دوللي بشعلاني - لماذا لا يتمّ نشر التقرير البريطاني عن حدود لبنان البحرية وأين «الكتاب الأبيض» الخاص بالمفاوضات ؟!

  • شارك هذا الخبر
Sunday, April 11, 2021


حسناً فعل مجلس الوزراء المستقيل أن اجتمع أخيراً بعد مناشدات عديدة من أكاديميين وخبراء في قضايا الحدود والمياه، ومن وسائل إعلامية من بينها جريدة «الديار»، ورفع عريضة وقّع عليها 3400 لبناني من رجال الأعمال والمثقّفين في الداخل والخارج لمناقشة موضوع الحدود البحرية وتعديل المرسوم 6433. هذا التعديل الذي من شأنه حفظ حقّ لبنان في مساحة الـ 2290 كلم2 في المنطقة الإقتصادية الخالصة الجنوبية، من وجهة نظره، بحسب الإحداثيات الجديدة التي رسمتها قيادة الجيش. ولكن هل يكفي تعديل المرسوم من وجهة نظر آحادية، أم على لبنان القيام بخطوات ثابتة أخرى تحفظ له حقوقه في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له؟!

وتأمل أوساط ديبلوماسية مطّلعة ألا يكون هذا الاجتماع كـ «إبرة المورفين» من دون علاج فعلي وجدّي للمرسوم 6433، سيما أنّ وزير الاشغال العامّة ميشال نجّار قد استمهل المجلس لدراسة مشروع المرسوم المرفوع من قبل وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر التي قامت بتبنّيه بعد أن قدّم وفد من الجيش اللبناني شرحاً مفصّلاً حوله، بالسرعة القصوى بالتنسيق مع قيادة الجيش تمهيداً لاستكمال الملف وتوقيعه من قبل وزيري الدفاع والأشغال. فالمرسوم 6433 ينصّ على حدود المناطق البحرية الإقتصادية للبنان مع سوريا شمالاً، وقبرص غرباً والأراضي الفلسطينية المحتلّة جنوباً، فهل ستشمل الإحداثيات الجديدة هذه الحدود سيما أنّ للبنان نزاعات وتداخلات مع كلّ من هذه الجهات الثلاث؟!

وطرحت أسئلة عديدة حول مسار تعديل المرسوم 6433، لافتة الى أنّه لا بدّ من ذكر أسماء الأشخاص الذين سيرسمون الإحداثيات الجديدة لأنّ هؤلاء سيتحمّلون المسؤولية في المحصّلة النهائية. فإلامَ استندوا في ترسيمهم، والى أي خرائط أو تقارير؟ هل الى التقرير البريطاني؟ أم أنّ لبنان قد استعان بخبراء أجانب؟ هل كانوا ضبّاطاً عسكريين أم خبراء بريطانيين؟ وهل هؤلاء كانوا حياديين في الترسيم أم منحازين لجهة دون الأخرى؟! وإذا جرى الأخذ بالتقرير البريطاني الذي قامت به مؤسسة رسمية هي «الهيدروغرافيك سنتر»، لماذا لم يتمّ نشر تقريرها الرسمي لمناقشته، سيما أنّ ترسيم الحدود هو قرار سيادي وليس تقنيّاً فقط؟ قد يكون تمّ إرسال نسخاً منه لكلّ من الرئاسات الثلاث لقراءته والإطلاع على مضمونه. ولكن بما أنّه ليس تقريراً سريّاً، فلماذا لا يُنشر ليبني الناس عليه رأيهم، سيما أنّ القرار في نهاية الأمر للشعب اللبناني.

وأشادت الأوساط عينها بسعي مجلس الوزراء الحالي برئاسة دياب الذي اجتمع لمناقشة اقتراح تعديل المرسوم 6433 بهدف حفظ حقّ لبنان في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له. لكنّها لفتت الى أنّه على موقف لبنان أن يكون واحداً موحّداً. لهذا كان على لبنان أن يُجري مفاوضات ثنائية مع سوريا (من أجل مساحة الـ 750 كلم2 المتداخلة بين البلدين)، كما مع قبرص للتوافق على الحدود قبل إرسال الإحداثيات الجديدة. والموقف الموحّد ينطبق على تعديل الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة لكي نقطع الطريق أمام كلّ من يريد الإستيلاء على جزء من ثروة لبنان النفطية.

وذكرت أنّ الترسيم مع هذه الجهات الثلاث هو عمل معقّد ومشترك ومتعدّد الوجوه ولا يتعلّق بضابط أو باثنين أو بشركة بريطانية ترسّم حدودنا ثمّ نوافق على أحد اقتراحاتها أو أفضل الإقتراحات من دون أن نعلم مصلحة أي من الدول أخذتها هذه الشركة بالاعتبار. فالحدود يُحدّدها الخبراء وفق دراسة الخرائط ورسم متغيّرات الشاطىء ويصلون هذه النقاط بعضها ببعض. ولهذا تتساءل الأوساط المذكورة عن مصلحة الخبراء الأجانب الموكلين بالترسيم، وإذا ما كانت تصبّ فعلاً لمصلحة لبنان؟ فمثلاً، من أين أتت الخرائط التي تظهر التداخل في المناطق البحرية الإقتصادية بين لبنان، وقبرص، وسوريا، وفلسطين المحتلة؟ هل رسمتها دوائر الأمم المتحدة؟ هل قدّمت كلاً من سوريا وقبرص خرائط إحداثياتهما الأصلية إلى لبنان... أما أنّهما اكتفيا بإعطائهما إلى الأمم المتحدة؟ ومن ثم قامت الأمم المتحدة بإعادة رسمهما بالمقارنة مع إحدثيات الخرائط اللبنانية؟

وتقول الأوساط نفسها أنّ لبنان إذا مضى في تعديل ترسيم المرسوم 6433 في مجلس الوزراء من الجانب الزحادي، أي من دون إجراء التفاوض لا مع سوريا ولا مع قبرص ولم يستكمل مفاوضاته غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، وفق إحداثيات جديدة وضعتها قيادة الجيش، فعليه أن يعرض بعد ذلك مشروع المرسوم هذا على مجلس النوّاب لإصدار قانون بشأنه. فالخرائط والوثائق والتقرير البريطاني يجب إعادة مناقشتها في المجلس النيابي من قبل لجنة مشتركة من قيادة الجيش، والشؤون الخارجية، والنقل، والداخلية، بهدف دراستها من قبل النوّاب وعرضها على الخبراء، وإصدار قانون يتمّ التصويت عليه من قبل ثلثي نوّاب المجلس. فمن شأن هذا القانون أن يُظهر التنسيق الكامل من قبل لبنان حول موضوع حدوده البحرية وأنّه يحظى بالإجماع الوطني. علماً بأنّ الخلافات السياسية ستنشأ حول هذا الأمر أيضاً، كون كلّ كتلة نيابية مرتبطة بدولة خارجية معيّنة... ولكن إمّا أننا نريد دولة أم سنبقى بدولة المذاهب والطوائف والأحزاب.

وأشارت الى أنّ تكبير وتوسيع مساحة المنطقة الإقتصادية البحرية الخالصة بموجب مرسوم لا يعني تلقائياً أنّ هذا هو حقّ لبنان، ولا يجب التنازل عنه. فالحدود يجب أن تُرسّم بطريقة مهنية وقانونية وسياسية. فالحلّ هو أن تتوقّف الشخصيات السياسية اللبنانية عن التفاوض كلّ منها بشكل منفرد وأحادي... وأن يكون التنسيق بينهم واضحاً وفوق الطاولة. وبعد ذلك التوجّه الى سوريا وقبرص والعدو الإسرائيلي والدول الكبرى بموقف واضح منسّق، وإلاّ فإنّ الإحداثيات الجديدة سيتمّ الطعن فيها من قبل أميركا والأمم المتحدة والعدو الإسرائيلي، وربما حتى من قبل بريطانيا، سيما أنّه هذه هي المرة الثالثة التي يقوم الجانب اللبناني بتغيير الإحداثيات من دون أن يناقشها النوّاب ويطّلع عليها الشعب اللبناني.

وقالت الأوساط انّ تبليغ لبنان الأمم المتحدة عن حدوده البحريّة يبقى إعلاناً من طرف واحد، إلاّ إذا جرى الإعتراف به دولياً من قبل سائر الأعضاء في الأمم المتحدة. ويبقى السؤال الأساس إذا ما كان العدو الإسرائيلي سيُوافق عليه أم لا، إلا أن قبول الدول الموقف المبدئي اللبناني هو الذي سيُشكّل عامل ضغط على إسرائيل.

كما لفتت الأوساط نفسها أنّه من عادة الدول أن تقوم حكوماتها بنشر وثائق رسميّة تتعلّق بمواقف وطنية أو تفاوضية، تُسمّيها «الكتاب الأبيض»، أو «الكتاب الأزرق»، لكي يتمّ الإطلاع عليه من قبل الجميع. فالتقرير البريطاني قد يكون جرى تسليمه خلال المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي التي عُقدت في الناقورة بين 11 ت1 و14 ت2 الماضيين. وهو أصبح حتماً بمتناول الأميركيين والأمم المتحدة، وبالتالي فإنّ العدو الإسرائيلي قد وصله هذا التقرير. فلماذا إذاً لا يطّلع الشعب اللبناني عليه؟!

ويتساءل بعض المراقبين عمّا سيكون عليه موقف وزير الأشغال العامّة الحالي ميشال نجّار من تعديل مرسوم سبق وأن وقّع عليه وزير الدفاع الوطني فايز غصن في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، وهما يتبعان للتيّار السياسي نفسه. علماً بأنّ الوزراء كانوا يومذاك على عِلم بأنّه على لبنان أن يُضيف مساحة الـ 1430 كلم 2 الى مثلث النزاع الحدود مع العدو الإسرائيلي الذي تبلغ مساحته 860 كلم2. لكنّهم لم يفعلوا في حينه من دون معرفة الأسباب. ولو فعلوا لكانوا جنّبوا لبنان اليوم العمل على تعديل المرسوم 6433، ولكانت المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي التي انطلقت في تشرين الأول الماضي وفق الحدود التي تتمّ اليوم المطالبة بتجديد إحداثياتها لم تتوقّف، أو يُجابه بتهمة أنّ «لبنان بدّل موقفه أكثر من سبع مرّات»، على ما قال العدو الإسرائيلي.