من قعر جهنم إلى عطر السماء

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 29, 2021

ريما فرح - النهار

في الذكرى الأولى لفراقك، لن نستذكركِ جوسلين خويري، فأنتِ ما زلتِ تحتلين القلب وتجتاحين العقل، قلب كل من أحبكِ، وهم كثرٌ جداً جداً، وعقل من عرفك، فظفر بالكنز الذي تختزنينه عطاءً وبطولة ومحبة وأملاً وإيماناً... يا لك يا امرأة لو ترسمين على أمثالك ملايين النساء... وأيضاً ملايين الرجال...

في السنة الأولى من الفراق، يعزّ عليَّ أن أخاطبكِ من سجن جهنم الذي كنتِ تعرفينه بلبنان الوطن، هنا حيث نحن سأعدّد لك بعض الميزات: جشع وطمع وبطر، فساد وإفساد وانعدام دراية وجبن وخفة في المسؤولية، وموت بالمجان... جوع ومرض ولا علاج… قطعٌ للأوصال، وتنكرٌ وإنكار…الكلّ في حال هذيان...

الثورة فرّخت ثيران، نعم ثيران... والسيادة ترسخت بنيترات الأمونيوم في مرفأ ست الدنيا وأمّ الشرائع، والحرية تجسّدت أشلاء ضحايا سبحت في ذات رابع من آب في فضاء بيروت، وسطوح بيروت هوت بما حملت من بشر احترقت بلهب أكبر ثالث انفجار في العالم... الوحدة الوطنية رقصت وزغردت على حلبة غالون زيت مدعوم، وخرجت بعددٍ من الجرحى... والعيش المشتركُ يئنّ من امعاءٍ خاوية تلتحف سترات سماسرة مذاهبها، الدستور صار ميداناً لسباق الخيل، والقانون فوق (من كتر ما علّا طار...). الليرة في وحدة مسار ومصير مع شقيقتها في بلاد الشام، التغييرُ زالت ألوانه فبُهت وصار أشبه بالبضاعة البالية، والإصلاح غدا شعراً عند أعتاب البلاط، والعدل سقط على المداخل، وسيفه استبدل بالإزميل والمنشار... والمواقف الوطنية باتت تخجل من نفسها وتخجل بها المزابل المتربعة على جوانب الطرقات، والكهرباء استسلمت للشمس نهاراً ولضوء القمر في الليالي المقمرات، والمعاملات الرسمية تنتظر شحنة أوراق بردى التي لن تأتي لنخطّ عليها شهادة وفاتنا لنثبت أننا أموات.

جوسلين خويري عمَّ أخبركِ، فوالله لو تسألين الساكنين معك فوق ماذا ينتظرون أن يحلّ بنا بعد؟ نعم الساكنون معك فوق، فكل الديانات السماوية تؤكد ذلك، فوق... نعم فوق، حيث لا وجع ولا حزن ولا جوع ولا ألم... أبلغيهم واستحلفيهم بخالق الكون: أن صليبنا أنهك أكتافنا بعدما زادت أوزانه... فليخففوا الأوزان على كواهلنا قليلا، أبلغيهم أن حقوق المسيحيّين تترحم على ماضٍ مضى، وتبكي عهود الفراغ، قولي لهم إنه لم يعد بمقدورنا الإستمرار على سطح هذه البقعة من هذا الكوكب، أخبريهم الحقيقة أن لبناننا ليس قطعة سما ولا ع الأرض تاني ما إلا... وأن الكم أرزة من أرزنا مش عاجقين الكون أبداً وما حدا داري فينا، أصرخي بأعلى صوت أن حكامنا بنرجسيتهم الحاضرة والسابقة بالأمس وما قبل الأمس وما قبل قبل الأمس، قد حوّلونا إلى متسوّلين للمساعدات الإنسانية، اصرخي أننا لسنا كذلك، وأن من يقف طوابير على أبواب السفارات ليسوا فاقدي الوطنية، بل هم فاقدو الأمل وممتلئون بالكرامة والعزة... هم موجوعون وفاقدو الدواء... هم آباء وأمهات صالحات لكنهم فاقدو الحليب للأطفال... هؤلاء مؤمنون إلى حين تتبدل الآيات...

جوسلين خويري نعهدك بطلة، شجاعة، منتصرة دوماً للحق، كما عرفناك هنا وشهدنا لكِ، فليشهد هذه المرة كلّ من هم من أهل السماء أنك عطر هذا الليل التي تدافع عن لبنانها من فوق، كما دافعت عنه على الأرض رغم كل التضحيات... علّك من هناك تنقذين بصلواتكِ وبسلاحك الإيماني لبناننا وشعبه كما أنقذته ذات حقبة بسلاحك الماضي من مغتصبي حقوقه ومستبيحي سيادته وشرعيته ومتهددي أرواح أبنائه، ليشهد اليوم كل حيّ يرزق لك بالبسالة، كما شهدنا نحن في زمن عبر، أنك الريّسة التي لا منازع لها، وأنك لقادرة على فعل أي شيء... جوسلين خويري، أنت الريّسة المستحقة من دون منّة... لك تكبر التحية، وبكِ يليق الوفاء...