د. إيلي جرجي الياس- هل انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا، خلال أيّار١٩٤٥؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, June 19, 2021

سلسلة مقالات عن الحروب العالمية والباردة - المقالة الثانية،
د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ


لن يكون بعيداً عن حراك الذئاب المنفردة في ألمانيا، أو المقاومة الكرواتية العنيدة، أو الثورة الأوكرانية المتواصلة، أو صمود برلين بوجه الحصار السوفياتي ١٩٤٨-١٩٤٩ بدعمٍ من الولايات المتّحدة والحلفاء الغربيين، وصولاً إلى إعلان دولة ألمانيا الغربية المدعومة من الغرب ودولة ألمانيا الشرقية المدعومة من السوفيات سنة ١٩٤٩، وانطلاقة الحرب الباردة الأولى ١٩٤٧-١٩٩١... كبير الاستخباريين الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، رئيس وحدة الاستخبارات الخاصة لمكافحة الشيوعية ١٩٤٢-١٩٤٥، الجنرال راينهارد غيهلن، والذي تحوّل في إطار صفقة غامضة، إلى خدمة الأميركيين فشكّل أكبر ثروة أمنية واستخبارية لهم لإدراكه تفاصيل خطيرة حول المجال السوفياتيّ، هو وعالم الصواريخ المتفوّق فيرنر فون براون: الذي أنتج الصواريخ البعيدة المدى لمصلحة أدولف هتلر، وسيوصل الأميركيين إلى القمر لاحقاً... وعبر مساهمته في تأسيس المخابرات المركزية الأميركية سي أي إيه، وقيادته لمنظمة غيهلن بين أوروبا والولايات المتّحدة ١٩٤٦-١٩٥٦، ثمّ كأوّل رئيس لجهاز الاستخبارات الفيدراليّ في ألمانيا الغربية ١٩٥٦-١٩٦٨، وضع راينهارد غيهلن طاقته الاستخبارية القصوى وعلاقاته الاستثنائية بتصرف الأميركيين، منسّقاً مع زعيم المعارضة الأوكرانية ستيبان بانديرا، وقائد إلأوستاشي التاريخيّ أنتي بافليتش، ومعارضي الشيوعية عبر أوروبا، كما والقادة النازيين السابقين الناجين في أوروبا وأميركا الجنوبية... ولقد كانت الحرب الباردة على مدى القارة الأوروبية، حرباً استخبارية خطيرة بامتياز!!

الحرب العالمية الأولى، إلى ما انتهت إليه، لم تنه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا، بل على ضوء معاهدة فرساي ومعاملة المنتصرين وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، لألمانيا وهي المهزومة في الحرب، بفوقية وعناد... مهّدت للحرب العالمية الثانية التي ستكون أقسى وأعتى الحروب على الإطلاق، دماراً وضحايا ومفقودين ومصابين، وتداعيات اقتصادية وديموغرافية... لكنّ الحرب العالمية الثانية بدورها، على ضوء عدم التفاهم وعدم الانسجام بين المعسكرين الشرقيّ بقيادة الاتحاد السوفياتي والغربيّ بقيادة الولايات المتّحدة الاميركية، ستمهّد للحرب الباردة الأولى ١٩٤٧-١٩٩١... وستكون الحرب الباردة الأولى استخبارية وأمنية في المجال الأوروبيّ وشديدة التعقيد حكماً، بينما ستكون عسكرية في بعض دول العالم الثالث بالوكالة عن الجبّارين الأميركيّ والسوفياتيّ...

هل انتهت التجربة الفاشية - النازية مع نهاية الحرب العالمية الثانية؟ بالرغم من الهزيمة النازية الألمانية القاسية، والخسارة الفاشية الإيطالية الحاسمة، إلّا أنّ النظام الفاشيّ في إسبانيا بقيادة الرئيس الكاوديو الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والذي لم يدخل الحرب مباشرةً، ظلّ صامداً، مع وجود رغبة أميركية وغربية بالتضييق عليه دون الاضطرار إلى الانجرار إلى حربٍ جديدة في أوروبا... وكانت المرحلة الممتدّة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة ١٩٤٥-١٩٤٧ الأصعب على هذا النظام، حيث حاول السوفيات بشتّى الوسائل الاستخبارية، من حيث إثارة خلايا المعارضة الشيوعية واليسارية للنظام في الداخل والخارج، زعزعة دعائمه، ولكن دون جدوى... يسجّل للنظام الفرانكويّ الإسبانيّ صموده التاريخيّ، بدعمٍ فاتيكانيّ... ومع دخول الحرب الباردة في مسار صراعٍ حادّ بين الجبّارين الأميركيّ والسوفياتيّ، تحقّق التقارب بين الاميركيين والإسبان، منذ نهاية خمسينات القرن العشرين، وباتت إسبانيا ركناً أساسياّ في المعسكر الغربيّ، خلال الحرب الباردة...

لقد أحكم الاتحاد السوفياتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قبضته الحديدية على دول المعسكر الشرقيّ، كما على المنظومة الشيوعية عبر العالم، وجعل هذه الدول تنتظم في حلف وارسو... بينما اعتمدت الولايات المتّحدة الأميركية، على أقصى قدراتها الاستيعابية والاقتصادية، ومشروع مارشال بشكلٍ خاصّ، لدعم ألمانيا الغربية، لتكون حليفاً أساسياً لها... كما جعلت الدول المتحالفة معها تنتظم في حلف شمال الأطلسي، الذي مثّل المعسكر الغربيّ في مواجهة حلف وارسو... كانت مهمّة الولايات المتّحدة أكثر صعوبة ودقّة، لتنظيم العلاقات في المعسكر الغربيّ بين الأقوياء: بريطانيا وفرنسا، ولاحقاً ألمانيا الغربية وإسبانيا...

وهكذا رغم ضراوة وقساوة الحرب العالمية الثانية، وما خلّفت من ضحايا ومفقودين وجرحى ودمار وعذاب واضطهادات وتداعيات رهيبة على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاستخبارية والاجتماعية والاقتصادية والصحية... فالقائمون على السياسة الدولية - وهم المنتصرون في هذه الحرب - وكأنّهم لم يتّعظوا، فالسلام العالميّ لم يعمّ الكوكب، وإنشاء الأمم المتّحدة لم يحلّ الأزمات... فسرعان ما انبثقت الحرب الباردة الأولى (1947 - 1991)!!