د. إيلي جرجي الياس - ٤٠ عاماً على محاولة اغتيال البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني: أبعاد استراتيجية ومفاجأت تاريخية!!

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 13, 2021




٤٠ عاماً مرّت على محاولة اغتيال البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني في ١٣ أيار ١٩٨١ في ساحة القدّيس بطرس في قلب الفاتيكان، في يوم عزيزٍ غالٍ على قلب البابا نفسه: الذكرى السنوية لظهور العذراء والدة المخلّص، عذراء فاطيما... ليست محاولة اغتيالٍ فحسب، بل اغتيال كامل، أبطلته يد العذراء، كما شهد البابا القدّيس على ذلك!! وبعد، ثمّة أبعاد استراتيجية ومفاجأت تاريخية، في خضمّ هذه الحادثة المحورية الأليمة، في التاريخ الحديث والمُعاصر...
"بعد فترة من محاولة اغتيال غامضة تعرض لها الرئيس الأميركي رونالد ريغان (٢٠ كانون الثاني ١٩٨١ - ٢٠ كانون الثاني ١٩٨٩)، المناهض بشدّة للشيوعية في ٣٠ آذار ١٩٨١ أمام فندق الهيلتون في واشنطن، على يد جون هينكلي جونيور الذي أُودع لاحقاً في مصحّة للأمراض العقلية لعلاجه، تعرّض قداسة البابا يوحنا بولس الثاني القديس (١٦ تشرين الأول ١٩٧٨ - ٢ نيسان ٢٠٠٥)، وهو رأس المعارضة ضدّ الشيوعية والأنظمة التوتاليتارية، لمحاولة اغتيال قاسية في ١٣ أيار ١٩٨١ في ساحة القديس بطرس في الذكرى السنوية لظهور العذراء في فاطيما في البرتغال، على يد مسلح تركي هو محمد علي أقجا!! عزا البابا الداعم لزعيم المعارضة ضدّ الشيوعية في موطنه الأصليّ بولونيا ليش فاليسا، إنقاذه لعذراء فاطيما التي تدخلت لمصلحته ولعل سرّ من أسرار فاطيما قد تحقّق!! اعتبر البابا فويتيوا أنه نجا من الموت بشفاعة العذراء سيدة فاطمة، قام بثلاث زيارات إلى مزارها في البرتغال، في العام ١٩٨٢، أي بعد عام على محاولة الاغتيال، ثم في العامين ١٩٩١ و٢٠٠٠. وقرر أن توضع الرصاصة التي استخرجت من جسده في تاجها، وبعد سنتين ونصف السنة على الحادث توجه البابا يوحنا بولس الثاني إلى سجن ريبيبيا بروما حيث كان علي أقجا قابعاً، حيث أجرى لقاء مطولاً مع الرجل الذي حاول قتله!! وفي آذار ٢٠٠٦ توصلت لجنة برلمانية إيطالية شكلها سيلفيو برلسكوني لإعادة التحقيق في الحادث، إلى خلاصة أنّ الاتحاد السوفياتي كان وراء محاولة الاغتيال، وهذا ما يؤكد فرضية المخابرات المركزية الأميركية سابقاً. وأصدرت إيطاليا عفواً عن أقجا عام ٢٠٠٠ وسلمته لتركيا حيث سجن بتهمة قتل صحفي عام ١٩٧٩ وجرائم أخرى وأفرج عنه عام ٢٠١٠. وظلت محاولة اغتيال البابا يوحنا الذي توفي عام ٢٠٠٥ محاطة بتساؤلات حول وجود شخص أو جهة ربما تكون دبرتها. وقالت لجنة تحقيق برلمانية إيطالية في عام ٢٠٠٦ أنه لا يوجد مجال للشك بأن المحاولة دبرها زعماء الاتحاد السوفياتي السابق. لعلّها العملية الأجرأ والأخطر في تاريخ الاستخبارات السوفياتية، كان يوحنا بولس الثاني قد ذهب إلى السجن ليقول لعلي أقجا مجدداً أنه غفر له ولإعطاء معنى لمبادرة المحبة المسيحية... ولم ينس من هذه المقابلة محطتين. أولاً وهو أمر أحزنه حتى نهاية حياته وهو أنه لم يسمع علي أقجا يطلب الصفح أبداً. لماذا لم تمت؟... ثاني محطات المقابلة التي لم ينسها والتي لزمت قلبه كالجرح وجعلته في بعض النواحي يفهم من كان القاتل ومن خطط لذلك. وكتب في الذاكرة والهوية، كتابه الأخير: إن علي أقجا، كما يقول الجميع، قاتل محترف، وهذا يعني أن محاولة الاغتيال لم تكن نتاج مبادرته الفردية، بل خطط لها شخص آخر، كلفه أيضاً شخص آخر... ولم يضف فويتيالا المزيد. قبل بضع سنوات، كتب الكاردينال ستانيسلو دزيويز، الذي كان سكرتيراً خاصاً للبابا يوحنا بولس الثاني: كيف يمكننا أن لا نفكر بالعالم الشيوعي؟ كيف لا نصل، ونحن نفتش عمن قرر عملية الاغتيال، كيف لا نصل، على الأقل افتراضياً، إلى جهاز المخابرات السوفياتي. لقد التقيت في الأيام الأخيرة الكاردينال دزيويز. قال : كانوا يريدون خنق الصحوة البولندية. لو صحت الفرضية كاملة، فهي خطوة شديدة التهور تُعزى إلى يوري آندروبوف، ربما دون علم ليونيد بريجنيف المريض، وكانت لتكون تداعياتها أكثر تأثيراً على السياسة الدولية، لولا أنّ العناية الإلهية أنقذت البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني!" (١)
رجل المحبّة البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني، أعاد التأكيد على جوهر تعاليم المخلّص يسوع المسيح، أنّ الله محبّة، كما أشار إلى ذلك القدّيس أغوسطينوس. وبين جرأة يوري أندروبوف في خطواته الاستخبارية المتهورة، وتمسّك البابا يوحنا بمفاهيم السلام والعدالة والغفران، انهار الاتحاد السوفياتي بعد محاولة اغتيال البابا القدّيس بعشر سنوات، وأطلّت روسيا الاتحادية المسكونة بالقيم المسيحية التاريخية، وبعد ذلك بزعامة الرئيس القيصر فلاديمير بوتين، الذي عرف كيف يوجّه إلى البابا نفسه تحيّة تقديرٍ علنيّ واعتذارٍ وجدانيّ!!
(١) د. إيلي جرجي الياس: الحرب الباردة تمتدّ والمواجهات الاستخبارية تشتدّ (١٩٧٥ - ١٩٩٠) ، الدراسات الأمنية والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية، فصلية تصدر عن مجلة الأمن، العدد ٨٦، نيسان ٢٠٢١، ص ١٤٠، ١٤١.