خاص- محنة العقل عند الموارنة وزمن التخفيضات... بقلم يوسف الخوري

  • شارك هذا الخبر
Sunday, April 11, 2021

كتب المخرج يوسف الخوري:

كنت جالسًا مع صديقي وائل خير على شرفته المطلّة على غابة صنوبر في المتن الشمالي، حين عبّر لي عن قلقه من توقيت دعوة البطريرك الراعي إلى عقد مؤتمر دُولي من أجل لبنان. قلت له متسائلًا: - "وهل هناك سبيل آخر لإمكانيّة خلاص لبنان غير المؤتمر الدولي؟" فأجابني: - "قد يكون لا. لكنّني أخشى من التوقيت إذ قد يجعلنا نترحّم على البلايا التي نحن فيها اليوم". سألته التوضيح. فقال بلهجته الساخرة: - "إنّه زمن التخفيضات (soldes) عند الموارنة، فالله هو العليم بأيّ اتّفاق سيورّطوننا متى شاركوا في المؤتمر". فقلت: "هات ما عندك يا صديقي، فضفِض..."

قال:
عام 1969 كان اتّفاق القاهرة وكان الزمانُ سنةً على انتخابات الرئاسة في العام 70. أُنظُرْ بأيّ إتّفاق عاد الجنرال إميل البستاني من القاهرة، سنون مرّت وأنا لا أجد تفسيرًا لهذا التنازل عن السيادة لصالح الفلسطينيين في الإتّفاق، إلّا حسابات الربح والخسارة وكسب أصوات النوّاب السنّة في انتخابات الرئاسة.
عام 1989 كان إتّفاق الطائف وكان الزمان زمنَ فراغ رئاسي. أُنظُرْ بأيّ إتّفاق عاد النواب الموارنة من الطائف، ولا أجد تفسيرًا لجملة تنازلاتهم هناك، سوى أنّ كلًّا من هؤلاء النوّاب كان يسترضي المسلمين ليكسب أصواتهم في انتخابات الرئاسة.

وتابع صديقي وائل قائلًا:
اليوم، نحن تحت دعوة البطريرك إلى مؤتمرٍ دولي، والزمان سنة تقريبًا قبل الإستحقاق الرئاسي، ولا أستغرب إذا اخذنا الموارنة إلى "Black Friday ماروني" في أيّ إتّفاق لإنقاذ لبنان...

قلت:
أوَلست تظلم النوّاب الموارنة في الطائف مثلًا يا صاحبي؟!! كلّ نوّاب الأمّة كانوا هناك حينها.

أجاب:
إطلاقًا، أنا لا أظلم احدًا. الموارنة في الطائف هم الوحيدون الذين قدّموا تنازلات معتبرة. أوَلَم يقُلها نجاح واكيم بعد المؤتمر هناك "طرقنا الموارني"؟
وائل خير، أرثوذكسي، دمث الأخلاق، ولا يتلفّظ بالشتائم، لذا هو قال "طَرَقْنا الموارني" وليس "قَرَطْنا" كما قالها واكيم. بكل الأحوال لا أحد يستطيع "قرط" الموارنة إلّا إذا الموارنة هم أرادوا "قَرْط" أنفسهم...

فكّرت مليًّا بما يقوله صديقي، ووجدت أنّه على حقّ بمكان. فإذا كان للجنرال البستاني، عام 1969، مطامع في الوصول إلى الرئاسة دفعته إلى تقديم تنازلات في القاهرة، فأين باقي النواب المسيحيين والموارنة لم يُسقطوا الإتّفاق في مجلس النوّاب؟! أين كان كميل شمعون وسليمان فرنجية وبيار الجميّل؟!! ولماذا لم يعلُ في المجلس إلّا صوت ريمون إدّه معترضًا على إصرار رشيد كرامه الذي أراد تمرير الإتّفاق من دون أن يَطّلع النواب على مضمونه قبل إقراره؟!!! ونجح كرامه...

أنا اليوم أسأل إين كانوا!؟

على ما يبدو كانوا عاملين "صولد" حتى الصمت!!!

في الطائف، لم تقلّ تنزيلات الموارنة انهزامًا عن تنزيلاتهم في القاهرة. يُحكى أنّ حسين الحسيني كان، لإكمال نصاب جلسة إنتخاب الرئيس في القليعات بعد الطائف، يتّصل بكل نائب ماروني على حدة ويقول له: "حضّر البيان الرئاسي وتعا عالجلسي، وما تجيب سيري إنّي حكيتك". في الحقيقة هكذا كان... رفض الموارنة ميخائيل الضاهر وراحوا عملوا "صولد"، حتّى الصمت أيضًا، في الطائف!!!

أحمدُ الله عزّ وجلّ، أنّ صديقي وائل، الأرثوذكسي، فاتته التخفيضات المارونيّة في الدوحة، والتي تعاون الموارنة على تحقيقها، بالتكافل والتضامن، مع باقي منظومة الفساد في الدولة اللبنانيّة. أحمد الله أيضًا أن فاتت صديقي قصّة الـ "Black Friday الماروني" الذي أقامه الرئيس بشارة الخوري على شرف اللاجئين الفلسطينيين، ولغريب الصدف أنّي سمعت هذه القصّة من قائد حرّاس الأرز "أبو أرز" نقلًا عن القاضي أسعد جرمانوس الذي بدوره أكّدها لي في إحدى جلساتنا في دارة وائل خير بدوما. فروى لي الشيخ أسعد:
إستدعى رياض الصلح المرحوم والدي (الشيخ يوسف)، إلى مكتبه في رئاسة الحكومة، وقال له: إن صديقك الشيخ بشارة الخوري سيُدخل لاجئين فلسطينيين إلى لبنان، وهذا أمر يشكل خطراً جسيماً على البلد في المستقبل. إذهب إليه يا شيخ يوسف علّك تُقنعه بعدم الإقدام على ذلك، فأنا شخصيًّا حاولت ولم أُفلح.

على الفور توجّه الشيخ يوسف إلى القصر الجمهوري في القنطاري، فوجد الرئيس الشيخ بشارة جالسًا يتناول طعام العشاء، وكان الطعام سمكًا. دعا الشيخ بشارة الشيخ يوسف إلى مشاركته وجبة السمك الطازج المرسل من البترون من عند آل ضو، وكان بذلك يلمّح إلى أنّ السمك هو هديّة من أهل زوجة الشيخ يوسف في البترون، غير أنّ الأخير دخل مباشرة بالموضوع: “جئت أسألك إذا كنتَ فعلًا مزمعًا على إدخال آلاف الفلسطينيين إلى لبنان؟" فأجاب الرئيس: "أنصحك بأكل السمك"، فاعتذر الشيخ يوسف وأصرّ على سماع الجواب. عندها قال الرئيس: "في الانتخابات النيابية الأخيرة، فاز حزب الكتلة الوطنية على حزبنا (الدستوري) بأصوات الناخبين الأرمن الذين اقترعوا لصالحه. إذا أدخلنا الفلسطينيين، فسوف ينتخبون لمصلحتنا في الانتخابات المُقبلة ونفوز على أخصامنا." عندها انصرف الشيخ يوسف وهو يتمتم: "لن آكل سمكاً بعد اليوم."

يومئذ كان الزمان سنةً قبل انتهاء ولاية رئاسة الخوري، وكان يرغب بأن يُجَدِد لنفسه، فاعتقد أنّه باستقبال الفلسطينيين سيلقى حظوة لدى السنة ويدعموه لولاية ثانية.

إنّها فعلًا محنة العقل عند الموارنة!

الرئاسة الأولى هي شرّ البليّة للموارنة، وشرّ ما فيها أنّ الموارنة لا يزالون متمسّكين بها وهي رميم.

ربّي يسوع، أبعد عن اللبنانيين شبح انعقاد المؤتمر الدولي قبل سنة من الانتخابات الرئاسية، ونجّهم من خطر الـ "صولد" الماروني على السباق إلى رئاسة الجمهوريّة، وكما تعاملت مع مار بولس لمّا تجرّأ عليك، تعامل مع زعماء الموارنة. أعمِ بصائرهم. جنّنهم لينسوا خلافاتهم وينسوا أنّ هناك انتخابات مقبلة. وهم أصحّاء سيقضون علينا وعلى لبنان، فربما وهم مجانين يعود إلينا الأمل بأنّنا فعلًا باقون في هذا الوطن، فلا يقوى علينا معطوبو الرئاسة ولا غيرهم من أصحاب "الصولدات".