ميشال مرقص - يوسف كنعان شيخ الابتسامة ... يحملُ ابتسامته إلى السماء

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 22, 2021

النهار

ميشال مرقص باسمُ الوجهِ، بشوشه. هادئُ القسمات. لذيذ المعشر. واثقٌ من نفسِه. وإذا راوده شكٌّ يسألْ. ليّنُ العريكة مسالمٌ. لكنّه صُلب القرار.

عرفتُه أواسط سبعينات القرن الماضي، خلال أوّل سنتين من الحرب الداخليّة المدمّرة. كنتُ أسكنُ في جواره في جديدة المتن. لم نتعارف من قبلُ، لكن استدعاني إلى مكتبه. وبعد التعارف راحَ يشرحُ لي عن أهمّية العقار في لبنان.

العبارة الأساس/ بل الشعار لديه، كانت:" ترابُ لبنان ذهبُ لبنان" وصارت عنوانًا لموضوعي في جريدة النهار في حديثٍ عن العقار مع الجار #يوسف كنعان.

يوسف كنعان، لا يتعامل مع الأشخاص "مرور الكرام". توطّدت صداقةٌ في ما بيننا. وما يكادُ يمرُّ أسبوعُ إلّا ونلتقي. عدا عن الحالات الطارئة.

في الحرب كانَ الإهتمام الأكبر لدى الشيخ يوسف، ربط لبنان المهجر بلبنان المقيم. أفادَ من الوضع المالي المتأزّم وارتفاع قيمة العملات الأجنبية. فمارس التعاطي في الشأن العقاري، شراءً ومبيعًا. وكانَ رائدًا.

بعصاميّته خطّطَ ونفّذَ ونجحَ لأنّه كان صادقًا وصديقًا. يشتري العقار، يفرزه، إلى عقارات وحقوق مختلفة، يُضيف إلى قيمته، قيمةً مضافة في البنية التحتيّة، ويبيعه عقارات صغيرة تصلحُ للبناء. في مناطق متوسّطة البُعد عن مراكز الأقضية أو عن العاصمة. وهي مناطق ذات خضارٍ وبيئة نقيّة . وغالبُ المبيعات كانت إلى لبنانيّين يعملون بخاصّةٍ في الدول الخليجيّة.

وفي نطاق العقار، استهواه القطاع الفندقي، فتملّك فندقًا في المعاملتين. كان يُخطّطُ لتشجيع السياحة...

لكن الشيخَ الطيّب، ونما عصاميًّا، لمْ يمنع مساعدةً عن محتاج. كان يحمرُّ حياءً وهو يمدُّ يد مساعدة، منفّذًا قول يسوع:" لاتدع يسارك تعلم ما تفعل يمينك".

وفي خلال الحرب التفت إلى بيت الله، كنيسة مار سركيس وباخوس – في بلدته الجديدة -، وجدّدَ بناءها بحيثُ باتت في صالونها وقاعتها الليتورجيّة ومقام الكاهن الخادم فيها للرعيّة، في مجمّع واحد، وباتت تتسع للمؤمنين وللإحتفالات الدينية الكبرى والزيّاحات، والشؤون الرعوية.

يوسف كنعان يدٌ خضراء. يُنفّذ لوحدِه ويسعى وراء عمل الخير. في عيدي الميلاد والفصح، يُسهمُ مع أخويّة الجديدة بما يُقصّرُ أبناء الرعيّة عن المساهمة به، من أجل تأمين منتجات تموين وغذاء للعائلات الأشد حاجة...

ويبقى أنَّ ما يخفى كثير...

أحبَّ يوسف أنْ يُخلّدَ أسمه بظاهرةٍ بيئيّة تزيينيّة، فبنى ساعةً في ساحة الجديدة، وهي تُطلُّ على المدخل الرئيس، ولكنّه كانَ يطمح للعبِ دورٍ سياسيٍّ، كيف لا ومن آل كنعان أعضاءٌ في مجلس إدارة جبل لبنان ومرشّحون عن الساحل لم يُحالفهم "التزوير"؟..

ولا يغيب عنّي أنّ أبو إبراهيم، آلمته الحرب الداخلية، فلم يُظهر عن ميولٍ حزبيّة، بل كان يستنكرُ ما يتسبّبُ به أيُّ فريقٍ من أذى. وقبل أنْ يُرسلَ إبراهيم إلى لندن لاستكمال تحصيله الجامعي، كنتُ في سهرةٍ عنده في البيت العائلي، فأخبرته عن أغنية جديدة لزياد الرحباني" اختلطْ الحابل بالنابلْ، مِنْ روّقها ما بِ تروق، بْ تِرجع تِنزلْ قنابل" وفيها " خشبُ الأرز احترق... خشبُ الأرز توابيت"... فهزّ برأسه أسفًا ... وطلب إبراهيم تسجيلا لها زوّدته به، وحملها معه...

هذا الشيخ المتواضغ كان قريبًا من أطياف المجتمع على أنواعها، من أدنى درجات السلّم إلى أرقى المراتب السياسية والدينية، وما أفقده القرب من الصغار والبُسطاء نعمةً ولا أبهره التعامل مع الكبار.

هو هو شامخ مبتسم متعالي متعفّف عمّا ليسَ له!

يوسف كنعان يفتقده بعمقٍ من يعرفه، وأفتقدُه أنا بابتسامة، لأنّني على يقين بأنّه في فردوس الله لا يزالُ يبتسم هناك.

يوسف كنعان دوحةٌ شاهقة، عرفَ كيف يُثمّر ما وهبه الله من وزناتٍ، في سبيل عيلتِه الكريمة، في سبيل أعمال الخير.
ومن هذه الدوحة إبراهيم في السياسة، وبول للمحاماة ووديع للعقارات، ووشديد للسياحة ...

وهكذا حقّق له أولاده الأربعة طموحاتِه... فقضى شيخوخةً هانئة... بعد أن سلّمَ الأمانة باطمئنان...

وإذا كان إسم يوسف يعني "الله يُعطي"، فإنّ يوسف كنعان الشيخ أعطى الله، مستحقًا قول يسوع في لوحة الدينونة الأخيرة، تعالوا إليَّ يا مباركي أبي رثوا الحياةَ الأبدية، فإنَّ ما فعلتموه من خيرٍ مع أخوتي هؤلاء الصغار (أي المحتاجين) فمعي فعلتموه.

صديقي لمْ أنسكَ يومًا ولو افترقنا. نمْ هنيئًا...