لماذا الإنسان يكره؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 9, 2021

الجمهورية

هل خطر على بالكم، يوماً ما، هذا السؤال «لماذا الإنسان يكره؟». أنا شخصياً في الآونة الأخيرة، يتكرر يومياً هذا السؤال في ذهني. فالكره من أفتك المشاعر التي دمرت الإنسان وما زالت تدمره في المجتمعات التي يسودها ظلام الوعي والتبعية والطغيان واللاعدالة... وقبل التطرق الى هذا الموضوع يمكن القول ان الكره يرجع إلى بداية الحياة على الأرض. فلقد تمّ ذكره في العهد القديم من الكتاب المقدس، حيث كره «قايين» شقيقه «هابيل» وصولاً إلى يومنا هذا. ما يعني أنّ الكره ما زال متربصاً بالإنسان. فلماذا الإنسان يكره؟ وهل هذا الشعور ضروري؟ كيف يفسّر التحليل النفسي هذا الشعور؟ هل يمكن أن يكره شعب بأكمله إنسان واحد؟ وهل يمكن استبدال الكره بمشاعر إيجابية؟

بشكل بسيط، الكره هو عدم حب أو استلطاف شخص ما لسبب ما. ويمكن أن يأخذ الكره أو الكراهية شكلاً مباشراً، مثلاً عندما يعبّر شخص لشخص آخر بأنه يكرهه، أو شكلاً غير مباشر من خلال التصرفات السلبية والعدوانية. وهناك نوعان من الكره: النوع الأول النابع من الظلم ما يؤدي إلى كراهية شخص لشخص آخر. أما النوع الثاني فهو الكراهية النابعة من الأنانية حيث الشخص المكروه يكره شخصا يحب نفسه بشكل مفرط ويريد كل شيء له أو للأشخاص القريبين منه، والذين يستفيد منهم عاطفياً أو فكرياً أو حتى إيديولوجياً. ولا يقتصر الكره على هذه التفسيرات البسيطة، لأن لا حدود له، علماً أنه من الممكن أن يؤدي إلى عداوة مطلقة. يمكن أن يكره الإنسان أي شخص آخر، كالوالدين أو الإخوة والأخوات، الجيران، زملاء العمل، أو المسؤولين في المجتمع الذي ينتمي إليه... وصولاً إلى فلذات أكباده.

الكاره والمكروه
من المعروف أن مشاعر الإنسان تؤثر بشكل مطلق في حياته الشخصية ولكن أيضاً في صحته. فيؤدي الكره إلى اضطرابات نفس - جسدية، كسرعة في دقات القلب، وجع في الرأس والشعور الدائم بالتشنجات عند رؤية الشخص المكروه. وعادة الشخص الذي يكره يصبح أعمى البصيرة، ويشعر بالكثير من الضغوطات النفسية ومعها معاناة جسدية واضطرابات صحية. وإذا طرحنا عليه السؤال «لماذا تكره هذا الشخص؟» يمكن أن يقدّم لنا بعض التبريرات، لكن جميعها لا أساس واضحاً لها. فبعض الأحيان يكره الإنسان شخصاً آخر من دون أن يعرف لماذا. ولكن التحليل النفسي سيفسّر لنا كيف تنشأ الكراهية. أما بالنسبة للشخص المكروه، فسيكون له ردة فعل أيضاً تجاه الطاقة السلبية التي يمكن أن يواجهها من شخص واحد أو مجموعة واحدة أو حتى من شعب بأكمله. وهذا يذكرنا بالكثير من الأمثلة، منها الملك الفرنسي لويس الرابع عشر وزوجته ماري أنطوانيت، لأنّ الشعب كره نظامه والضرائب التي نزلت كالصاعقة عليه، فثار. وعبّر الغاضبون عن كرههم للوضع، وطبعاً نعرف جميعنا ما الذي حلّ بالملك لويس الرابع عشر وبزوجته. لذا، نجد دائماً علاقة تبادلية سلبية ما بين الكاره والمكروه.

التحليل النفسي والكراهية

يفسّر التحليل النفسي الكراهية بأنها عملية التماهي التي تحصل بين الأشخاص، وهي عملية لاواعية تجعل الإنسان مرآة للآخر. ولكن عندما يكون هذا الإنعكاس سلبياً، تظهر الكراهية تجاهه. لنعطي مثلاً واقعياً: مسؤول في شركة كبيرة، أعطى الكثير من الآمال لحقوق الموظفين في ذلك العمل، لاستقطابهم وجَعلهم من صفه. فكانت التماهيات إيجابية تجاهه، حيث ظهر المسؤول بصورة «المخلّص». ولكن عندما لاحظَ الموظفون أن كل كلام هذا المسؤول غير مسؤول البتة، فإنهم سيتماهون، ولكن هذه المرة بشكل سلبي، وسيرون في ذلك المسؤول صورة سلبية كاملة، وتظهر هنا الكراهية له من خلال سلوكياتهم التي يمكن أن تخرج عن المألوف. ويمكن أن نفسّر أي كراهية بين الأهل والأطفال أو بين زملاء العمل... بالطريقة نفسها. ومن أكثر السلوكيات التي تظهر عند الشخص، الذي أعمى الكره بصيرته، النقاط التالية:
- الشعور الدائم بالغضب تجاه الشخص المكروه. وهذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى عدوانية مفرطة بين الشخصين (يمكن أن تكون عدوانية كلامية وليست فقط جسدية: تراشق بالكلام وبالإتهامات).
- التجاهل المطلق مِمّن يكرهه وكأنه «يمحيه» عن الوجود (وهذه أمنية لاواعٍ للحد من حياته، متمنياً له الموت).
- عدوانية له ولكل من يشبهه بالتصرفات أو بطريقة التفكير (لذا نجد بعض الأحيان الأطفال الذين كرهوا أهلهم من صغرهم، عندما أصبحوا أهلاً، لم يتمكنوا من حب أطفالهم خاصة إذا كانوا يشبهون أهلهم بشكل مباشر أو غير مباشر).
- لا تَقبّل للآخر ولا قدرة على تحمل أي تصرف منه أو أي رأي مع انتقادٍ لاذع للشخص المكروه، والذي سيتبنى السلوك نفسه.
- عدم الشعور بالراحة والإستحسان مع الشخص المكروه ،والشعور الدائم بالخوف منه غير المبرر مع استثارة دائماً عند ذكره (ذكر إسمه أو أي معلومات عنه).
- سوء فهم المكروه بشكل متكرر حتى لو كانت سلوكياته أو تصرفاته جيدة.


وهل هناك حل؟
طبعاً هناك حل. للتغلب على الكراهية، ذلك الشعور السلبي، يجب أن يطرح دائماً الشخص الذي يكره والشخص الذي يشعر بالكره من الآخرين بعض الأسئلة، منها: لماذا أنا أكره هذا الشخص؟ لماذا لا يمكن أن أتحمل وجوده؟ لماذا يكرهني؟ كيف هي تصرفاتي تجاهه؟ هل أنا شخص عادل؟... كما يمكن لكليهما أن يقوّما مشاعرهما من خلال:
- الإستسلام للعقلانية خلال لقاء الشخص المكروه ومعاملته كأي شخص يستحق الإحترام، وعدم نسيان بأن لكل إنسان كرامته ولا يجب عدم احترامه مهما كانت العلاقة متشنجة بين الاثنين.
- تدريب النفس على المسامحة وحب الآخر من دون شروط، وطبعاً هذه النقطة تتطلب الكثير من النضج العلائقي والعاطفي.
- «تحليل» الكره هل هو حقيقي أو خيالي؟ معرفة سبب الكره ولماذا لا يمكن أن نتحمل هذا الشخص؟
- البحث عن النقاط الإيجابية لهذا الشخص للتوقّف عن كرهه واستبدال الأفكار السلبية بالإيجابية.
- التصرّف بعدل وموضوعية تجاه أي شخص في المجتمع، لأنّ كل ما يطلبه الآخرون منك هو الاحترام والسلوك الإيجابي تجاهه.