لا تنازع اختصاص بين المجلس العدلي والمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء... بقلم عبده جميل غصوب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, October 12, 2021

كتب المحامي عبده جميل غصوب:

ذهب البعض مؤخرا الى القول بان المجلس العدلي ليس مختصا لمحاكمة رؤساء الحكومة والوزراء، وفقا للمادتين 70 و 71 من الدستور اللبناني، وان المرجع المختص هو المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

لا يوجد اي تنازع في الاختصاص بين المجلسين، فالاختلاف ليس فقط في اختصاص كل منهما بل في طبيعة كل منهما كمؤسسة قانونية مستقلة Institution juridique قائمة بذاتها تفصلها عن الاخرى نقاط جوهرية واساسية.

لمعالجة هذا الموضوع سنتولى التطرق لكل من المجلسين على حدة فتناول " المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء " ( اولا ) قبل الانتقال الى معالجة " المجلس العدلي" (ثانيا)، للخلوص الى عدم وجود اي تنازع اختصاص بينهما لاختلاف طبيعة كل منهما عن الاخر سواء من جهة " تركيبة " كل منهما او من جهة اختصاصه وآلية عمله ( ثانيا).

اولا: المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء

تأسس هذا المجلس في العام 1990- انفاذا لوثيقة الوفاق الوطني في الطائف - لمحاكمة الرؤساء والوزراء في حال ارتكابهم مخالفات خلال ممارستهم مهامهم الدستورية. وتعيّن اعضاء المجلس الحاليون في جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب عام 2020 وهم سبعة نواب اصيلون وثلاثة احتياطيون وثمانية قضاة اصيلون وثلاثة احتياطيون. وتولى القاضي غسان عويدات النيابة العامة لدى المجلس الاعلى وتم تعيين مساعدين اثنين له. وينظر المجلس الاعلى بجرائم خرق الدستور والخيانة العظمى والاخلال بالواجبات الوظيفية. وهي جرائم سياسية وليست جرائم عادية، دون ان ينفي ذلك اختصاصه للنظر بالجرائم العادية التي يرتكبها رئيس الجمهورية وفقا لاحكام قانون العقوبات، على ان تبقى الجرائم العادية التي يرتكبها رئيس مجلس الوزراء من اختصاص المحاكم العادية، التي تفصل فيها وفقا لقانون اصول المحاكمات الجزائية وتطبق عليها احكام قانون العقوبات وسواها من النصوص الجزائية في القوانين الاخرى المتفرقة. يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزراء امام المجلس الاعلى بعد اتهامهم من مجلس النواب بموجب قرار يصدر بغالبية الثلثين من مجموع اعضائه وذلك عن جريمتي الخيانة العظمى والاخلال بالواجبات المترتبة عليهم. اما فيما يتعلق برئيس الجمهورية ، فقد أقر الدستور مبدأ عدم مسؤوليته عن التصرفات والاقوال التي تصدر عنه خلال قيامه بوظيفته. ولكن هذه الحصانة السياسية لا تحول دون ملاحقته جزائيا في حال ارتكابه الجرائم العادية او الخيانة العظمى او خرق الدستور. وفي هذه الحالات، يجب ان يصدر قرار الاتهام عن مجلس النواب بغالبية ثلثي مجموع اعضائه. وعندها يتوقف الرئيس عن ممارسة مهماته وتناط صلاحياته وكالة بمجلس الوزراء ويحاكم امام المجلس الاعلى، حتى اذا ما صدر حكم بادانته اعفي من منصبه وانتخب رئيس جديد بدلا منه.

لقد ثبت من خلال الممارسة، ان قانون اصول المحاكمات امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء قد تضمن اصولا معقدة وطويلة، تكاد تجعل ملاحقة الخاضعين له امرا قد يصل الى حد الاستحالة.

ثانيا: المجلس العدلي

المجلس العدلي هو محكمة استثنائية تحال الدعاوى اليه بناء على مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وينظر حصريا بالجرائم المحددة في المادة 356 أ.م.ج او تلك المتلازمة معها. وقد تم تنظيم المجلس العدلي في المواد 355 الى 367 أ.م.ج.

لقد تمت إحالة جريمة تفجير المرفأ الى المجلس العدلي بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء. فسندا للمادة 356 أ.م.ج ينظر المجلس العدلي في الجرائم المنصوص عنها في المواد 270 حتى 336 من قانون العقوبات والجرائم المنصوص عنها في قانون 1958/1/11 وجميع الجرائم الناتجة عن صفقات الاسلحة والاعتدة التي عقدتها او تعقدها وزارة الدفاع الوطني والجرائم المرتبطة بها او المتفرعة عنها لا سيما المنصوص عنها في المواد 351 الى 366 ضمنا من قانون العقوبات، وفي المواد 453 الى 472 ضمنا منه وفي المادتين 453 الى 472 ضمنا منه، في المادتين 138 و141 من قانون القضاء العسكري.

وقد ورد في الاسباب الموجبة لقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 2001/328 ان المجلس العدلي عندما يضع يده على الدعوى بموجب قرار الاتهام المحال اليه من المحقق العدلي ، يجب عليه التثبت من صلاحيته في ضوء النصوص التي تحدد بدقة كافية الجرائم التي تحال عليه، وعلى هذا الاساس، اصبح البت في انتفاء الصلاحية منوطا به.

ثالثا: عدم وجود اي تنازع اختصاص بين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والمجلس العدلي

ليس صحيحا ما يثيره البعض من تنازع اختصاص بين المجلس العدلي من جهة وبين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من جهة اخرى، لان المرجعين محكمتان استثنائيتان، فلا تنازع بين محكمتين استثنائيتين، اذ لكل منهما اختصاصها المحدد بنصوص واضحة. فالجرائم ذات الطابع الجزائي المحض لا تدخل في اختصاص المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المقتصر اختصاصه على الجرائم السياسية دون سواها من الجرائم. وان الغاية منه هي عدم اقحام السلطة القضائية في قضايا السلطة التنفيذية عملا بمبدا فصل السلطات وليس اي شيء آخر.

ان جريمة تفجير المرفأ احيلت الى المجلس العدلي بمرسوم اتخذ في مجلس الوزراء، فتكون الجريمة المذكورة بحد ذاتها والجرائم المتلازمة معها من اختصاصه دون سواه من المحاكم العدلية العادية أو الاستثنائية الاخرى، والا نفرغ اختصاصه من مضمونه، خصوصا ان المجلس العدلي دون سواه هو الذي ينظر باختصاصه، لدى احالة قرار الاتهام امامه، فلا يصح ان ننزع عنه اختصاصه الاّ بقرار منه ؛ وان اي اثارة لعدم اختصاص المجلس العدلي في محاكمة اي كان، هو موضوع سابق لاوانه. ويجب ان يثار امام المجلس العدلي فور احالة الملف اليه بموجب قرار الاتهام الذي يصدره المحقق العدلي. وليس امام اي مرجع آخر، كما يذكر البعض.

في الخلاصة، نقول بأنه لا تنازع اختصاص بين مرجعين قضائيين استثنائيين لكل منهما طبيعته القانونية واختصاصه، فلا تداخل في الاختصاص بين المراجع القضائية الاستثنائية، بل التداخل يتوافر بين المحاكم العادية فيما بينها، او بينها وبين المحاكم الاستثنائية، اذ يقتضي في هذه الحالة، بيان المعيار الذي يفرق بين اختصاص المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية. اما بين المحاكم الاستثنائية فيما بينها فلا تداخل اختصاص وبالتالي لا تنازع بين اختصاص المجلس العدلي والمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، خصوصا وان جريمة تفجير المرفأ احيلت الى المجلس العدلي بمرسوم تم اتخاذه في مجلس الوزراء؛ فالجريمة المذكورة بحد ذاتها وكل ما يتفرع عنها من جرائم تدخل حصرا في اختصاصه ويبقى للمجلس العدلي فور احالة قرار الاتهام اليه ان ينظر باختصاصه، فيعلن عدم اختصاصه بالنظر في الجرائم المحالة اليه خلافا للنصوص والقواعد التي ترعى اختصاصه ويعقد اختصاصه بالنسبة للجرائم الداخلة في اختصاصه.

ان ما سمعناه مؤخرا عن الرأي القانوني الصادر عن البروفسور الفرنسي روسو، صحيح لو كان الاختصاص موضوع تنازع بين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وبين القضاء العادي. ولكنه ليس صحيحا في دعوى محالة بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء امام المجلس العدلي الذي لا ينازعه اي مرجع قضائي آخر في جريمة محالة خصيصا اليه، كما هي الحالة في جريمة تفجير المرفأ .

ان ادخال السياسة في القانون يفسد القانون، بينما ادخال القانون في السياسة يصحح مسارها ، فحذار من اللعب في جريمة تفجير المرفأ، التي ينبغي اخراجها من اي مزايدة سياسية او طائفية، عل الامور تستقيم ويصحح مسار العدالة.