخرى، منها “إنشاء وحدة ردة سريع إلكترونية” تكون جاهزة لمساعدة أعضاء الناتو، والنظر في طلبي العضوية من السويد وفنلندا. وتم الإعلان عن خطوات مشابهة في السابق، إلا أن آن نيوبيرغر، نائبة مستشار الأمن القومي في مجال الحرب الإلكترونية والتكنولوجيا، ترى أن على الناتو الاستفادة من خبرات جمع مهارات العاملين في مجال النزاع الإلكتروني. وقالت: “اعترفنا بالحاجة للرد السريع على حادث لو تعرض حليف لهجوم إلكتروني وطلب الدعم”، مضيفة: “مما يعكس الدروس من السيناريو الروسي- الأوكراني، والذي يعني أنه لو حضرت مبكرا وتدربت مقدما، فستعرف سرعة الرد”. ولكن الموضوع الذي يحوم في الأفق يتعلق بالكيفية التي يجب فيها التعامل مع بوتين، والذي أعيد النظر إليه من قائد دولة أوروبية إلى دولة منبوذة.

ويرى المسؤولون الأمريكيون أن عزلة بوتين ستزيد. وعندما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار/ مايو، إن على الغرب مقاومة إغراءات “إذلال” بوتين، فقد كانت أول إشارة عن الصدع في الإستراتيجية الأساسية وكيفية التعامل مع بوتين كزعيم، بدون اللجوء لإرسال قوات الناتو، وهو أمر لا نيّة لبايدن أو قادة الناتو في عمله.

ويعلق ريتشارد فونتين، المدير التنفيذي لمركز الأمن الجديد، أنه “مقارنة مع رحلة آذار/ مارس، فسيواجه بايدن قدرا عاليا من المقايضة بين أهداف السياسة المحلية والخارجية، ستكون الأولوية هي زيادة الضغط على روسيا ومساعدة أوكرانيا، ولكن فعل هذا أثناء قلق الغرب على أسعار النفط والطعام وما تبقى من مخزون السلاح وحرب لا تظهر إشارة على النهاية”.

وفي الوقت الحالي، لا يواجه بايدن ضغوطا داخل أمريكية حول المدى الذي يجب أن يذهب فيه لمواجهة بوتين، وكل النقاش حول تشديد الخناق على روسيا بدون التصعيد نحو حرب. ولكن هناك مخاوف من أن تؤدي أسعار الغاز وكلفة تسليح وتغذية أوكرانيا، إلى تراجع الحماس، خاصة لو نفذ بوتين وعوده بتقليل إمدادات الغاز لأوروبا بحلول الخريف. وقال فونتين: “كل القادة الذين يلتقيهم يواجهون نفس المعضلة، والانتخابات تقترب في الولايات المتحدة ودول أخرى، والوحدة الأوروبية لدعم أوكرانيا ومقاومة بوتين ستبقى قوية”. لكن القمة ستظهر بطريقة أخرى ديمومة الجهود، في الوقت الذي تستمر فيه الحرب بدون هوادة.

ويخيم النزاع الأوكراني على قمة مجموعة الدول السبع وقمة الناتو. وقبل شهرين، كان الأمريكيون يتحدثون بشكل مفتوح عن النصر على روسيا وإجبار قواتها على التراجع للخطوط التي كانت موجودة قبل 24 شباط/ فبراير. وفي نهاية خطابه في العاصمة البولندية وارسو، قال بايدن: “بحق السماء، هذا الرجل لا يمكنه البقاء في السلطة” في إشارة إلى بوتين. خروج عن النص، فُسّر على أنه دعوة لتغيير النظام في موسكو. وسارع المسؤولون في البيت الأبيض للتوضيح أن واشنطن لا تعمل على هندسة انقلاب في روسيا، وفعلوا نفس الأمر بعد شهر عندما قال وزير الدفاع لويد أوستن: “نريد رؤية روسيا ضعيفة لمستوى لا يمكنها تكرار عمل مثل غزو أوكرانيا”.

وأصبح بايدن أكثر حذرا في تصريحاته، مع أن أهدافه لم تتغير، والتحدي أمامه هو الحفاظ على زخم الدعم لأوكرانيا مع استمرار زيادة كلفة الدعم بشكل مستمر، ومحاولة بوتين استخدام كل الوسائل المتوفرة لديه للضغط، مثل الحد من تصدير الغاز ومنع الصادرات من أوكرانيا.

وكتب وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا في دورية “فورين أفيرز” هذا الشهر: “من الطبيعي فقدان الناس الاهتمام بالنزاعات عندما تطول”. وقال إن العالم توقف عن الاهتمام بليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي، وتراجع عن الاهتمام باليمن ونزاعات أخرى كانت تحتل العناوين الأولى للصحف، ونفس الأمر حصل بعد ضم روسيا القرم. وقال إن التنازل يبدو حلا مغريا لمن هم في الخارج كثمن لوقف الحرب، مؤكدا على أن الطريق الوحيد هو “انتصار كامل وشامل للأوكرانيين”.

ولا أحد يختلف مع هذا الكلام، مع أن بايدن لن يتحدث عن هذه الأهداف علنا، وهي موضوع نقاش أسبوعي في غرفة الوضع بالبيت الأبيض بينه وبين مساعديه. وهو نقاش حول ما يجب إرساله من سلاح وفعاليته، سواء الأسلحة المتقدمة التي وصلت للميدان، أو المسيّرات التي تفكر الإدارة الأمريكية بإرسالها إلى أوكرانيا.

ويرغب بايدن في أن يخسر بوتين في الحرب، قبل أن تنهي هذه الأسلحة المتفوقة الحرب سريعا. ويحوم حول اللقاءين، الوضع الخطير للاقتصاد العالمي، والتضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، نظرا لعرقلة سلاسل التوريد وكوفيد-19، وزيادة طلب المستهلكين في الأشهر الأخيرة، وزيادة أسعار الطعام بسبب الغزو الروسي، وكلها عوامل أدت لتراجع شعبية القادة بمن فيهم بايدن. ورغم دعوات الحفاظ على الوحدة، فسيجد القادة أنفسهم تحت ضغط العثور على حل سريع لتخفيف المصاعب الاقتصادية والسياسية.

وسيناقش القادة الأوروبيون موضوعات تتعلق بالبنية التحتية وسلاسل التوريد وممارسات الصين التي ينظر إليها بالمتصيدة، وأيضا الخوف من أن ارتفاع معدلات الفائدة، سيقود إلى ركود قادم. كما سيناقش القادة طرقا لتخفيض أسعار النفط، الموضوع الملح بعد زيادة أسعار الطاقة في محطات الوقود بالإضافة للزراعة وكيفية توفير المصادر الأساسية من الحبوب بعدما ضربت الحرب الدول الغنية والفقيرة.

وفشلت جهود بايدن حتى الآن في البحث عن طرق تصدر فيها أوكرانيا منتجاتها من الحبوب. وتعمل روسيا كل ما لديها لتشديد الخناق، في جهد يظهر أنه محاولة لدفع أوكرانيا نحو الانهيار الإقتصادي. وبالمحصلة، فمهمة بايدن هي ترجمة الوحدة قصيرة الأمد والناجمة عن الرد، إلى سياسة متماسكة ودائمة بأهداف ثابتة كما يقول علي وين، مؤلف كتاب “فرصة القوة العظمى لأمريكا”.