في زَمَنٍ مَضَى ، قالَ الرَّئيس الأميريكي المُحَرِّر أَبراهام لنكولون : " إنّ راعياً حَرَّرَ الحَمَلَ مِن بَراثِن الذِّئب ، فَشَكَرَهُ الحَمَلُ لأنّه أنْقَذَهُ ، فيما احتجّ الذِّئبُ على فِعل الرّاعي ... لمْ يَكُنْ الحَمل والذّئب مُتّفقين على تَحديدِ مِعنى الحُرّية ..." وبالأمسِ القَريب ، رَوى وَزيرُ خارِجية رُوسيا سيرغي لافرورف ، الوَاقعةَ التَّالية :" في حديقةِ حيواناتٍ في أسْتُونيا ، هُناك بِركةْ تُوجدُ فيها تَماسيح وهناك رَجُلٌ يَشْرَبُ " الجِعَة " كما وهناك أمٌّ معَ طِفلِها الذي يَسقُط – غَفلة- في البِركة ... يَقفزُ الرّجُل... يُنقِذُ الطّفل ويُعيده الى أُمِّه قبلَ أنْ يَلتَهِمَهُ أحَدُ التّماسيح ... الأمُّ تَصرُخُ فَرَحاً : شُكراً ... أنتَ رَجلٌ أستُوني شُجاع ... فيُجيبُها المُنقذ : لِسوُء الحَظ ، أنا لَسْتُ أستونيّاً... أنا رُوسيّ ...!!
في اليومِ التَّالي، تَصْدُرُ الصُّحف الأستُونيّة مُعَنْوِنَة الحَادثة كالتّالي : "روُسيّ مَخْمُور يَحُرمُ تِمساحاً عَشاءَه ...؟! لمْ يَكُن الأستوني والرّوسي مُتّفقين على تَحديِد مِعنى التَّضحِية ..."!! فَسّرَ العُلماء أنّ "العِداء" المُتأصِّل والمُتجزِّر هو الذي يُحدِّدُ مِعنى الكَلِمات ويَكْشِفُ أَسبابَ التّصرُّفات... وكانَ مِثالهم على ذلك أنّ العَدَاوَة بَينَ الكَلب والهرّ تَعُود إلى أنَّ الكَلبَ يَهُزُّ ذَيْلَه عِندما يَكونُ مَسرُوراً...أمّا الهِرُّ فَيَهزّ ذَيْلَه عِندَما يَكونُ غاضِباً... مِن هُنا يَحدُثُ سُوء الفَهم وسُوء التَّفاهُم...! ... وقِياساً ، ومُنذ قِيام دَولة لُبنان الكَبير، لَمْ تَتَّفِق " شُعُوبُه" على تَحْديِد مِعنى "الوَطَن" ، فهُو بالنسبة لِبعضهم " وِجهة نَظَر " مِن الكيان الى الدُّستور الى النِّظام الى القَانون الى السِّيادة الى الحرّية الى الإستقلال ... و" شُعوب " الوَطن – عبر التَّاريخ – راحَت تَنْتَقِلُ بينَ التَتْرِيك والفَرْنَسة والفِلَسْطَنة والسَوْرَنَة حتى وَصَلنا أخيراً وليسَ آخِراً الى الأيْرَنة ... وماذا بعد ؟! " شُعوبٌ " في وَطَن ، تَتَوَحَّد ، تَنْقَسِم ، تَجْتَمِع ، تَتَفَرَّق حتّى في مِعنى المَوت : " قَتيِلُنا شَهيِد ... وقَتِيلُكُم مَيْت ... " " شُعوبُ " الوَطَن ، كانَت وما زالت ، كَثيرةُ الرّايات ، مُتعدِّدة الوَلاءات : مِن قَوُمِيَة لُبنانيّة ( لُبنان – الكَيان) إلى قَوميّة عَربيّة ( من المُحيط الى الخَليج ) الى قَوميّة سُورية ( الهِلال الخَصيب) الى هِلال شِيعي ( يَمتدّ مِن إيران إلى صَنْعاء إلى العِراق إلى سوريا الى لبنان ) إلى شَرْق أوسَط جَديد (؟؟!!) حتَى سَبَرُوا مُؤخّراً عُمْق التّاريخ وأَطْلَقوا الإِبراهِيميّة ( نَسْلُ إبراهيم الذي يَجمَع ، ذُريّة إسحق – اليهود ، وذرّية إسماعيل – العرب ، لِيَقوُلوا إنّ النَّسَب أَقوى الرّوابط ، فتَعالوا إلى التّطْبيع ) في وطنٍ لا يَعيشُ فيه المَسْؤولون عَن " شُعُوبِهم " إلاّ مُتناحِرين ، مُتخاصِمين، مًتّفِقين شَكلاً ، مُخْتَلِفين أساساً، المشاكِل عِنْدَهُم " لا تُحلُّ إنّما تُؤجّل "، بَعضُهم يَحيا أَحلاماً مِن أَجل التّغيير وبعضُهم الآخَر يَعيشُ كَوابيس، خَوفاً مِن التّغيير ... بَعضُهم يَعتَقد أنّه في نِظام ديمُقراطي لِيَحْكُمَ عبر الأكثريّة الخارِجة مِن صَناديقِ الإِقتراع ، وبعضهم يُمارس النّظام الدِيكتاتوري : " الفَرْضُ " أو الرّفض ليتحكّم بِقًوّة السِّلاح ... ومع ذلك يَتباهى " الدِيمُقراطيّون والدِيكتاتوريّون " بالصِّيغة اللُّبنانيّة والتي أصبَحَت بفضلِهم في حالةِ إنهيارٍ وباتَ " نَسيج ُ" الأُمّة " بِمَجْهُودِهم " في خَطَرِ الإنقِراض ... هَمُّهم خِدمَة المُواطِنين، والمُواطِنون صاروا مُطارَدين ، مُشتَّتين ، تَائِهين في البِحار بَحثاً عن مَوانِئ يَرْسُونَ فيها أملاً بالوَصول الى وطنٍ فيهِ "حَياة "؟!
ومَنْ بَقِي ، يَعيشُ في الذُلّ والهَوان ، في الجُوع والمَرَض... ومع ذلك ، فالخدّام يَتَشدَّقون بِكَلِمات كالَلكَمات تُرِهق وتُنْهِك وتَنْتَهِك الكَرامَات ... ويَسَتمِرّ الجِدال : أمّةٌ أمْ قُطر؟ وَطَنٌ أم ساحَة ؟ دَولَة أم دُويْلة؟ شَرعيّة أم شَريعة؟ عُروبة أم شُعوبيّة؟ حِياد أم انحِياز ؟ كانَ الصَّحافي الكَبير جورج نقّاش يَقول : " نَقيضان لا يَصنَعان أُمّة " فكيفَ وقد أصبَحنا نَقائِض ... ومَتى كانت "النَقائِض" تَصنَع أُمّة أو وَطَناً أو دَولة ؟! إنّها لا تُشكّل في أحسَن الأحوال إلّا ساحَة ...؟!
إذا أرَدْنا أن يكونَ لبنان التَّاريخ ، لبنان الجغرافية ، لبنان التُّراث ، لبنان الحَضارة ، لبنان الحَياة الواحدة ، لبنان العَيش المُتنوّع ، هو لبنان البِداية والنِّهاية ، على الجميع أنْ يَتأكّدوا بأنّه ، ما مِن أحد عِندهُ شأنٌ مُستقلّ في دَولة واحِدة أو مُوّحدة ، وحتى لا وجود للتفسّخ في وطنٍ فيه حُبّ للحريّة ، فيه عشق للدِيمُقراطية ، فيه إِخلاص للإِنتماء ، فيه وَفاء لِلوَلاء، فيه فَهم للمَشاكِل، فيه تَفاهُم للحُلول ...!!
ولنتذكّر على الدّوام بأنّه " ليسَت هناك فُرصٌ أَخيرة في لبنان ، بل هناك دائماً فرص أُخْرَى ..." فهل ننتَقِل مِن ألمِ الماضي الى أمَل المُستقبل ونَتحوّل مِن سُوء الفَهم الى حُسن التّفاهم ...؟؟ الإيمان يَصنَع المُعجِزات...!!!!