بول ناصيف عكاري - "الحزب"...أنت مين؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 21, 2021

المسيحيّون مهدورة حقوقهم، السنّة مهمشون، الشيعة مضطهدون، والدروز مغيبون، فبالله عليكم من هو الذي فعل بهم كلّ هذا؟ الكلّ، عصابة الستة وبمعية الحرس الثوري ومشتقاتهم وأزلامهم وعملائهم الشرفاء، يمعنون شراً وفساداً ضد الكلّ بالتفاهم مع الكلّ من أجل السلطة المطلقة وحفنة من الدولارات المنهوبة لإخضاع الآخر ضمن منظومة مافياويّة مكتملة العدة والأوصاف. العتيرة أضحت على حساب من هم خارج هذه المنظومة الشريرة وهم اللبنانيّيون الشرفاء.
بفضل تضحيات اللبنانيين وبالأخصّ المسيحيين، انهزمت الوصاية السوريّة كما انهزمت من قبلها المنظومة الفلسطينية، لتُستبدل باحتلال إيرانيّ بقيادة حزب الله المنضوي تحت ولاية الفقيه. بعد التحرير كشف الحزب عن نفسه وكشّر عن أنيابه وابتدأ عملية قضم الدولة ومؤسساتها لإخضاعها وإدماجها في منظومة تصدير الثورة تحت إمرة الولي الفقيه لإقامة "الأممية الشيعية العالمية". كذلك، دخل في عملية إخضاع المجتمع بإرهابه وتفكيكه وضرب "مؤسسة العائلة" وإلهائه بأمور جانبيّة حياتيّة. عملية تموز أفضت إلى ترسيخ أكثر الحدود أمناً بين دولتي إسرائيل والدويلة على الكرة الأرضيّة وليس مستغرباً أن يكون هنالك اتفاق تحت الطاولة بينهما ينظم كافة الشؤون والشجون. كيف، بالله عليكم، تريدون تحرير القدس؟
نما الحزب في لبنان بالتواطؤ مع أزلامه وبسبب تخاذل الخصوم وسوء إدارتهم في مجابهة مشروعه غير المشروع و"نتائج السياسة الاستبدادية والترهيبية التي تغلغلت في السلوك والأخلاق بأشكال من الممالأة والتكاذب والخضوع والتراضي" (السيد محسن الأمين). هذه السلوكيات والأفعال أدّت إلى إعادة البلد إلى العصر الحجريّ وفقاً لطموح العدو الصهيونيّ وأهدافه حتّى أوصلوا الدولة إلى مصافي الدول الفاشلة الفاسدة الممانعة، لا بل إلى دولة المافيا. الحزب انهزم في بناء لبنان الإنسان والحرية والاستقرار مناصراً حامياً "أمراء الفُجر" حتّى أصبح واحداً منهم. ألا تجدر محاربة الأعداء والوطن متعافٍ مستقر لا مديون لا غارق في الحرام ولا منقسم؟ ومن أوجه ضعفه في الداخل أنّه لم يتمكن من إقحام الشرفاء والطوائف التي ليس له القدرة حاليّاً على تطويعهم بعدما خسر الكثير في البيئات المجتمعيّة والطائفية التي كان يتلظى بها. الحزب بكل تأكيد سوف ينهزم في لبنان لأنّ لبنان أكبر من كلّ أطماع شعوب العالم ولأن الشعب اللبناني، مهما ضل الطريق البعض منه، لن يعطي الحزب مشروعية لسلطته وعقيدته!
هدف الحزب الأساسي هو ضرب مفهوم الإنسان والحريّة التي قام عليه لبنان وبالتالي المجتمع الحرّ لأنّ بالحريّة لا يحتفظ القائد بولاء الناس. الحريّة تحميها الدولة القويّة العادلة بواسطة القضاء النزيه والمؤسسات الأمنيّة الفعّالة التي أمعنوا في إخضاعهم إمّا بالترهيب أو بالترغيب للقضاء على كل من هو ليس منهم. إنّ المتطرفين يخافون من الحريّة أكثر من الاضطهاد. أسوأ ما تمكن من تحقيقه إخضاع البعض من المسيحيّين وخصوصاً من الموارنة ليغطوا مشروعه مقابل هيكل كرسيّ مهترئ وكمّ من بقية الطوائف والأطياف من المستزلمين واللّاهثين وراء صفقة أو مركز.
اختُرِعت معادلة "الجيش والشعب والمقاومة " التي لا يمكنها أن تركب على قوس قزح في هذا البلد المركّب. الجيش والشعب بمعظم أطيافهم هم خارج هذه المعادلة لأنّ المقاومة بتركيبتها وفكرها وعقيدتها المستوردة غريبة عن الواقع المجتمعي والثقافي اللبنانيّ. كذلك، اختُرِعت "المقاومة الإسلاميّة في لبنان" أيّ "الفرقة الشيعيّة في ولاية لبنان". للتذكير، باكورة أعماله كانت القضاء على "جمول" التي نبعت من صلب الوطن وإخضاع حركة المحرومين آنذاك التي ارتقت بحمايته وغطائه إلى حركة المُتخَمين.
إضافة إلى ذلك، يمعن الحزب من خلال أيديولوجيته ومن أجل تحقيق أهدافه المبينة وغير المبينة في محو بعض من تاريخ لبنان من الذاكرة الجمعية للشعب اللبناني واستنباط ما هو البديل بإتباع أساليب مختلفة، منها على سبيل المثال، إلغاء عيد الشهداء واستبداله بعيد التحرير الخاص به والجهد المضني على طمس دور المقاومة اللبنانية في دحر الفلسطيني والسوري. ومن أدبياته استرداد كسروان ومناطق أخرى من المسيحيّين كأنه يشرع، بالمفهوم نفسه والمقارنة المنطقيّة، احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين. "من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي" (أورويل). ولأنّ من يريد الانسلاخ عن الوطن وهويته لسبب أو لآخر يحتاج من أجل ذلك إلى بناء وعي تاريخي بديل يؤسس لهوية بديلة.
وما معركة القصير إلّا انتصار للإسلام السياسيّ الأصوليّ الشيعيّ على نظيره السنيّ اللذين هما وجهان لعملة واحدة ألا وهي السلطة المطلقة بغطاء دينيّ. والبرهان ترحيل الدواعش بباصات مبردة مخلفين وراءهم العدد القليل والبسيط من مخازن السلاح. أضف إلى ذلك، وضع الخطوط الحمر والصفر لحماية فتح الإسلام وأشباهه.
من أجل السيطرة على الفكر الديني الشيعيّ والعامليّ ومؤسساتهما استعمل الحزب السلوكيات نفسها، كما فعل صدام حسين تجاه حوزة النجف، من عمليات الاغتيال والاعتقال والترحيل والترهيب. وهذا ما يحصل مع المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى المرتهن كليّاً لإرادته ناهيك عن الضغوط الشريرة على العلماء المتنورين الوطنيّين وأهل العلم والقلم والثقافة من أجل إسكاتهم. ما يدمي له القلب هو السلوكيات الممنهجة بفكر شرّير لضرب إرث الإمام الصدر ووصايا الإمام شمس الدين وتعاليم العلماء الكبار. ومن المسلم به أنّ ولاية الفقيه في لبنان لا تنطبق إلّا على دولة شيعيّة بحتة يرضى بها شعبها مع وجود أكثريّة شعبيّة ترضى بها واقتناع العلماء الشيعة اللبنانيّين بها. هذا، بالتأكيد، لم ولن يتوفر مما يثبت أن ما يفعله الحزب ببيئته وبالوطن هو ضرب من الإخضاع القسريّ. ماذا لو تغيّر ميزان القوى لصالح فصيل متشدد من السنّة أو غيره يريد فرض آرائه على الشيعة ويخضعهم؟ أليست من المسلمات الشيعيّة أيضاً "محاربة الاستبداد الداخليّ عبر المطالبة ببناء دولة دستورية لتقييد الحاكم-الفرد بمشروطة وتحقيق سيادة الشعب عبر تحويل الرعية إلى مواطنين..."
ولاية الفقيه عقيدتها تعلو الدستور اللبنانيّ وتناقض اتفاق الطائف، والحزب معها بالتأكيد خرج عن تعاليم الإمام علي بوصيته لمالك الأشتر الذي تناول قضايا الحكم وإدارة البلاد من منطلق إنسانيّ. أساسها في كيفية إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب وتطلّع الرعيّة إلى عدل الولاة الذين يمعنون في ظلم الرعيّة والناس وإرهاقهم. أمّا مفهوم الإمام في الرحمة بالرعيّة على اختلاف ميولها وأديانها: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق". وأضاف: "إيّاك ومساماة الله في عظمته، والتشبّه به في جبروته، فإنّ الله يُذِلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال". ثمّ طلب منه الابتعاد عن النجساء والوزراء الفاسدين وأخذ برأي العلماء والحكماء لإصلاح المجتمع كما الاتّصال بالأشراف والصالحين وتكريم المخلصين للوطن وأن يختار أفضل العاملين في الشأن العام ومراقبتهم كيّ لا يضلوا الطريق ويبتعدوا عن الضمير... بالإضافة حدد الأطر للصلح مع العدو وحرّم سفك الدماء بغير حقّ وختم بكيفية الاقتداء بالحكومات العادلة.
ماذا سيكون موقف الإمام علي عندما يرى منتحلي صفته وشهود زور على تعاليمه يفككون ويدمرون الوطن الذي حضنهم على مدّ العصور ويشتركون ويحمون الفساد من نهب أموال وسرقة أرزاق العوام من الناس؟ ماذا سيكون ردّ فعله على حماية صناعة الممنوعات على أشكالها وترويجها للعباد وتبييض الأموال وإرهاب الآمنين من الناس والإفتاء بالسماح بالمخالفات اللاشرعيّة من تهريب وما شابه في بلد يرتجي أبناؤه وشيعته لقمة عيش يندر وجودها؟ ماذا سيكون موقف الإمام الحسين عندما يعلم أن الحزب أوصل الشعب اللبناني إلى الدرك الجهنمي ويطلب منه لحس مبرد إيران والممانعة كأنّ شيئاً لم يكن؟
بما أنّ الحزب يهزم نفسه في وطنه، وبما أنّ عقيدته غير مرغوب فيها وليست مقبولة عند السواد الأعظم من اللبنانيّين، وبما أنّ الوطن قد تهالك بسبب أفعاله وسلوكياته، وبما أنّ الحزب لا يريد أن يُضحّي بمكتسباته الكرتونيّة، وبما أنّ حاجز الخوف انكسر بثورة تشرين، لذلك ندعو قبل الشروع في أية انتخابات لأن لا انتخابات في ظلّ الاحتلالات، إلى:
إنشاء جبهة مقاومة وطنيّة لبنانية بحتة وفعّالة، عابرة للمذاهب والمناطق، بالتكافل والتضامن بين جميع مكوناتها اللبنانيّة البحتة، مهمتها مقاومة ومحاربة احتلال حزب الله، المرتهن لإيران، للبنان، ومقاومة كل من تسوله نفسه العمل، بمعنى عميل، لأية جهة خارجيّة أكانت إقليمية أو غربيّة أو شرقيّة .
الهدف الأسمى لهذه الجبهة هو استعادة السيادة الوطنيّة كاملةً والإفراج عن الحرية المقيدة التي هي أساس لبنان واسترجاع الاستقلال المغتصب. ولأنّ وطني لبنان دائماً على حقّ، نقول للحزب ومن وراءه: لبيك لبنان ال10452 كلم2 سيداً حرّاً مستقلّاً...