مدفع أميركي مدمّر يدخل حرب أوكرانيا!

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 24, 2022

"بهذا المدفع الأمريكي سوف نهزم روسيا ونجبرها على الانسحاب من أرضنا"، أصبح المدفع M777 الأميركي الصنع السلاح الذي تراهن عليه أوكرانيا، وتتبارى وسائل الإعلام الغربية والأوكرانية في ذكر مناقبه التي ستركِّع الجيش الروسي.

وبالفعل بدأ المدفع M777 في الدخول في القتال في حرب أوكرانيا، بعد أن ألحت كييف في طلبه من حلفائها الغربيين، فكيف كان أداؤه، وهل يمكن أن يغير مسار الحرب لصالح أوكرانيا، أم أنه قد يورّطها في معركة استنزاف طويلة الأمد.

لماذا تراهن أوكرانيا على المدفع M777؟
كان السلاح الذي تأمل أوكرانيا أن يحدث فارقاً حاسماً في حربها مع روسيا مُموَّهاً في كومة من الأغصان المقطوعة من الأشجار القريبة، وكان غير مرئيّ من على بُعد أكثر من أمتار قليلة.



سرعان ما انطلقت طلقة واحدة أحدثت صوت أزيز معدني قوي مدوٍّ فيما كانت تتجه صوب المواقع الروسية.

والمدفع M777 مدفع الهاوتزر أمريكي الصنع M777 بريطاني التصميم، وهو يطلق قذائف أبعد، ويتحرك بصورة أسرع، ويمكن إخفاؤه بسهولة أكبر، وهو ما كان الجيش الأوكراني ينتظره، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وعدت الولايات المتحدة بإرسال 90 من مدافع هاوتزر M777، وبدأت بالفعل في توريدها للجيش الأوكراني، بينما يفترض أن ترسل أستراليا ستة مدافع بينما تعهدت كندا بتقديم أربع وحدات، كما أعلنت واشنطن عزمها منح كييف 200000 طلقة لهذه المدافع، بما في ذلك الذخائر M982 Excalibur دقيقة التوجيه.

ومدافع M777 هي مدافع الهاوتزر المستخدمة حالياً من قبل الجيش الأمريكي ومشاة البحرية، ويبلغ أقصى مدى لها 15 ميلاً وتتطلب طاقماً من ثمانية إلى 10 أشخاص.

والمدفع M777 ، وهو أخف بنسبة 41% من طراز M198 الذي يحل محله في الجيش الأميركي ومشاة البحرية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الكمية الكبيرة من التيتانيوم وسبائك الألومنيوم التي يستخدمها. يسمح ذلك بنقلها بواسطة طائرات C-130 أو طائرات MV-22B Osprey الدوارة أو طائرات الهليكوبتر، ويوفر المدفع العديد من خيارات النقل، جنباً إلى جنب مع سهولة الإخفاء في المواضع الثابتة، في البيئات القتالية حيث تفتقر القوات التي تستخدمه إلى التفوق الجوي.

وبعد مرور ثلاثة أشهر على الحرب في أوكرانيا، جرى الآن نشر أول مدافع M777 –أكثر الأسلحة التي قدمها الغرب فتكاً حتى الآن- في القتال شرقي أوكرانيا. وعزز وصول هذا السلاح الآمال الأوكرانية في تحقيق تفوق مدفعي، على الأقل في بعض مناطق الجبهات، وهي خطوة رئيسية نحو تحقيق الانتصارات العسكرية في حربٍ باتت الآن تُخاض في الغالب في سهول مسطحة ومفتوحة على مسافات بعيدة.

ومدافع الهاوتزر الأمريكية عبارة عن آليات كبيرة من الحديد والتيتانيوم ملتفَّة بخراطيم هيدروليكية ومُثبَّتة على أربع دعامات تُطوى لأعلى ولأسفل. ويقول القادة الأوكرانيون إنَّها قد أطلقت بالفعل مئات القذائف منذ وصولها يوم 8 أيار أو نحو ذلك، فدمَّرت مركبات مدرعة وقتلت جنوداً روساً.

وقال العقيد رومان كاتشور، قائد الكتيبة 55 مدفعية الأوكرانية، والذي كانت وحدته أول وحدة تستخدم السلاح، في مقابلة: "هذا السلاح يُقرِّبنا من النصر أكثر".

والمحللون الغربيون يقولون إن الأمر متوقف على الكم، لكنَّ المحللين العسكريين الغربيين يقولون إنَّه ليس من الواضح مدى قرب الأوكرانيين من تحقيق النصر. فوصول الأسلحة الحديثة ليس ضماناً لتحقيق النجاح، في ظل استمرار الروس في خوض قتال شرس في إقليم دونباس شرقي البلاد. ويعتمد الكثير على العدد.

قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في "مركز التحليلات البحرية"، وهو مؤسسة بحثية في مدينة أرلينغتون الأمريكية، في مقابلة عبر الهاتف: "المدفعية مسألة تتعلَّق بالكم كثيراً جداً. ولدى روسيا واحد من أكبر جيوش المدفعية في العالم".

وقالت الولايات المتحدة قبل أسابيع إنَّها ستقدم مدافع الهاوتزر، لكنَّ التلميح إلى استخدامها حتى الآن في القتال جاء في المعظم في مقاطع فيديو نشرها جنودٌ مجهولون في الغالب عبر الإنترنت.

وأتاح الجيش الأوكراني لصحيفة The New York Times الأمريكية يوم الأحد، 22 أيار، جولة على طابور مدفعية في شرق أوكرانيا، في أول تأكيد مستقل من جانب وسائل الإعلام الدولية على استخدام هذا السلاح.

ويقول المحللون العسكريون إنَّ التأثير الكامل لن يكون محسوساً لأسبوعين آخرين على الأقل، لأنَّ أوكرانيا لم تدرب ما يكفي من الجنود بعد لإطلاق النيران من كل مدافع الهاوتزر التسعين التي وعدت بها الولايات المتحدة والحلفاء الآخرون. ولم يصل حتى الآن إلى الجبهة إلا نحو 12 مدفعاً.

يُعَد تسليح أوكرانيا بأسلحة أكثر قوة مسألة حساسة سياسياً. فسارعت الولايات المتحدة وفرنسا وسلوفاكيا وبلدان غربية أخرى بتقديم مدفعية وأنظمة دعم أخرى– مثل الطائرات بدون طيار- في الوقت الذي كانت روسيا تتهم فيه الغرب بخوض حرب بالوكالة في أوكرانيا وتهدد بتداعيات غير محددة في حال استمرار شحنات الأسلحة.

وظهرت خلافات في التحالف الغربي حول مدى القوة التي يجب مواجهة روسيا بها. واقترحت فرنسا وإيطاليا وألمانيا أن تستخدم أوكرانيا النفوذ المتأتي من الأسلحة الأقوى للدفع باتجاه وقفٍ لإطلاق النار يمكن أن يؤدي إلى انسحاب تفاوضي للقوات الروسية.

رفض المسؤولون الأوكرانيون ذلك. ويُصِرُّون على أنَّ الزخم هو في صفهم، وأنَّ المحادثات يجب ألا تأتي إلا بعد الانتصارات في ساحة المعركة واستعادة السيطرة على الأرض.

وقد يؤدي استخدام المدفع M777 إلى تعزيز هذه التوجهات الأوكرانية الرامية إلى التصعيد.

وقال الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، في مقابلة على التلفزيون الأوكراني خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنَّ الحل الدبلوماسي لن يأتي إلا بعد تحقيق أوكرانيا انتصارات عسكرية إضافية، إلى جانب تدفق السلاح.

وقال عن إنهاء الحرب بمزيج من المكاسب والمحادثات العسكرية: "إنها مثل سيارة، ليست تعمل بالغاز، أو كهربائية، لكنها هجينة". "وهذه هي الكيفية: الحرب معقدة".

وأضاف: "النصر سيكون دموياً".

وقد دحر الجيش الأوكراني القوات الروسية من كييف ومن مواقع قرب ثاني أكبر مدن البلاد، خاركيف، لكنَّه تحت ضغط شديد الآن في معركة أكثر محدودية للسيطرة على إقليم دونباس شرقي أوكرانيا.

وعلى أي حال، قال الطرفان إنَّ المحادثات الدبلوماسية توقفت قبل قرابة أسبوع، وهو ما يعيد مسألة تحديد النتيجة إلى ساحات المعارك. ولا يسير كل شيء على هوى أوكرانيا. إذ باتت القوات الروسية الآن قريبة من حصار مدينة سيفيرودونيتسك في إقليم الدونباس، وهو ما يهدد بتطويق القوات الأوكرانية.

وقال كوفمان، المحلل السياسي من مركز التحليلات البحرية: "أنا مندهش من تصديق الناس أنَّ القوات الأوكرانية بإمكانها استيعاب هذا المستوى من الخسائر ثُمَّ تكون مستعدة للهجوم بعد ذلك مباشرةً".

يتفوق على المدفعية الشائعة لدى الجيش الروسي
مع ذلك، تُعَد المدفعية الغربية الجديدة الأطول مدى هي السلاح الأقوى والأكثر تدميراً من بين الأنواع العديدة من الأسلحة التي تقدمها بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو) حالياً. وهي تطلق قذائفها على مسافة أبعد بثلاثة أميال (4.8 كم تقريباً) من أكثر أنظمة المدفعية التي يستخدمها الجيش الروسي في أوكرانيا شيوعاً، مدفع الهاوتزر ذاتي الدفع من طراز Msta-S، وأبعد بعشرة أميال (16 كم تقريباً) في حال إطلاق مقذوف دقيق مُوجَّه بنظام تحديد المواقع GPS.

ويستخدم المدفع M777 قذائف عيار 155 ملم- الحجم القياسي لدول الناتو، وفقاً لموقع Popular Mechanics، وهذا يمثل تحسناً عن قطع المدفعية الشائعة لدى الجيش الأوكراني التي يبلغ قطرها 122 و152 ملم.

وومعظم قطع المدفعية الأوكرانية تم إنتاجها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.

وتطلق مدافع الهاوتزر M777 بشكل عام قذائف Excalibur دقيقة التوجيه التي تستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لتصل إلى أهدافها، مما يوفر توجيهاً دقيقاً أثناء طيران القذائف ويحسن الدقة بشكل كبير إلى أقل من مترين بغض النظر عن النطاق.

يقول مركز دعم مشتريات الجيش الأمريكي (ASC) إن Excalibur "تزيد من معدل القتل وتقلل الأضرار الجانبية".

يمكن أن تكون دقة ونطاق مدافع الهاوتزر M777 جنباً إلى جنب مع الطلقات المحسّنة التي يبلغ قطرها 155 ملم ذات فائدة كبيرة للقوات الأوكرانية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.

على الرغم من أن M777 يستخدم في الأصل نظام رؤية بصرياً بسيطاً، إلا أن نسخة M777A1 تشتمل على نظام رقمي يضمن الدقة الفائقة في نطاقات تصل إلى 19 ميلاً لقذائفها وبمسافة تصل إلى 25 ميلاً للذخيرة الخاصة التي تم تطويرها لأحدث طراز من هذا المدفع (M777A2).

قال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية إن مدافع الهاوتزر M777 التي يبلغ قطرها 155 ملم والتي قدمتها الولايات المتحدة وأنواعاً أخرى قدمتها الدول الحليفة والشريكة لأوكرانيا لها تأثير كبير على ساحة المعركة.

وقال المسؤول: "أنت ترى بالفعل أن الأوكرانيين مستعدون لشن هجوم مضاد في منطقة دونباس، إنهم يستعيدون بعض البلدات التي استولى عليها الروس في الماضي".

يمكن إخفاؤه بعد استخدامه في القصف
وتُعَد السرية أمراً بالغ الأهمية في لعبة القط والفأر من التبادل المدفعي، هذه التي ميَّزت الحرب في الأسابيع الأخيرة. فيقوم الجنود بسرعة جداً بتكويم أغصان الشجر المقطوعة حديثاً على المدفع، لتكون تمويهاً في مواجهة طائرات العدو المُسيَّرة.

وخلال تبادل النيران المدفعية، لا يُثمِّن الجنود مسألة المدى فقط، بل أيضاً القدرة على إخفاء وتحريك المدفع والمركبات الداعمة بسرعة أيضاً.

ووفقاً لضباط أوكرانيين، كانت مدافع الهاوتزر الـ12 تقريباً التي نُشِرَت قبل أسبوعين وتعمل في صورة بطاريتيّ مدفعية، قد أطلقت حتى يوم الأحد الماضي 1876 قذيفة.

وتمكَّن المدفعيون الأوكرانيون- باستخدام مزيج من القذائف المتفجِّرة في الجو والقذائف المتشظية المضادة للأفراد وأنواع أخرى من المقذوفات- من تدمير ثلاث مركبات مدرعة روسية على الأقل، ويُقدِّر العقيد كاتشور أنَّهم قتلوا بضع عشرات من الجنود الروس على أقل تقدير.

وقال ضابط إنَّ هدف القذائف يكون متمثلاً في سحق المواقع الروسية والبنية التحتية العسكرية، مثل مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة. ويقول الجنود الأوكرانيون إنَّ مدافع الهاوتزر ستنقذ أيضاً الأرواح البشرية من خلال ضرب المدفعية الروسية التي تطلق قذائفها على بلداتهم.

وقال ضباط مدفعية أوكرانيون إنَّ أنواع المدفعية الغربية التي تتدفق إلى أوكرانيا حالياً تتمتع بعدة أفضليات على الأنظمة الموروثة من الاتحاد السوفييتي. ومن بين أهم هذه الأفضليات توافقها مع القذائف من عيار حلف الناتو، وهو ما يهدئ المخاوف من إمكانية نفاد الذخيرة ذات العيار السوفييتي من أوكرانيا قريباً، وهي التي تُصنَّع في الغالب حالياً في روسيا.

وبالإضافة إلى الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة، وعد الفرنسيون بإرسال مدافع هاوتزر من طراز Caesar مُثبَّتة على شاحنات، وهي قادرة على الابتعاد بسرعة بعد إطلاق القذائف في مناورة تُعرَف باسم "اضرب واهرب". وتعهَّد السلوفاكيون أيضاً بتقديم مدافع هاوتزر.

لكنَّ المحللين العسكريين يقولون إنَّه من المرجَّح أن يكون لمدفع M777 الأمريكي، المعروف باسم "الثلاث سبعات"، التأثير الأكبر بسبب كمية المدافع المُقدَّمة، والتي توفر ضربات دقيقة بعيدة المدى حين تُدرَّب أطقم كافية على استخدامها.

يتمثَّل عنق الزجاجة في التدريب. فقد درَّبت الولايات المتحدة حتى الآن 200 جندي أوكراني في دورات تدريبية من ستة أيام في قواعد بألمانيا. قسَّم الجيش الأوكراني هذه المجموعة نصفين تقريباً، فأرسل البعض إلى الجبهة والآخرين لتدريب المزيد من الأوكرانيين.

وقال ميخائيلو جيروخوف، وهو مؤلف كتاب عن المدفعية في الحرب الأوكرانية مع الانفصاليين المدعومين من روسيا بعنوان "Gods of Hybrid War"، إنَّ تدريب جنود كافين لكل المدافع التسعين– وهي الكمية التي من المقرر وصولها- يمكن أن يستغرق بضعة أسابيع أخرى.

وقال جيروخوف إنَّ أعداداً أصغر من مدافع Caesar الفرنسية ذاتية الدفع والتي يُتحكَّم فيها من خلال الحاسوب ستساعد أيضاً، لكنَّ تعلُّم استخدامها يستغرق أشهراً. وأضاف: "حتى الفرنسيين يعتبرونها معقدة جداً".

وبعدما أطلق الجنود القذيفة من مدفع M777، وُضِعَ المدفع في وضعية عمودية مجدداً، وتمت تغطية فوهته بأغصان تمويهية. وصاح أحد الضباط: "تحركوا بصورة أسرع!". ثُمَّ ركض الطاقم تحسبُّاً في حال حدد الروس موقعهم.