سام منسى- العبرة من مخرجات القمم الثلاث

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 21, 2021

لعل كثيرين في المنطقة أسرفوا في آمالهم بأن تكون قضاياها على طاولة المباحثات خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أوروبا الأسبوع الماضي، تحديداً على طاولة قمة الدول السبع وقمة الحلف الأطلسي، وطبعاً القمة الأميركية - الروسية في جنيف.
بعد مراجعة سريعة وأولية لمخرجات هذه القمم، تبين أن قضايا الإقليم بقيت على هامش اجتماعاتها وتركز الاهتمام على شجون أخرى، أولها ترميم العلاقات بين ضفتي الأطلسي، أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد التشظي الذي أصابها خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بما يدعم منظمة الناتو ويحصن الموقف الأميركي بخاصة والغربي بعامة تجاه روسيا والصين. فالوعي لمخاطر التمدد الروسي والصيني كان واضحاً هذه المرة، مع سعي أطلسي جدي لردعه أو أقله الحد منه سياسياً واقتصادياً وأمنياً. يضاف إلى ذلك محاور اهتمام أخرى كالتغيير المناخي والصحة والأوضاع الإنسانية، لا سيما بعد جائحة «كوفيد - 19».
هذا الواقع يقودنا إلى شبه يقين بأن مشاكل وأزمات وحتى حروب منطقة الشرق الأوسط ليست من الأولويات والهواجس الأميركية أولاً والأوروبية ثانياً، طالما تبقى منحصرة فيها، اللهم إلا من زاوية تداخلها مع تعزيز مصالح موسكو وبكين فيها. هذا الأمر يعزز قناعة بعض المراقبين لشؤون المنطقة بضرورة تصويب مفهوم وحدود علاقة واشنطن والغرب بعامة مع الإقليم، لا سيما مع حلفائهم نحو اتجاهات أكثر واقعية، والتعويل تالياً على القدرات الذاتية لدوله وقادتها في معالجة مشاكله، لأنه بات واضحاً أن الحلول لن تأتي سوى من الداخل. فترقب دول المنطقة لنتائج لقاءات الكبار لا يخدم مصالحها.
هذه المقدمة لا تعني طبعاً أن أميركا ستتخلى كلياً عن الإقليم بمشاكله وأزماته، إنما عدم الانسحاب ليس بسياسة ذات رؤية وديمومة، وسوف تستمر واشنطن في الدفاع عن حلفائها وحماية أمنهم واستقرارهم، من دون أن يعني ذلك عدم إقدامها على تسويات معقولة مع خصومها. وهذه سياسة أميركية معتمدة منذ عام 2008 إبان ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس بايدن يختلف عن فريق عمله ويتميّز بصلابة أكثر من معظم أفراد فريق العمل الذي يحيط به، حتى إن بعضهم في واشنطن وصفه بأنه «ترمب بتهذيب»، علماً بأن ترمب نفسه لم يقم بأعمال عسكرية أو سياسية تذكر في منطقة الشرق الأوسط التي كان لها تأثير عميق على مسار الأمور، باستثناء العقوبات القصوى على إيران التي لم تردعها عن المضي في سياستها النووية والتوسعية.
إذن يبدو اليوم وفي خضم هذه القمم التي انعقدت في أوروبا وعلى مشارف عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، كما هو مرجح على الرغم من كل الصعوبات التي تعترض ذلك، ينحو الحراك الأميركي باتجاه عدم الانسحاب الفجائي من المنطقة، وفي الوقت نفسه عدم الانخراط في مشاكلها والتدخل أو التورط بشؤونها بشكل مباشر.
صحيح أن واشنطن تعزز وجودها العسكري في الإقليم، وقد لاحظنا مؤخراً إرسالها تعزيزات إلى القواعد الأميركية إضافةً إلى بحر العرب، إنما تعزيز القدرات العسكرية، لا سيما البحرية والجوية التي تأتي في إطار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، هو للردع أكثر منه للهجوم، وليس بالضرورة للرد على اعتداءات محدودة يتعرض لها حلفاء واشنطن في المنطقة، لأن ذلك قد يسبب حروباً ونزاعات أكبر وأشد خطورة لا تريد خوضها.
هذه الوقائع تؤشر إلى أمرين؛ الأول أن الولايات المتحدة لا يحركها للتدخل سوى مستوى العنف وما قد يستتبعه على أمنها القومي وعلى الأمن الحيوي لحلفائها، والأمر الثاني أن التدخل الأميركي يأتي بعد المشكلة وليس قبلها، وذلك بهدف لجم تداعياتها أو حلها وتسويتها، كما حصل مؤخراً في حرب غزة 2021.
خلاصة ما تشي به نتائج هذه القمم، لا سيما فيما يعنينا مباشرة أي دور إيران وحلفائها التدخلي في شؤون المنطقة، أنه ينبغي ألا نأمل بضغوط أميركية وغربية مباشرة على روسيا والصين بهذا الشأن، وهما الدولتان الراعيتان لمحور إيران وتؤمنان لها الالتفاف على العقوبات والحصانة والحماية والعمق الاستراتيجي والاقتصادي. ولا بدّ في هذا السياق من متابعة العوامل التي تتحكّم بالسياسة الأميركية تجاه المنطقة وأبرزها:
أولاً العلاقة مع موسكو، وسمتها التوتر منذ زمن الاتحاد السوفياتي وحتى اليوم، تمر بحالات من الهدوء والتصعيد، وتصل إلى حدود قصوى من الاستفزاز ثم تعود لتهدأ على ضيم. هي علاقة بين أكبر دولتين نوويتين في العالم، وبالتالي هي علاقة خطيرة من جانب، ومن جانب آخر مرتبطة أساساً بحلفاء واشنطن الأوروبيين والأدوار الروسية في القارة الأوروبية بعامة.
العامل الثاني هو العلاقات الأميركية - الصينية وهي علاقات معقدة ومركبة ومتعددة الأوجه، قائمة على التهديد والتنافس الشرس والتعاون في آنٍ واحد، ويصعب على الولايات المتحدة أن تُدخل علاقاتها مع إيران أو علاقات بكين مع طهران في إطار تفاهماتها مع الصين.
العامل الثالث هو العلاقات الأميركية - الإسرائيلية التي لا تزال استراتيجية على الرغم من الشقوق التي تظهر بين البلدين في هذه المرحلة، لا سيما مع يسار الحزب الديمقراطي، ما قد يؤول إلى إمساك واشنطن بقرار الحرب والسلم. وفي السياق نفسه، تعاني إسرائيل راهناً من أزمات داخلية لم تشهدها سابقاً، وانعكس ذلك على التشكيلة الحكومية الجديدة والمتنافرة، كما على مستوى الرؤية الاستراتيجية وعلاقاتها مع الحليف الرئيسي واشنطن.
العامل الرابع هو العلاقات مع إيران؛ حيث من المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ما قد يسهل على حكام إيران أمورهم ويحسّن أوضاعهم، دون أن تسقط أميركا جهودها وضغوطها لاحتواء المشاكل التي تثيرها برامج الصواريخ الإيرانية والتمدد والتدخل في الدول العربية، ولكن دون تفاؤل يذكر.
يتبيّن إذن وكما ذكرنا في البداية، أن الأولويات الأميركية تبقى روسيا والصين، بينما الإطار السياسي الأميركي المتوقع للمنطقة هو الاحتواء وإدارة النزاعات أكثر منه حلها وتسويتها.
إن مشاكل الإقليم وللأسف الشديد بحاجة ملحة للتدخل الأميركي ولدور أكثر إيجابية وفاعلية، إنما التوقعات والآمال لا تتطابق مع ما تريده الولايات المتحدة للمنطقة ومستقبلها في المرحلة الحاضرة.
المحصلة أن الأدوار الرئيسية تعود إلى دول المنطقة ذاتها وإلى قادتها ومسؤوليها ونخبها وشعوبها لتقلع أشواكها بأيديها. ومن دون أن نسرف بالتشاؤم، لن تأتي الحلول على طبق من فضة، بل ستكون التسويات الناضجة وليدة مخاض موجع.