مهزلة حسن نصرالله وبلاء اللبنانيين- شارل شرتوني

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 21, 2021

كتب الدكتور شارل شرتوني عبر فايسبوك ما يلي:

تحيلنا مراجعة خطاب حسن نصرالله الى كم من المفارقات والمهاترات التي تضع موضع المساءلة تماسك هذه المواقف ومؤدياتها. حزب الله وحليفه نبيه بري ومستنسخاتهم يدعون الى تظاهرات ضد أداء قاضي التحقيق المكلف بتفجير مرفأ بيروت، وإذ بالتظاهرات تخرج عن مسارها باتجاه المناطق المسيحية المحاذية، والمتظاهرون بالمئات يحملون رشاشات ثقيلة وقاذفات يدوية ويدخلون إليها على وقع إطلاق النار على أنواعه وكأنهم نسوا ما الدافع لهذه التظاهرات الصاخبة، وهذا ما نقله مراسل " العربي الجديد" عندما سأل أحدهم " على من تطلقون النار " فاجابه "على الجيش" والثاني "على الابنية المقابلة"، دون أي وعي لمدلولات هذا العمل. حالة العمى هذه وصلت الى أعلى مستوى القرار السياسي الشيعي، عندما صرح حسن نصرالله " أن لديه ١٠٠،٠٠٠ مسلح" مستعدين للاطاحة بالمناطق المسيحية تحت حجة المواجهة مع القوات اللبنانية التي شاركت في المواجهة الأهلية لهذا الهجوم المنظم، وأبدت رأيها كما سواها في هذا التفلت الامني الإرادي وغير المبرر، والأدهى غير المتناسب مع موضوع الاعتراض الصاخب الذي يعرض السلم الاهلي في البلاد بشكلٍ أساسي.
الاعتراض على عمل التحقيق الذي يقوم به قاض كلف القيام بعمله لا يستدعي كل هذا الصخب وما رافقه من تفلتات أمنية، الا إذا كانت الغاية من هذه التحركات ضرب استقرار البلاد تحت أية حجة. إن وصلة التهديد التي قام بها حسن نصرالله هي من الهزل والخفة بمكان، تجعلنا نتساءل حول إمكانية إعادة احياء الكيان الوطني ودولة القانون في ظل هكذا مناخات ارهابية، واستعدادات عدوانية تهدد السلم الاهلي بشكل مبرح. ماذا بقي من الدولة ومن الجيش اللبناني الذي أحيل الى دور المتفرج وكيس الرمل وشاهد الزور على انهيار كل حيثيات السلم المدني وكيان الدولة وسيادتها على أرضها، في ظل عمل انقلابي مديد تقوم به الفاشيات الشيعية منذ عقود، الى أن وصل بها المطاف الى وضع اليد المطبق على المؤسسات الدستورية التي أفرغت من مضمونها وتحولت الى هيكليات فارغة تستعمل غطاءات لتخريج سياسات السيطرة الشيعية، المنعقدة على خط التقاطع مع السياسات الانقلابية التي يديرها النظام الإيراني على مدى الشرقين الأدنى والأوسط. إن الانفعالات والتهديدات الصادرة عن حسن نصرالله تقع كلها في دائرة العمل الانقلابي الذي لا مسوغ له سوى السياسة التوسعية الايرانية التي يلعب فيها حزب الله دورا محوريًا، والتي سوف تؤدي على نحو سببي مباشر الى تداعي الكيان الوطني اللبناني، وتمدد الفراغات الإقليمية، وتحفيز السياسات السنية المضادة بمتغيراتها الدولتية والجهادية، وما سوف ينشأ عنها من انهيارات تطال ما تبقى من النظام الانتر-دولاتي إقليميًا، وتعريض ألأمن الأوروپي على مستوى تخومه الشرق اوسطية، وتزخيم المناخات النهيلية التي تحكم الإسلام السياسي المعاصر على غير وجه.
إن الهجوم المفتعل على رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، يندرج في الخانة ذاتها التي استهدفت البطريركية المارونية، لسبب بين، أنهما يشكلان الممانعة المعنوية والسياسية الوحيدة التي ترى فيها الفاشيات الشيعية عائقا فعليا لعملية وضع اليد على البلاد والمضي قدما في تفكيك ما تبقى من كيانها الوطني والدستوري والمؤسسي.كل هذه المغالاة المضحكة واللامسؤولية لا تفسر إلا انطلاقًا من النهج التدميري التدرجي الذي صاغته منذ عقود على وقع تحالفات داخلية وخارجية، وتواطاءات فعلية من قبل من أتي بهم على مستوى الرئاسات الثلاث منذ ١٦ سنة. إن أي كلام يقع في دائرة الازمات السياسية الديموقراطية هو تضليلي بإمتياز بسبب التجاهل، أو لانه غير مدرك لطبيعة الديناميكيات الانقلابية التي تحكم الاداء السياسي في الاوساط الشيعية. نحن أمام أفق مسدود تمليه السياسة الانقلابية ولا سبيل للخروج من هذه الاقفالات وما يتوازى معها من انهيارات بنيوية على مختلف المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، ما لم يتم التراجع عن هذا النهج التدميري الإرادي.
إن أية مراهنة على تبدل الاستعدادات الذهنية والسلوكية يقع في دائرة التمني، وبالتالي نحن أمام خيار لا بديل عنه يقضي باستكمال عملية التدويل الاستراتيجية من خلال القرارات الدولية (١٥٥٩،١٦٨٠، ١٧٠١)، والتحقيق الجنائي الدولي لجهة نهب الأموال العامة وتفجير المرفأ، ووضع أسس لتسوية سياسية سوية ومتكافئة تخرجنا من دائرة الإرهاب والعنف التي تحتجزنا فيها الفاشيات الشيعية، وإعادة التواصل الديموقراطي والمدني والاخلاقي الراقي من أجل تخريج حل سياسي مستدام. فيما عدا ذلك، نحن سائرون بخطى ثابتة نحو الحروب الاهلية المتداخلة التي تعتمل في ارجاء هذه المنطقة التي تفتقد نقاط ارتكاز معنوية وسياسية متماسكة تخرجها من المسارات العدمية التي تحكمها.