العميد المتقاعد طوني مخايل- مسلسل العدوان

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 13, 2021

كتب العميد المتقاعد طوني مخايل:

إضافةً الى العقيدة الصهيونية التي تُركز على القوة والقتال لتحقيق الأهداف عاشت إسرائيل منذ قيامها في ظل ظروف عسكرية غير مستقرة وضمن محيط جغرافي يتهدد وجودها وهذا ما أعطى مؤسستها العسكرية تأثيراً مميزاً في تحديد السياسات والاهداف العليا للدولة بخلاف كل الدول الديموقراطية البرلمانية التي تقوم مؤسساتها الدستورية المدنية بذلك، وتنامى دور هذه المؤسسة ضمن السلطة السياسية للكيان الإسرائيلي حتى قيل في الماضي "ان إسرائيل جيش له دولة وليست دولة لها جيش" ونتج عن ذلك حُكماً تنامي طموح ونفوذ الضباط الكبار لترسيخ هذا المناخ المضطرب والسعي الى تبؤ مناصب سياسية وحزبية بعد التقاعد*.

تُعتبر المنطقة الرمادية التي يعيشها الكيان الصهيوني خاصة بعد إتفاقية السلام مع مصر عام ١٩٧٨ بمثابة الحالة المثالية لزيادة السيطرة والسلطة للمنظومة العسكرية الإسرائيلية وشجعتها على الاستثمار فيها عبر خلق حالة من لا حرب شاملة ولا سلام عادل ونهائي، فالحرب الشاملة حتى لو إنتهت بالإنتصار ستُضعف من أهمية الجيش والحاجة اليه وأيضاً تأثيره على السلطة السياسية وهذه المعادلة يُمكن إسقاطها على حالة السلام الدائم المبني على إقامة دولتين، وقد سعت السلطة السياسية ومن خلفها البصمات القوية للمنظومة العسكرية لجعل هذا الجو من اللاإستقرار السياسي والعسكري مسار واقعي وعملي تتعامل من خلاله مع أعدائها وخاصة الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، ومن العوامل التي ساعدت على إمكانية تبني سياسة اللاحلول النهائية هو زوال الخطر الوجودي لإسرائيل بعد توقيعها اتفاقية سلام مع كل من مصر ١٩٧٨ والأردن ١٩٩٤ والأوضاع الداخلية لسوريا وعمليات التطبيع مع بعض الدول العربية.

هذا هو الإطار العام للاستراتيجية العليا للكيان الصهيوني ومن ضمن هذا الإطار تتحرك السلطة الإسرائيلية وتستغل كافة التطورات والاحداث السياسية والعسكرية-الأمنية التي تجري داخلها أو في محيطها الخارجي الإقليمي والدولي تحقيقاً لاهداف هذه الاستراتيجية، ومن هذا المفهوم أعطت المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وايران حول الملف النووي وعدم استعداد هذه الأخيرة مع حلفائها للدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل منعاً لعرقلة هذه المفاوضات والأزمة السياسية الداخلية لنتنياهو في عدم قدرته على تأليف حكومة للمرة الرابعة كذريعة مثالية لتعزيز الأهداف العليا أي خلق حالة من الإضطراب واللاإستقرار ومن هنا جاءت شرارة المسجد الأقصى والعدوان على غزة وشعبها والذي لن يُغير شيئاً في الستاتيكو القائم منذ سنوات وسيتكرر السيناريو نفسه: قصف متبادل، سقوط ضحايا، تدمير ممتلكات، إستنكارات إعلامية ومن بعدها تدخل اطراف إقليمية ودولية على خط التهدئة ووقف اطلاق النار لتستعيد من بعدها الحياة طبيعتها في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة بإنتظار جولة جديدة من المواجهات العسكرية والبرهان على هذا المسار الرمادي يُمكن ان يؤكده مجرى ونوعية الاحداث التي جرت على ارض فلسطين منذ نهاية السبعينات.

*تدل الإحصاءات ان ما يزيد على ٢٠٪‏ من كبار الضباط المتقاعدين يتجهون الى العمل السياسي.