مسرحية التدقيق للتعطيل الجنائي... بقلم المحامي فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 17, 2021

في العام ٢٠٠٥، عندما كانت مديونية لبنان ٣٣ مليار دولار، وازاء الفساد والسرقات الحاصلة والمستشرية، اندفع الناخبون الى صناديق الاقتراع يؤيدون تيار الاصلاح والتغيير كعربون ثقة وأمل بهذا الفريق الذي أغدق الوعود ببناء المؤسسات والمحاسبة ووقْفِ السرقات واستعادة الاموال المنهوبة.
وقد كان التدقيق الجنائي بنداً اولاً في وعود ومشاريع التيار البرتقالي الانتخابية.
دخل البرتقاليون جنة الحكم في العام ٢٠٠٥، وحصدوا كتلاً نيابية وازنة، اقترنت بتحالفات سياسية وانتخابية فاعلة، أهلتهم لتولي الوزارات والادارات والتحكم بمؤسسات ومواقع مختلفة في الدولة لمدة تفوق الخمسة عشر عاماً، وقد كان لافتاً سكوت التيار، طوال هذه الفترة، واهماله كل حديث عن التدقيق.
علماً بأن التيار سبق له، ولحقبات طويلة، أن تولى وزارة العدل، رأس النيابات العامة المولجة بملاحقة المجرمين، كما تولى وزارة لمكافحة الفساد والتي عاد وألغاها، ورغم ذلك لم نر اي تدقيق او حتى تحريك لملفات فساد.
ودون ان ننسى اننا في دولة تعرف وفرة من القوانين الصالحة للمحاسبة، وما يؤكد ذلك دخول عدد من الوزراء والنواب وكبار الموظفين، في السابق، الى السجن بجرائم فساد، وذلك بالاستناد الى القوانين الموجودة أصلاً.
ومع العلم أيضاً، بأن التيار البرتقالي، عرف فترات من الودّ والغزل مع عدد كبير من القوى السياسية المختلفة، الأمر الذي كان يمكن الاستفادة منه لتمرير قانون التدقيق الجنائي، فيما لو كان التيار فعلاً يرى من الضرورة اقراره وتطبيقه.
والسؤال لماذا يطرح التيار الوطني الحر اليوم مشروع قانون التدقيق الجنائي ويهلل ويطبّل له؟
لماذا اطلق هذا المشروع بعد ان انهارت البلاد واستولت المصارف على مدخرات المودعين وتجاوز الدين العام ال /١٠٠/ مليار دولار وشارف اللبنانيون على الفناء وانقطع كل تواصل او تفاهم بين القوى الحاكمة في البلد؟
لا شك ان هذا المشروع، غير الجدي والذي يتطلب جملة من الشروط يستحيل تطبيقها، على الاقل في المدى المنظور، من تعديل الدستور واقرار سلسلة قوانين ومراسيم، الى انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الى ما هنالك من شروط وقيود تعجيزية، انما له حقيقة عدة أبعاد ومرامي.
أولاً- إن مشروع التدقيق الجنائي لا يعدو كونه بنداً يتيماً ضمن جردة حساب هزيلة مفادها "حاولنا وما خلونا" تنطلي على المناصرين الذين ما يزالون يصفقون للتيار البرتقالي، متجاهلين مبدأ جوهري مفاده أن السلطة التي تتحقق بالوعود لا يمكن المحافظة عليها الا بالنتائج.
ثانياً-محاولة اقناع البعض، في الداخل والخارج، بأن هذا المشروع هو من صُلب أهداف التيار وبأنه بند اساس في خطة عمل المرشح التياري المقبل لرئاسة الجمهورية.
والواقع ان مشروع التدقيق الجنائي ليس الا استعادة لوعود ما قبل العام ٢٠٠٥ التي دغدغت المشاعر واعطت التيار ثقة شعبية عارمة، ويحاول التيار اليوم تكرار هذه التجربة المربحة.
ثالثاً-التهويل على الحلفاء والخصوم بالرغبة بقلب الطاولة بوجه الجميع على قاعدة "عليَّ وعلى أعدائي" والضغط على الفرقاء السياسيين ووضعهم امام أحد الخيارين : إما التفاوض مع التيار واسترضاءه في مختلف المواضيع، بما فيها الانتخابات الرئاسية المقبلة، كأساس للعودة الى بازار توزيع المكاسب والمغانم عبر تسوية شبيهة بتسوية السلاح مقابل الفساد، وإما الصراخ والضجيج والتلويح بفضح المفضوح من السرقات وعمليات نهب المال العام التي تطال جميع القوى دون استثناء.
في المحصّلة، من الواضح أنه، وللأسف، لا رغبة لدى التيار البرتقالي بالوصول الى محاسبة حقيقية وفاعلة تجتث الفساد وتحاسب الفاسدين، انما في الواقع مشروع التدقيق الجنائي ليس الا اداة تعطيلية لمؤسسات وسلطات معطَلَة أصلاً ولا تهدف هذه الاداة الا لتكريس مقولة "أنا أو لا أحد".