محلل إسرائيلي: الصراع في غزة مجرد مقطع دعائي لفيلم الكارثة الكامل في لبنان

  • شارك هذا الخبر
Sunday, June 20, 2021

نشر "معهد واشنطن" تحليلا للعميد الإسرائيلي المتقاعد أساف أوريون، وهو الرئيس السابق لـ "القسم الاستراتيجي" في "مديرية التخطيط" في هيئة الأركان العامة لـ "الجيش الإسرائيلي"، جاء فيه:

كان الصراع الأخير في قطتاع غزّة مجرد حلقة أخرى في سلسلة المواجهات بين إسرائيل وحلفاء إيران، بدءً من حرب لبنان عام 2006 وحتى نزاعات غزة في الأعوام 2008 و 2012 و 2014. وفي أعقاب كل جولة من هذه المواجهات، تستخلص جميع الأطراف دروساً وتحسينات لاستخدامها في الجولة التالية حتى لو لم تشارك بشكل مباشر في القتال الذي سبق.

وفي هذا الصدد، تحدث رئيس هيئة الأركان العامة لـ "الجيش الإسرائيلي"، أفيف كوخافي، عن هذه البيئة العملياتية التي لا تزال ناشئة في خطاب ألقاه في كانون الثاني/يناير الماضي، حيث أكّد كيف أن "جيوش الإرهاب" التي تضم عشرات الآلاف من الأفراد، ووحدات قتالية كبيرة، وأسلحة عسكرية عادية تعمل على نحو متزايد في الأماكن الحضرية المأهولة بالسكان. ومن خلال توجيه نيرانها بشكل علني نحو المدنيين الإسرائيليين، تنخرط هذه "الجيوش" في أعمال إرهابية واسعة النطاق. كما أن التهديد الأكبر الذي تشكّله هو الحجم المتزايد للصواريخ الباليستية والقذائف ذات الرؤوس الحربية الأثقل التي تملكها ودقتها المحسنة، على الرغم من استخدام هذه "الجيوش" أيضاً صواريخ "كروز" متقدمة وامتلاكها قدرات كبيرة من الحرب الإلكترونية والسيبرانية. وأشار كوخافي إلى أنه في العقد الماضي، قام كل من «حزب الله» و «حماس» ببناء قوات هدفها مداهمة الأراضي الإسرائيلية. وتشكل عقيدتهما العسكرية، مجتمعة، انتهاكاً واضحاً مع سابق تخطيط للقانون الدولي.

ورداً على هذه العقيدة، قال كوخافي إن على "الجيش الإسرائيلي" "فضح [العدو] على نطاق واسع، وضربه على نطاق واسع، وتدميره على نطاق واسع". وتشكل الاستخبارات العملياتية وقدرات الضربات الدقيقة الهائلة إجابات "الجيش الإسرائيلي" على إخفاء العدو لأسلحته وعدم مركزيتها. ومن وجهة نظره، فإن القيم الأساسية لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي" والقوانين الدولية المتعلقة بالنزاع المسلح متواجدة ليس فقط لحماية غير المقاتلين من الجانب الآخر فحسب، بل لمساعدة "الجيش الإسرائيلي" في حماية المدنيين الإسرائيليين أيضاً. وتُمكّن الاستخبارات الدقيقة "الجيش الإسرائيلي" من ضرب أهداف عسكرية وفقاً لمبدأ التمييز. وعندما يتم تنفيذ مثل هذه الضربات على نطاق واسع، فإنها تكون أكثر فاعلية في تقليل الخطر على سكان إسرائيل، وفقاً لمبدأ التناسب.

ويُعد تقليل الأضرار الجانبية عند ضرب هدف عسكري للعدو أمراً مهماً، ومع ذلك جادل كوخافي أيضاً بأن هذا الحساب يجب موازنته مقابل الضرر المحتمل الذي تم منعه في إسرائيل. وأشار إلى أن جهود «حزب الله» في لبنان لإضفاء اللامركزية وتفريق قواته بين السكان خلقت بيئة يكون فيها "كل منزل خامس هدفاً عسكرياً". وينطبق الشيء نفسه على غزة والجبهات الأخرى. ووفقاً لذلك، حث كوخافي المدنيين المحليين الذين يعيشون عن معرفة بين الأهداف العسكرية على المغادرة بمجرد تصاعد التوترات من أجل تقليل الخطر الذي سيواجهونه في حالة اندلاع صراع.

وعلى الجبهة الداخلية، ذكّر كوخافي المستمعين أنه في زمن الحرب، ستستمر العديد من الصواريخ في ضرب أهدافها في إسرائيل على الرغم من كل جهود "الجيش الإسرائيلي" على عكس ذلك. وبالنظر إلى ضرورات القانون الدولي والقيم الوطنية، ليس لدى إسرائيل سُبل معقولة للتخفيف من هذا التهديد بخلاف عقيدتها الحالية الموضحة أعلاه.

ومع ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي البدائل الواقعية للجيش الإسرائيلي إذا اندلعت حرب أوسع نطاقاً؟ في ظل نيران العدو الكثيفة والمستمرة، فإن الاعتماد على العمليات الدفاعية وحدها من شأنه أن يستنزف بسرعة الصواريخ الاعتراضية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في الإصابات والأضرار في الداخل. وسيحتاج "الجيش الإسرائيلي"، عاجلاً وليس آجلاً، إلى استخدام وسائل هجومية لتقليل تهديد العدو. ولا تستطيع الضربات الجوية وحدها أن تقمع نيران العدو الثقيلة بشكل كافٍ، مما يجعل المناورات الأرضية والأعداد الأكبر بكثير لضحاياها أمراً لا مفر منه. وفي النهاية، فإن الطريقة الأكثر فاعلية لتخفيض قذائف النيران على إسرائيل هي تقليل أيام الإطلاق - بعبارة أخرى، البحث عن أقصر صراع من خلال عمليات عالية الكثافة، ومتزامنة بدلاً من الجهود المرحلية.

وكما تعلم جيداً معظم الجيوش الغربية التي تُشارك قيم "الجيش الإسرائيلي" والتزاماته القانونية، فإن العقيدة التي وصفها كوخافي هي حالياً الأقل سوءاً من بين العديد من الخيارات السيئة. ولا شك في أنه سيتم اختبار هذه العقيدة مجدداً، ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً، حيث أن ترسانة «حزب الله» هي أكبر بعشر مرات من ترسانة «حماس» وقواتها المقاتلة أقوى بكثير. و ربما كان الصراع في غزة مجرد مقطع دعائي لفيلم الكارثة الكامل الذي ينتظر الطرفين في لبنان. على سبيل المثال، أطلق مسلحو غزة حوالي 400 صاروخ يومياً على إسرائيل في هذه الجولة من القتال، لكن «حزب الله» يمكن أن يتحمل إطلاق خمسة إلى عشرة أضعاف من هذا العدد باستخدامه أسلحة أثقل وأكثر دقة. وفي الوقت نفسه، يستطيع "الجيش الإسرائيلي" تنفيذ ما لا يقل عن اثني عشر مرة من الضربات اليومية أكثر من حصيلة ضرباته على غزة بحوالي 150 ضربة في اليوم، وربما يصيب آلاف الأهداف يومياً في حرب لبنان. ويمكن أن تؤدي أرقام الضربات الجماعية هذه إلى وقوع آلاف القتلى، خاصة وأن حجم لبنان والشدة المتوقعة للصراع ستجعلان من الصعب على "الجيش الإسرائيلي" ممارسة نفس تدابير التخفيف الجانبية التي استخدمها على نطاق واسع في غزة.

وبدلاً من تجنب مثل هذه الكارثة، يبدو أن محور المقاومة غالباً ما يكون عازماً على تسهيلها. ووفقاً لإبراهيم الأمين، أحد المقربين من زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، شارك ضباط من الحزب اللبناني نظراءهم من «حماس» في مركز عمليات في بيروت خلال صراع الشهر الماضي، وساعدوهم على تنسيق تحركاتهم، وزوّدوهم بدعم استخباراتي، ومراقبة تحركات العدو. وقام قائد «فيلق القدس» الإيراني إسماعيل قاآني بنفسه بزيارة هذا المركز مرتين خلال أيام القتال الأحد عشر. وبعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، انضم «حزب الله» وإيران والحوثيون اليمنيون إلى «حماس» و«الجهاد الإسلامي في فلسطين» للتهديد بأن "الانتهاك" القادم في القدس سيؤدي إلى حرب أوسع في المنطقة ضد إسرائيل (على سبيل المثال، عرض نصر الله هذه الرسالة في خطاب ألقاه في 8 حزيران/يونيو) .

وبما أن مثل هذا الخطاب العدائي أصبح أحياناً نبوءة تُحقق ذاتها لجماعات "المقاومة"، وبما أن غزة لا تزال ضمن دائرة خطر التصعيد مجدداً، فلا يمكن استبعاد اندلاع صراعات إضافية في القطاع أو لبنان أو أي جبهات أخرى. ولمنع هذه الصراعات وما يصاحبها من دمار بشري، سيتعين على كافة الأطراف مواجهة واقع أن تحضير القيادات العليا عن قصد لساحات معارك حضرية ذات كثافة سكانية قد أصبح الاستراتيجية الرئيسية التي تمارسها إيران ووكلاؤها. وعند البدء بإطلاق الصواريخ، سيكون قد فات الأوان.


معهد واشنطن